مقالات الأعداد السابقة

حوار مجلة الصمود مع الدكتور (محمد نعيم وردك) المتحدث باسم المكتب السياسي للإمارة الإسلامية في قطر

إشارة:

كان العالم يتوقّع أن تواجه أفغانستان الفوضى بعد رحيل القوات الأمريكية، لكن لم يحدثْ ذلك؛ فجمّدوا الأرصدة في البنك المركزي، وانتظروا متربّصين انهيار الحكومة التي أسستها الإمارة الإسلامية، ولكن الحكومة بإذن الله قائمة على قدم وساق تقدم خدماتها وخيراتها للمواطنين، كما دفعتْ رواتب موظفيها من العوائد والضرائب.

رغم نجاح الإمارة الإسلامية في توفير الأمن، ورغم تفوقها وتغلّبها على أصعب المراحل وأكثرها حرجاً، وإعلانها عن التعامل مع العالم من خلال التفاوض والمصالح المشتركة؛ إلا أن أحداً من الدول لم تعلن الاعتراف بحكومتها، وما زال كرسي ممثلها في الأمم المتحدة فارغًا ينتظر من يمثلها. والسؤال الذي يطرح نفسه: ماهي وجهة نظر قادة الإمارة الإسلامية تجاه هذا الإهمال المتعمّد من قبل المجتمع الدولي، وعدم الاعتراف بحكومتهم؟ ومن يدير السفارات في البلدان المختلفة حاليًّا؟ وما هي خطّة الإمارة لحلّ المشكلات الاقتصادية التي يواجهها الشعب الأفغاني منذ عقود؟

هذه الأسئلة وأسئلة أخرى طرحتْها إدارة مجلة الصمود في حوار لها مع الدكتور محمد نعيم وردك المتحدث باسم المكتب السياسي للإمارة الإسلامية في قطر. وفيما يلي نص الحوار:

 

مجلة الصمود: بدايةً نرحّب بكم، ونشكركم على إتاحة الفرصة للحوار مع مجلة الصمود.

الدکتورمحمد نعيم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الشكر موصول لكم حيث أتحتم لي فرصة لإيصال رسالة إلى الجمهور.

 

مجلة الصمود: نظراً إلى الحرب التي دارت بين الإمارة الإسلامية والولايات المتحدة لعشرين سنة، يُتوقع أن تميل الإمارة الإسلامية إلى الصين وروسيا بعد زوال الاحتلال، برأيكم هل ترجح الإمارة الصين وروسيا على الغرب في علاقاتها التجارية والسياسية والاقتصادية؟

الدکتور محمد نعيم: الحرب بين شعبنا والاحتلال الذي كانت ترأسه أمريكا، لم يبدأها شعبنا؛ بل فُرضت عليه، والحمد لله على إنهاء هذه الحرب الغاشمة الطاحنة.

موقفنا منذ البداية واضح، بأننا نريد التعامل وبناء العلاقات الإيجابية مع العالم، بما فيه دول الجوار ودول المنطقة والمجتمع الدولي بما فيه الولايات المتحدة، وهذا ما نوّه به أخيرًا سماحة رئيس الوزراء السيد الملا محمد حسن – حفظه الله – في خطابه إلى الشعب والعالم.

نحن نريد بناء مستقبل زاهر ومتقدم لشعبنا ولبلدنا من خلال التفاهم مع المجمتع الدولي، ولا بد من التذكير بأن جميع علاقاتنا الخارجية وتعاملاتنا الداخلية تستند إلى أصلين أساسيين: أصول شريعتنا السمحة، والمصالح العامّة لشعبنا ووطننا.

نحن لا نريد أن نكون مع دولة ضد دولة أخرى، ليس هذا هدفنا ولا نسعى لذلك، بل هدفُنا خدمة شعبنا وتحقيق مصالحه، والتعامل الإيجابي مع المجتمع الدولي.

 

مجلة الصمود: إذا طلب الأمريكيون إعادة فتح سفارتهم في كابول، فهل ستأذن الإمارة بذلك أم لا؟

الدکتور محمد نعيم: نحن أعلنّا أكثر من مرّة بأننا نريد من جميع الدول أن تفتح سفاراتها ومراكزها الدبلوماسية في البلد، حيث الطرق الدبلوماسية هي أحسن طريق للوصول إلى الأهداف، ومن خلالها يمكن تحقيق مصالح الشعوب والبلدان.

 

مجلة الصمود: برأيكم لماذا لم تبادر دول المنطقة، ولا سيما المجاورة، إلى الاعتراف بحكومة الإمارة الإسلامية لحد الآن؟

الدکتور محمد نعيم: لا شك في أن هذا أمر مؤسف للغاية، حيث إن الإمارة الإسلامية هي الممثلة الحقيقية للشعب الأفغاني، وأنها قد أنهت الاحتلال، والحرب الطاحنة التي كان الشعب يعاني من ويلاتها منذ أكثر من أربعين سنة، وبسطت سيطرتها – بفضل من الله ثمّ بمساعدة الشعب – على جميع أراضي البلاد، ووفّرت الأمن والأمان في  ربوع البلاد، واستأصلت جذور الفساد المستشري في الإدارة السابقة بمختلف أنواعه، وقد كان المجتمع الدولي بشكل عام يشتكي سابقًا من عدم تهيئة الأوضاع لتقديم المساعدات للشعب الأفغاني المظلوم، والآن الفرصة سانحة – والحمد لله – فعليهم جميعًا، وبالأخص الدول الإسلامية، أن تساعد الشعب الأفغاني من خلال الاعتراف بالحكومة الحالية، حيث الاعتراف بالنظام في الأصل اعتراف بالشعب، والشعبُ الأفغاني مثل بقية الشعوب من حقه أن يُعترف به وأن يُعامل مثل الشعوب الأخرى.

 

مجلة الصمود: من يدير سفارات أفغانستان حاليًا في الدول المختلفة؟

الدکتور محمد نعيم: السفارات والقنصليات أو التمثيل الدبلوماسي لأفغانستان كما هو في السابق، لعلكم تعرفون بأن وزارة الخارجية قد أصدرت تعليمات قبل أشهر لجميع المراكز الدبلوماسية الأفغانية في الخارج بأن تقوم بأعمالها وتدير الشؤون بشكل طبيعي، والهدف من ذلك أننا يهمّنا حل مشكلات مواطنينا ومصالح شعبنا من خلال التفاهم والتعامل مع الدول.

وبناء على ذلك، الأمور تسير بشكل عادي، وتُقدم الخدمات للمواطنين وغير المواطنين في مختلف الدول، ونحن نسعى لحل جميع المشكلات.

 

مجلة الصمود: ازدادت المشاكل الاقتصادية بعد رحيل الاحتلال، وارتفعت الأسعار، فما هي مشاريع الإمارة لحل هذه المشاكل؟

الدکتور محمد نعيم: انسحاب القوات الأجنبية كان هدف الشعب الأفغاني، وهو في ذات الوقت مفخرة ومكسب يسجله التاريخ. لم تنسحب القوات الأجنبية فحسب، بل انسحبت معها الحرب الطاحنة المستمرة منذ أكثر من أربعين سنة – ونحن كنا نقول بأنّ إنهاء الاحتلال معناه إنهاء الحرب، وبالفعل قد حدث ذلك بفضل من الله – كما انحسب الفساد بجميع أنواعه: الفساد المالي، والإداري والأخلاقي، والفردي والاجتماعي، وقد تنفّس الشعب الصعداء بعد ما كان يئنّ تحت وطأة الحروب والكوارث.

ومما لا شك فيه أن مثل هذا الحدث العظيم التاريخي يحمل في طياته بعض المشكلات المؤقتة والبسيطة والتي ستنتهي مع مرّ الزمن، منها بعض المشكلات الاقتصادية والسياسية، ولكنها لن تدوم وستنسحب هي أيضًا.

نحن قد بذلنا -ومازلنا- قصارى جهودنا لحل هذه المشاكل، من خلال الزيارات واللقاءات مع مختلف الجهات والدول. بالإضافة إلى ذلك، تستمرّ جهودنا في الداخل أيضًا من خلال الشفافية في المجال المالي ومحو الفساد وترتيب الجمارك، ونحن موقنون في النهاية بأن هذه المشاكل مؤقتة وستنتهي إن شاء الله.

بالإضافة إلى ذلك هناك بعض النقاط التي يحسن ذكرها:

– بالنسبة إلى غلاء الأسعار؛ الأسعار قد ارتفعت في جميع العالم بشكل عام، ليس فقط في بلدنا.

– للأسف أن البلاد الإسلامية، وكذلك بعض الدول غير الإسلامية، تعاني شعوبها من الفقر والمسكنة منذ عقود، بمعنى أن الفقر ليس فقط في أفغانستان.

– أن الإعلام يصوّر الوضع في أفغانستان على خلاف الواقع. في الحقيقة الوضع المعيشي ليس متردّيًا كما تصوّره بعض وسائل الإعلام.

 

مجلة الصمود: تُتهم حكومة الإمارة الإسلامية بأنها حكومة محسوبة على  قومية واحدة، ولا مشاركة مطلوبة لسائر القوميات فيها، كما لا مشاركة للنساء فيها، وأن الإمارة ترفض تعليم النساء ومشاركتهن في المؤسسات الحكومية. ما مدى صحّة هذه الاتهامات؟

الدکتور محمد نعيم: حكومتنا شاملة، فيها تمثيل لمختلف أقوام وأطياف الشعب، من البشتون، والطاجيك والأوزبك والبلوتش و… وخير دليل على هذا أن جميع الموظفين في الإدارة السابقة موجودون حاليًا في هذا النّظام الحالي، إلا الذين تركوا البلد بأنفسهم. نحن لم نأتِ بتغييرات إلا في المناصب العامة السياسية، وهذا أمر وارد بل متداول في العالم؛ حيث أن أي نظام في أي بلد، حتى ولو جاء من خلال الانتخابات؛ يقوم النظام الجديد بتعيين شخصياته أو رموز محسوبة عليه في المناصب العليا.

بالإضافة إلى أنّ الشؤون الداخلية تتعلق بالشعب وبالنظام الداخلي للبلد، فلا يحق للآخرين التدخل في الشؤون الداخلية للدول والبلاد، حتى في ضوء الأصول المسلّم بها دولياً.

وليس من الأصول الدولية تقاسم السلطة على أساس القوميات و الإثنيات. نحن الآن نرى كثير من الدول والبلدان ليست السلطة مقسّمة فيها على أساس القوميات والعرقيات، وليس فيها تمثيل نسائي في المستويات الرفيعة، لكنها معترف بها، إذن هذه وغيرها ليست من الشروط للاعتراف بالدول والأنظمة، ولو كان الأمر كذلك كان من اللازم عدم الاعتراف بكثير من الدول، الأمر الذي يرفضه الواقع والمنطق.

مع كل هذا نحن ملتزمون برعاية حقوق جميع المواطنين وتوفير البيئة المناسبة لهم  في ضوء الشريعة الإسلامية.

الأصل في الأمر هو خدمة الشعب وتهيئة الظروف المناسبة لهم، وهي مسؤولية النظام، وليس الهدف هو نوع النظام، لذلك نحن نرى في العالم أنواعا مختلفة من الأنظمة، الملكية والرئاسية والبرلمانية… فالأنظمة في الحقيقة تأتي حسب بيئة كل مجمتع وظروفه.

الآن نحن في بداية المشوار وتركيزنا واهتمامنا حاليًا منصبّ على الأولويات، فإذا استقرت الأوضاع ورجعت الأمور إلى مجراها الطبيعي، عندئذ نفكر في الأمور الثانوية، وستتخذ القرارات حسب الظروف وحاجات الشعب والبلد إن شاء الله، وما ذلك على الله بعزيز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى