مقالات العدد الأخير

حقيقة الصراع بين أفغانستان وباكستان

عبدالمالك (سالارزي) – ماجستير في العلوم الإسلامية وموظف في وزارة الخارجية

 

تضاعفت مظاهر الخلاف بين أفغانستان وباكستان في الآونة الأخيرة واحتلت منزلة الصدارة في الصحف المحلية والعالمية بسبب قيام باكستان إغلاق المعبر الحيوي (طورخم) بين الدولتين الجارتين، وخلق حالة من التوتر الشديد أدت إلى الصدام المسلح بين حرس الحدود، ولم تضع الحرب أوزارها بعد -حتى كتابة هذه السطور-، وليست هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها باكستان بإغلاق هذا المعبر وإنما تكرر سبع مرات منذ عقدين من الزمن، الأمر الذي يدفع ثمنه المرضى والعجزة والنساء والأطفال الذين تتقطع بهم السبل ويبقون عالقين في الجانبين ينتظرون انتهاء الأزمة. وتسبّب الإغلاق كل مرة في خسارة الملايين من الدولارات وفساد مئات الأطنان من الخضراوات والفواكه وغيرها من البضائع التي تحتاج إلى التعامل معها بشكل فوري، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هي الأسباب الآنية والتاريخية التي تؤدي إلى إغلاق الحدود بين فينة وأخرى، وما الذي تصبو إليه باكستان من خلال هذه الممارسات تجاه أفغانستان؟

 

منشأ الخلاف تاريخيا

تعود جذور الخلاف بين الدولتين حول الحدود إلى التسعينيات من القرن الثامن عشر لما قامت بريطانيا بضم أراضي القبائل البشتونية التي تستوطن المناطق الجبلية في جنوب وشرق أفغانستان إلى الهند من خلال اتفاقية جدلية عام (1893) م بين الحاكم الأفغاني الأمير عبدالرحمن خان ومستشار وزير الخارجية البريطاني آنذاك هينري موتيمر ديورند، وذلك بسبب النكسات التي تعرضت لها بريطانيا العظمى والهزائم المتتالية التي مُنّيت بها جيوشها بفضل المقاومة المستميتة التي أبدتها القبائل الأفغانية للدفاع عن أراضيهم.

 

بريطانيا تضطر للتفاوض مع الأفغان

لما علم الإنجليز أنهم لن ينتصروا على الأفغان عن طريق القوة؛ اضطروا لاستبدال لغة الحرب بلغة الحوار والمفاوضاوت، فقاموا بمساندة الأمير عبدالرحمن خان ليصل إلى الحكم، ومن ثم أبلغوه بأن الامبراطورية البريطانية ترغب في التوصل لاتفاق لإنهاء الصراع بين الجانبين، لكن الاتفاقية لم تحظ بالقبول في الأوساط الأفغانية، فقام الأفغان بالثورات تلو الثورات وأنهكوا الجيوش الغازية بحروب العصابات التي أضعفت قواهم و كبدتهم خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.

 

رحلت بريطانيا بعدما أنشأت باكستان

ولما عزمت بريطانيا على الرحيل عام 1947م، طالب الأفغان باسترداد أراضيهم وضمها لأفغانستان، تجاهلت بريطانيا نداءاتهم وقامت بإنشاء دولة وليدة باسم باكستان على قلب تلك المناطق ليبدأ عصر جديد للصراع ويدخل الأفغان مجددا في نزاع مع دولة حديثة الولادة تمتاز بالتأييد الكامل من الغرب، وعندما طُرحت قضية الاعتراف بباكستان في الأمم المتحدة كانت أفغانستان الدولة الوحيدة التي أحجمت عن الاعتراف بها كونها تقوم على أراضيها؛ الأمر الذي أثار حفيظة الباكستانيين وأخذوها في قلوبهم على الأفغان.

 

نص الاتفاقية

الاتفاقية تتضمن سبع مواد، لكن لا يسعنا أن نذكر كل المواد بالتفصيل تفاديا للحشو الممل ونظراً لعدم تعلقها بموضوعنا، كونها أسماء المناطق المقسمة على الطرفين، لكننا حتما سنشير إلى ما يتعلق بموضوعنا، حيث تنص المادة الثانية على تعهد الطرفين باحترام الحدود وعدم إثارة أية مشاكل للجانب الآخر وعدم التدخل من الجانبين في شؤون الجانب الآخر. كما تنص المادة السابعة من المعاهدة على أن الحكومة البريطانية لن تدخر جهدا في ازدهار أفغانستان واحترام سيادتها ولن تقوم الحكومة الهندية أبدًا بأي إجراء من شأنه أن يؤدي إلى حرب مع أفغانستان. وبما أن أمير أفغانستان مستعد للتفاوض بشأن هذه الاتفاقية، فإن حكومة الهند تعتبر نفسها ملزمة بدفع مبلغ إضافي قدره ستمائة ألف روبية لأمير أفغانستان سنوياً، وهو ما يرفع المبلغ الإجمالي إلى مليون ومائتي ألف روبية سنوياً.

 

عدم مشروعية الاتفاقية

يقول خبراء في القوانين الدولية بأن الاتفاقية المذكورة تفتقر إلى العديد من المرتكزات القانونية التي تمنحها الغطاء الشرعي والقانوني، من ذلك مثلا: يكون العقد صحيحًا ومقبولاً عندما يكون الطرفان متساويين في القوة والسلطة ويكون لديهم السلطة والقدرة على الموافقة على العقد، فإذا لم يكن هناك توازن في القوة وكان أحد الطرفين يتفوق سياسيا أو اقتصاديا أو عسكريا على الطرف الآخر فإن الاتفاق الذي يتم في ظل هذه الظروف ليس اتفاقاً بل هو فرض وإكراه وقوة يفرضها القوي على الضعيف.

المسألة الثانية: هي أن الشرط الأساسي للعقد هو أن يكون للأطراف المعنية به الصلاحية القانونية والأصولية اللازمة لإبرامه وتوقيعه وهم الشعب وممثلوه في البرلمان، أما العقد الذي يتم توقيعه من قبل شخص أو جهة أو سلطة غير مخولة، فإنه لا يحمل أية قيمة تنفيذية أو عملية، ويظل مجرد حبر على ورق. وذلك لأن الالتزام الوارد فيه يتجاوز قدرة الملتزمين، كما أنه يتناول موضوعًا لا تربطهم به أي علاقة أو ارتباط قانوني.

ثالثا: تظل الاتفاقية سارية المفعول بين الأطراف المعنية طالما أن هذه الأطراف موجودة. ولكن بمجرد زوال الأطراف المشاركة في العقد، يفقد العقد أيضًا اعتباره ومصداقيته. وذلك لأن الاتفاقية تُبرم خصيصًا للأطراف المتعهدة، وهي مُلزمة لهم من حيث الالتزام بها والوفاء بشروطها، فهذه الاتفاقية لم تعد ملزمة بعد زوال الاستعمار البريطاني كما لا يحق لأي أحد أو أية جهة أن تدّعي الالتزام بها بحكم الوراثة أو المنحة، وهذا يجعل الادعاء الباكستاني على المحك.

لقد كانت هذه الاتفاقية بين قوة استعمارية قوية من جهة وأمير ضعيف من جهة أخرى كان الشعب يشمئز منه، وبالتالي كانت صفقة مفروضة قسراً، وأي عمل يتم بالقوة لا اعتبار له ولا مصداقية.

 

مخاوف باكستان

ما فتئت باكستان منذ نشأتها تحاول جاهدة إقناع الزعماء الأفغان ورؤساء الحكومات المتعاقبة في أفغانستان بالاعتراف بخط ديورند، لاسيما وأن المدة التي حددت في الاتفاقية قد انتهت عام 1993م لأنها كانت لمدة مائة عام، لكن محاولاتها تبوء بالفشل ويقابَل عرضها بالرفض الشديد، فتلجأ إلى التصريحات التي يلقيها المسؤولون الباكستانيون من وقت لآخر بأن المطالبة باسترداد الأراضي مجرد حلم يراود الأفغان ولن يتحقق أبدا.

 

أوراق الضغط عند باكستان

تمتلك باكستان العديد من أوراق الضغط بيدها وهي نفسها نقاط ضعف عند جارتها أفغانستان، ومن أبرزها ورقة اللاجئين الأفغان والتلويح بترحيلهم قسرا كما يحدث الآن، وكذلك إغلاق معبر طورخم الرئة الاقتصادية التي تتنفس من خلالها أفغانستان، وما يحدث الآن هناك ليس سوى حلقة من سلسلة الضغط والإكراه ويعكس حجم القلق الذي يراود الساسة الباكستانيين والدولة العميقة المتمثلة في الجيش والمخابرات، فهذه القضية تعتبرها باكستان قضية مصيرية ووجودية ولن تتخلى عنها مهما كان الثمن، وتستخدم كل الوسائل المتاحة من أجل إرغام الجانب الأفغاني على الاعتراف بخط ديورند رغم أن الجانب الأفغاني لم يبدِ حتى الآن أية مرونة في موقفه من الخط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى