حكایة الحكم في أفغانستان
رضوان الكابلي
هنالك حكایة طریفة في أدبنا العامي، حكایة ربما توضح واقع الحكم في أفغانستان في ظل الاحتلال. الحكایة تقول: أنه في قدیم الزمان، سافر جمع من العمال الفقراء إلی مدینة أخری للعمل وادخار مال یعیشون به عند العودة. فغادروا البلد وبقوا في البلد الجدید سنوات عدیدة وجمعوا مالاً كثیراً. وبعد هذه المدة الطویلة، عزموا على العودة إلی بلدهم. وفي الطریق عندما كانوا یخرجون من المدینة، قطع طریقهم سارق مسلح، وسرق جمیع ما اكتنزوه طوال هذه السنوات. فحزن العمال الفقراء إذ فقدوا في لحظة حصیلة تعب سنوات. لذلك اتفقت كلمتهم علی الرجوع إلی ملك ذالك البلد. وبعد اجتياز العراقیل، تشرفوا بالحضور إلی الملك، فشكوا إلیه وقصوا له قصتهم. فاستمع الملك إليهم، ثم قال لهم: إن قصتكم مؤلمة جداً، ولكن أحضروا السارق لكي نحاكمه. فأجاب المتحدث باسم العمال: (یا حضرة الملك، إننا لو استطعنا إحضار السارق، لما استطاع سرقة أموالنا. إننا لا نعرفه، ونحن غرباء في هذا البلد. أنت الحاكم ووظیفتك إحضار السارق وإلقاء القبض علیه). فرد الملك في سفاهة: انصرفوا، إنكم تحددون وظيفتي. فأمر الحراس بطردهم من القصر الملكي.
عند ذلك أشار أحد العمال على أصحابه بترك المدینة وعدم مواصلة التشاجر مع الملك. ولكن أحد العمال كان ذكیاً جداً، فقال: یا أصحاب، إنني فهمت من تعامل الملك هذا، أنه لا یوجد في هذا البلد من يسأل ولا يتعقب أي جرم یرتكبه المجرمون. لذلك كونوا معي لنجمع الأموال. فذهبوا إلی مقبرة المدینة، ونصبوا لأنفسهم خیمة ثم بیتاً، وبدأوا بأخذ المال نظير دفن الأموات في تلك المقبرة. وقالوا لجمیع الزائرين أنهم یأخذون هذا المال بأمر من الملك.
مضت سنوات وهم یأخذون المال ولا يسألهم أحد. حتی توفي ابن الملك. فأرادوا دفنه في تلك المقبرة. فجاء هؤلاء العمال وأخذوا مالاً كثیراً من وزیر الملك. فسألهم الوزیر: من أذن لكم بأخذ المال نظير إعطاء القبر؟ أجابوا أنهم یأخذونه بأمر من الملك. فأعطاهم الوزیر المال، وفي قلبه أن یسأل الملك عن السر. ولكنه نسي. بعد مدة، سأل الملك، فقال الملك أنه لم یأذن لأحد بهذا الصدد. فأمر بإحضار العمال وسألهم عن القضیة. فقالوا: إننا شكونا إليك سرقة أموالنا، لكننا فهمنا بعد ذلك أنه لا یوجد في هذا البلد سؤال ولا تعقیب.
عند ذلك فهم الملك خطأه، وصوبهم في نظرهم. انتهت الحكایة.
لا یهمنا مدی صدق هذه الحكایة، إلا أنها تصدق تماماً علی الحكم في أفغانستان. إذ یوجد تقاریر موثقة عن سرقة منظمة وممنهجة في جمیع ولایات أفغانستان حیث یحكم علیها المحتلون. كانت القضیة تنحصر سابقاً في تعاطي الرشوة. ولكن الیوم تفاقم الأمر واشتد البلاء وبلغ الأمر انتشار أنواع السرقة المسلحة وغیر المسلحة، وذلك بأیدي رجال الحكم.
إن الفساد والسرقة بلغت إلی حد أن الذي في یده خشب ولا یملك سلاحاً یأخذ المال من الشعب. والسرقة المسلحة یقوم بها كثیر من رجال الشرطة جهاراً. وسمعنا مؤخراً في إحدی الولایات أن رجال الحكومة قاموا بسرقة السیارات، وقد ألقي علیهم القبض، بعد سرقة العدید من السیارات. هذا ووالي إحدی الولایات الحدودیة باتفاق مع رئیس الأمن الوطني وبعض أصحاب النفوذ بدأ یتسلم المال من السیارات التي تنقل المسافرین الأفغان إلی خارج البلد. وقد قام أحد العلماء برفع الكوالیس عن هذه السرقة وهددهم في خطابه أمام الشعب. ولكن بعد أسبوع من هذا الخطاب والتهدید، أغتیل ذلك العالم في بیته بأیدي رجال مجهولین.
والعجب أن جمیع السارقین یقومون بهذه الجنایات باسم القانون، وأن لدیهم تصاريح رسمیة للقيام بهذا العمل. لذلك كثرت السرقة في جمیع أنحاء البلد. وكلٌ یسرق ویتذرع بأن رجال الدولة یسرقون، فكیف لا نسرق نحن! وقد قیل (الناس علی دین ملوكهم). لقد صدق القائل. فحق للشعب الأفغاني أن یسرق، لأن رجال الدولة بدءاً من رئیس الجمهورية إلی موظف البلدیة مشغولون بسرقة الشعب. فصارت أفغانستان جحیماً لا یُطاق. لذلك اكتسحت البلد موجة جدیدة من الهجرة ومغادرة البلد. ولم یبق في المدن إلا الموظف الحكومي الذي لا یستطیع الخروج من البلد بسبب الفقر.
لا ندري إلی متی ستستمر هذه الأوضاع الحرجة المتأزمة؟ ولكن الذي یؤلمنا هو معاناة الطبقة الفقیرة من أبناء هذه الأمة. إن مسؤولیة العلماء والدعاة وأصحاب الفكر كبیرة في هذا الشأن. علیهم أن ینوروا العقول وأن یرفعوا القناع عن فضائح هذه الدولة العمیلة التي لم تستطع طوال الـ۱۵ سنة تحقیق شيء، بل دهورت الأوضاع وأجبرت الناس علی ارتكاب الجرائم جراء الفقر والبطالة.
لاشك أن الیقظة حاجة شعبنا في هذه الساعة الحرجة. وأن شعبنا لابد أن یفیق من غفوته وأن یعرف عدوه من صدیقه. والله إن القلب يحترق والعین تدمع من مشاهدة معاناة شعبنا الأبي من مشاكل خلفها المحتلون في هذا البلد.
ندعو الله سبحانه وتعالی أن یفرج همومنا وأن یرزقنا فتحا مبینا أمام المحتلین. وما ذلك علی الله بعزیز.