مقالات الأعداد السابقة

حكاية أليمة عن مظالم سي آي إيه

بقلم: عبدالله

 

هذه حكاية مواطنٍ أفغاني تفيض دموعك وتحكي عن مدى وحشية الأمريكان وبربريتهم.

كان موظفوا سي آي إيه يسكنون مع القوّات الخاصة الأمريكية في أسعد آباد بولاية كونر في قاعدة عسكرية محصّنة، وكانت تُستهدف بين الفينة والفينة بالصواريخ، وكان الأمريكان يسمعون صوت الصواريخ من بُعد؛ لأنّ في أسعدآباد لا صوت إلا صوتين صوت الأشجار والطيور المغرّدة.

فالصواريخ لم تكن تصيب هدفها إلا أنّها كانت مزعجة للأمريكان، ووالي كونر “سيد فضل أكبر” المنسّق الأصلي للأمريكان في أسعد آباد، وكان له محل قماش في أمريكا قبل مجيئه مع كرزاي، فصار فيما بعد متحدّثه، ثم جعله والياً لولاية كونر، وذهب مع ابنه حيدر إلى كونر، لأنه كبُر في كاليفورنيا ويتكلم الإنكليزية بطلاقة.

فقال موظف السي آي إيه لمسؤول هذه القاعدة العسكرية “فرانك أركي بالد”: إني أعرف الذي يُرشد مطلق الصواريخ على هذه القاعدة واسمه عبد الولي، فأوصل الأمريكان هذا الخبر إلى الوالي، ثم وصل الخبر إلى أهالي قرية عبد الولي بأنّ الأمريكان وراءك ويريدون أسرك.

فذهب عبد الولي في شهر يونيو مع إخوانه ووجهاء قبيلته إلى مكتب الوالي، ونفى مساعدته وأنّ معلومات الأمريكان خاطئة، فقال الوالي: إذا كنتَ بريئاً، فأنا أضمنك عند الأمريكان، ثم قال: ينبغي لعبد الولي بأن يزور الأمريكان ويتحدّث معهم حول براءته.

كان عبد الولي يخاف من الأمريكان، فقال للوالي: (إني سمعتُ بأنّ الأمريكان يُعذّبون في قاعدتهم، ولا يتركون الشخص لينام، وينزعون ملابسه)، فقال الوالي: كل هذه شائعات لا أساس لها من الصحة، فإنني عشتُ في أمريكا، لن يفعل الأمريكان هذه الأمور. إلا أنّ عبد الولي كان يخاف أن يذهب إلى قاعدة الأمريكان، فقال الوالي: سوف أرسل ابني معك فهو درس في أمريكا وسيكون مترجمك للأمريكان.

فوجد عبد الولي في نفسه شيئاً من الجرأة، فركبوا سيارة واتّجهوا نحو القاعدة الأمريكية، فكان عبدالولي ترتعد فرائصه إلا أنّ حيدر – ابن الوالي- كان يُطمئنه.

كانت زيارتهم في غرفة الحراسة مع الأمريكان، فبادر برايان هالستيد المسؤول الأمني بسرد بعض الأسئلة، ويكتب ما يجيب عبد الولي بصوتٍ هادئ متين، فكان يسأل عبد الولي تعرف الطالبان؟ أو القاعدة أو الحزب الإسلامي؟ فنفى عبد الولي كل ذلك.

ثم سأله هل ذهبت إلى باكستان أخيراً؟ فقال عبد الولي: نعم ذهبتُ لدفع ديوني، إلا أنني لا أعرف تاريخ ذلك بالضبط ولا أدري كم مكثتُ، ففي كونر معظم المواطنين لا يملكون بطاقات الهوية، ولا يعرفون أعمارهم بالضبط، إلا أنّ الأمريكان شكّوا فيه عندما لم يعرف حيدر تاريخ ذهابه إلى باكستان، فتمعّر وجه موظف سي آي إيه وهدّد وصرخ في وجه عبد الولي: إنّك لو كذبتَ، قتلتكَ أنت وجميع أعضاء أسرتك.

فحزن حيدر الأكبري، وتلعثم ولم يقدر على أن ينطق ويُترجم، فجاء مترجم آخر، واحمرّت عيون موظف سي آي إيه من الغضب، وقال إنّ عبد الولي سيمكث هنا أيام لإجراء التحقيق معه.

فاغتمّ حيدر، الذي تخرّج حديثاً من المدرسة، ويملك جنسية أمريكية، والذي جاء لمساعدة بلاده الجريحة، فرأى بأمّ عينيه مظالم الأمريكان بحق أبناء شعبه، تلك المظالم التي كان يقترفها الروس في سالف الأيام.

وأثناء خروج حيدر من الغرفة وضع يده على كتف عبد الولي وطمأنه وقال له: (اصدق معهم ولا تنطق إلا بالصدق).

فجاء الجنود وقيّدوا يديه ووضعوا رأسه في كيسٍ وأودعوه في غرفة، وكل جندي يحرس نحو 4 ساعات، وفي الليلة الأولى كان يحرس عليه متيو جانسن، فجاء موظف سي آي إيه ديفيد باسرو وقال: إنني أجري تحقيقاً مع السجين عبد الولي، ثم قال لجانسون إذا كنتَ رقيق القلب فاتركنا لوحدنا لأنّ هذا التحقيق يختلف مع التحقيق الذي يكون مع العسكريين.

فدخل باسرو في الغرفة وكسر الكراسي، وأخذ بعض الأخشاب للتعذيب، وضرب برأس عبد الولي إلى الحيطان، ثم ألقاه إلى الأرض فأصاب رأسه إلى الأرض، وكانت أيديه مكبّلة حتى اللحظة ورأسه في الكيس.

فضربه ضرباً مبرّحاً، وألقاه على وجهه، ثم جلس على ظهره، وبدأ التحقيق معه بهذه الحالة، وكان يركله مع كل سؤال، ويضربه بالخشب، ثم قال له: عليك بأن تعترف بكل ما أملي عليك، وإلا ستسوء حالك أكثر من هذا.

إنّ معاملة موظفي إدارة سي آي إيه تحكي عن مدى انحطاط خلق هذه الإدارة، وكان هذا الموظف يرى أعماله حسنة؛ لأنه عمل كمحقق في باغرام أيضاً، وفي عام 2003م شاع قانون تشريع العقوبات في أفغانستان، فكان موظفوا سي آي إيه يفعلون ما يشاؤون، فليس ثمّة قانون يردعهم، وفي ذلك العام نفسه أرسل مكتب سي آي إيه إلى مكتبها الرئيسي: (لقد وصلنا إلى أنّ بعض الأسرى لم تجرِ معهم تحقيقات لشهور عدّة وإنّ معلوماتنا حول بعض الأسرى ضئيلة، ولم يُنظر في ملفات بعض الأسرى مع أنه مضى عليها عامٌ كامل).

وفي صباح اليوم التالي كتب “ستيفن جونز” لامرأته: (إنّ الأسير لا يساعدنا في تحقيقاته، إنه لم ينم البارحة لأننا لم نترك له فرصة لأن يغمض له جفن، وعذّبناه عذاباً شديداً، ولا أحسب أنه يقدر المشي على رجليه إلى أربعة أيام أخرى).

وبعدما عُذّب عبد الولي في الليلة الأولى؛ أشار إلى بعض حرّاسه بأن يطلق على رأسه بطلقة، إلا أنّهم لم يستجيبوا لطلبه، واستمروا في تعذيبه كما أمر موظف سي آي إيه.

وأمروا المترجم بأن يقول له أنه إذا أراد أن يعترف حول الصواريخ التي تُطلق على القاعدة، فليقل «ديف، ديف، ديف» بصوت عالٍ ليأتيه موظفوا سي آي إيه.

وفي ليلة 20 يونيو جاء جندي اسمه «کیوین جبتین»، وحكى بعد ذلك: بأنّ عبد الولي لم ينم يوماً وليلة، ولم يذُق طعاماً أو شراباً، وكان يُعذّب بلا انقطاع، وصار كالمجانين يتكلّم مع نفسه، ويضع يده على قلبه ويتململ كالسليم.

وبعد لحظاتٍ جاء ديفيد باسرو موظف سي آي إيه في سيّارة ولم يُطفئ أنوار السيارة، مع أنّ القانون كان ينص على إطفائها في داخل القاعدة ليلاً، فلم يتجرأ الجنود على أنْ يذكّروه بهذا القانون، وكان في يده كأساً بلاستيكياً فيه خمر، وكان على فمه رائحة الخمر، فأعطى الكأس إلى جندي ثم قال: خذ الكأس، وأشار إلى “جبتين” كي يتبعه إلى غرفة عبد الولي.

فبدأ ديفيد باسرو التحقيقات مرّة أخرى مع السجين، من يأمرك بتنفيذ هذه الهجمات؟ أين مخازن أسلحتكم؟ فكان عبد الولي يقول: لا أدري.

فأطفأ باسرو كشّافته، وعمّ الظلام في الغرفة، فكان “جبتين” لا يرى شيئاً، إلا أنه كان يسمع صوت الركل الذي يركل به عبد الولي، فكان عبد الولي يصرخ ويبكي، فسأل السجين موظف السي آي إيه لماذا تضربني؟

وكان رأسه في الكيس حتى الآن .. لماذا تتكلم، إنك لا تشعر بألم، كيف تعرف بأنني أضربك، لعل الحارس يضربك أو شخص آخر، يقول “جبتين” أحزنني قوله هذا، فإنني لم أكن أضربه.

وكان باسرو يضرب السجين نحو ساعة ونصف ساعة ويسأله، ثم خرج من الغرفة وأمرهم: اضغطوا عليه ولا تسمحوا له بأن ينام.

ورجع جبتين في 21 من يونيو مرة أخرى إلى وظيفته، فيقول: كان على وجه ويدي عبد الولي شقوقاً وكأنه كان في عراك، لم يكن يقدر على أن يتحرك، وكان يئنّ، وكأنه يتكلم مع الجدار.

كان “ستيفين جونز” – مسؤول سي آي إيه في تلك القاعدة- في مكتبه جالساً، فجاء حارس واستدعاه ليرى ذلك السجين مرّة، فكان عبد الولي ساقطاً على وجهه، وتشحّب وجهه وكان يئنّ من الألم، فجاء أطبّاء القاعدة العسكرية ونصبوا جهاز الأوكسيجين، وبادروا بعلاجه بالقسطرة الوريدية، إلا أنّ عبد الولي فاضت روحه بعد ساعة.

وفي الصباح استُدعي فضل أكبر (والي كونر) إلى هذه القاعدة العسكرية، فقال القائد العسكري مارك ميلر له: مع الأسف إني أحمل لك خبراً سيئاً، إنّ عبد الولي قد مات، فمكث الوالي لحظة ثم قال: إنّ هذا سيء للغاية، فقال ديفيد باسرو: إنّ السجين كان يُحاول بأن يفك قيوده، وينطح برأسه الجدار.

فرأى الوالي وابنه الميّت، فقال مارك ميلر: إنّ المسؤولين يريدون نقل الميت إلى الطب الشرعي، إلا أنّ الوالي امتنع عن ذلك قائلاً: إنّ الطب الشرعي يبيّن للمواطنين سبب الوفاة ويثبت للمواطنين بأنّ تعذيب الأمريكان وحشي للغاية.

وطلب الوالي من الأمريكان بأن يتركوا الجسد ولا يفعلوا به شيئاً، فجاء ورثته لاستلام الجسد، وأعطاهم الأمريكان ألفي دولار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى