
حوار مع أسير محرر
الحوار التالي يكشف واقع الأسرى في الزنزانات الأمريكية وزنازين عملائهم، ويظهر فشل التكنلوجيا الأمريكية، ونصر الله القدير. حوار أجراه الأخ خالد البستي مع صديق له مجاهد في سبيل الله من هلمند.
الصمود: کیف أُسرت؟
الأخ المجاهد: كنت عائداً من نوبة جهادية استمرت ثلاثة أشهر، بتُّ في بیت صِهري، في مديرية (کرشک) من (هلمند) فهاجمنا الأمريكان في لیلٍ دامس، وأخذوني.
الصمود: هل قاتلتهم ؟
الأخ المجاهد: لا، لم يكن عندي أسلحة في ذاک الوقت، ولم أجد طريقاً للخلاص، کنت في حالة استراحة، ففوّضت أمري إلى الله، فتکالب هٰؤلاء عليّ مثل الذئاب، والکلاب، ربطوا یديّ بالسّلاسل، وألبسوا رأسي الکیس الأسود، وذهبوا بي نحو الدّبابة، وتحرکت الدّبابة، ووقفت بعد مدّة قلیلة، ووضعوني أمام عربة الدّبابة، ظننت أنهم یریدون قتلي بعُبورِ الدّبابة علي، لكن وصلت الطائرة، فأجلسوني فیها.
الصمود: هل سألک شیئًا أو ضربک داخل الطائرة؟
الأخ المجاهد: نعم، حینما جلسنا في الطائرة، سألني أین المُلّا محمد عمر، وأین رؤساء طالبان؟ فقلت: أنا رجل من عامّة الناس، لا أعرف شیئًا عن هذهِ الأمور، أنتم تقولون أنكم ترون کلّ شیءٍ، ولا یمکن لِأحدٍ أن يختفي عنكم حتّی النّملة في الأرض، فکیف لا ترون مُلّا محمد عمر، وزُملاءه؟! عندما سمعوا هذا، بدأ الحُمُر بالضرب، واللّکمات، وبالسّبّ، والشّتم، حتّی جُرح سِنّي وخدِّي، ووصلت الطائرة في ذاک الحین إلی مکانٍ، ونزلت، عندما نزلنا من الطّائرة، أسرعوا بي کما الذئاب یهجمون علی الصّید، ویُهروِلون به إلی منازلهم، فأدخلوني في قفص حديدي، وانتزعوا منّي القمیص، والکیسة السوداء وأغلقوا الباب.
الصمود: ماذا شاهدت في ذلك المکان؟
الأخ المجاهد: حینما جلست في القفص، کنت أسمع صوتًا، أو أزیزًا کأزِیزِ المِرجل: من ذکرٍ، وتلاوةٍ، وتسبیحٍ، فإذا فلق الصبح، رأیت طابورًا من الأقفاص وفي کلّ قفص مجاهد، یذکر ویدعوا الله عزّ وجل لِإعلاء کلمة الإسلام، ولِعزّة المسلمین، ویبکي أمام الله عزّ وجلّ لِفتح المجاهدین ونصرتهم.
فسألت سجيناً آخر کان قریباً من قفصي، ما هذا المکان؟ قال: هذه قاعدة جویّة عسکریّة لِأمیرکا، تسمّیٰ باسم (شوراب) وقال: هنا قانون: من یتکلّم فهو یقوم یومًا كاملا، فاخترت السّکوت.
الصمود: کم مکثت هناک وما ذا حدث بعد ذللک؟
الأخ المجاهد: في نفس الیوم بعد طلوع الشمس، جاء الجنديّ وذهب بي إلی قاعدة التفتیش، فوجدتّ هناک المفتشّ الأمریکي، مع المترجم الأفغاني، ناداني المترجم یا (حکیمي) ثلاث مرّات، لم أجبه، فضربني المفتّش بلطمةٍ علی الوجه، إزداد الألم، وسال الدّم.
قلت له: لماذا تضربني؟ قال: لِمَ لا تجیبني؟ قلت له: أنا أنادَى باسم عبد الحلیم، أو باسم الخطیب، لا أعرف الحکیمي من هو؟ قال: إصبر! فذهب وأتی بحاسوب وفتحه، وأراني صوري، وسمعت کلامي مع زملائي الّذین کانوا معنا في ساحة الجهاد، بعضهم استشهدوا في سبیل الله، وبعضهم حتّی الاٰن علی قید الحیاة، وعندما رأيت هذا المنظر کدتُ أن أبكي، ولکن تحملتُ نفسي.
قال الترجمان: من هذا؟ قلت له: لا أعرف. قال: هذا أنت مع زملائک! قلتُ: ربما ولکن في بصَري ضعفٌ وقصر.
الصمود: هلْ نِلْت الحریّة بعد ذلک أمْ أصبحت مجرمًا؟
الأخ المجاهد: لا یأخي: بل قال المفتّش، اُفَحِّص صوتک، في جهاز التعرف على الأصوات، فإن وافق صوتک الحالي صوتک في الحاسوب، تسلِّم وتقر بأنك الحكيمي؟
قلت: أنا لست ذاك وإلا فتش، وکان رقَم صوتي في الفيديو الذي في جهاز الحاسوب أحد عشر.
قال للترجمان: اذهب إلی تلک الغرفة، وتکلّم معه عبر الجوّال، سألت الله عزّ وجل في ذاک الحین، یا ربّي، یا ربّي، یا ربّي، حوِّل وغیّر صوتي، من صوتي القدیم، وقدّمت بعض الأعمال الحسنة التي قمت بها لِرضا الله عزّ وجلّ في ساحة القتال، رَنَّ التّرجمان، تکلّمت معه، وأرٰی علیٰ شاشة الحاسوب، أصبح رقم صوتي، من أحد عشر إلی تسعة عشر، حمدتُّ الله عزّ وجلّ في خاطري، وقلت بلسان الحال، أنت العزیز، وأنت علیٰ کُلّ شیءٍ قدیر.
الصمود: ماذا حصل بعد ذللک؟
الأخ المجاهد: دُهش هٰؤلاء وتحیّروا وخجلوا علی ما فعلوا، ثم بدؤوا بمکالمة أخری، لِإخفاء خجلهم.
وقالوا: لماذا لا تفطر؟ وکانت تلك الأیّام، أیّام شهر رمضان المبارک، فأجبتهم “أنا مسلم، وعالم، لا یمکن لي الفطر في هذهِ الأیّام المبارکة”.
فأرسلوا جنديّ، وجاء برجلٍ طویل أحمر، ذو عينين صغيرتين زرقاوين، سألني هل أنت عالم؟ قلتُ : نعم. فبدأ يتکلّم، وقال: أنا عالم بالکتب السماویّة الأربعة، فلماذا تظلم نفسک ولا تفطر؟، سِنّک مجروح وعلى الرغم من ذلک أنت صائم، وإنّ الله عزّ وجلّ لا یرضیٰ بالظلم لا علی نفسک ولا علی الغیر.
فقلت له: إنّ جهاز التعرف على الأصوات صدّقني، ولا دلیل عند هٰؤلاء، فلماذا لا يتركونني لِأذهب إلی بیتي؟ هاهي الإنسانیّة، وحقوق البشر الّتي تتشدقون بها أمام العالم، قُمتُمْ بضربي، وشتمي، وجرحي قبل إصدار القضاء والقرار ألیس هذا ظلم؟ وصلتم إلی نهایة الظّلم، وتقول لي لا تظلم نفسک!
فغضب هذا، وضربني ضرباً لا أستطیع أن أصفه بالكلام، وقال: اذهب به، واترکه في قفصه إلی أن یموت.
الصمود: صف لنا الأیام الّتي قضیتها بعد ذلک.
الأخ المجاهد: قضیت هناک فترةً عَصِیْبة، وکانت أیّام رمضان المبارک في موسم الحرارة، ولم تكن الملابس علی جسدي، احترق جلد جسمي وأعضائي من شدّة الحرارة، بعد أیّام عدیدة، جاءت هیئة التفتیش، من المطار العسکري الأمريكي (بکرام) سألني هٰؤلاء نفس الأسئلة، وأجبتهم نفس الأجوبة، وتکلمت مع المترجم عبر الجوّال مرّةً أخری، كانوا إذا رأوا صورتي في الحاسوب التي كانت توافقني تماماً، وکلامي في الحاسوب لا یوافق کلامي الحاليّ، دُهشوا وما وجدوا إلّا الذّل والخجل، لأنهم رأوا فشل علومهم.
فقالوا: نحن نقوم بحلّ قضیتک، عرفنا أنك لست من الإرهابیین، ولکن تتعاون معنا ضدّ الطالبان، وندفع إلیک المال وكل ما تحتاج إلیه، وإذا لم تتعاون معنا ستمکث هنا سنوات، قلت له: أنا لا أستطیع هذا الأمر، ولا أقوم به. وعندما یئسوا مني، فوّضوني إلی رجال الحکومة العميلة.
الصمود: کیف وجدتّ رجال الحکومة العميلة ومعاملتها معک؟
الأخ المجاهد: أقول لک باختصار، ليس لديهم ذرة إنسانیّة، بل هم أضلّ من الأنعام، ولا وجود للرحمة والشفقة والأخلاق الأفغانية في عُرُوقِهم ودَمِهِم، فلا تسأل عن الاستهزاء بالعلم والعلماء وبالجهاد والقرآن، وبشعائر الإسلام من صلاة وصیام.
الصمود: کیف حصلت على حريتك من هؤلاء الظلمة؟
الأخ المجاهد: مکثت هناک حوالي شهرین، لا يمضي علي يوم اِلّا عُذّبتُ فیه غایة العذاب، بعد ذلک دفع إلیهم بعضُ الإخوة من الإمارة الإسلامیّة الأموال الضّخمة، وهکذا نلتُ الحریّة بفضل الله عزّ وجلّ والحمدلله علی هذا.
الصمود: ما هي رسالتک إلی شباب الأمّة الإسلامیّة؟
الأخ المجاهد: إخوتي في الله، فكروا دائماً فیما یعود علی الأمّة بالخیر والمسرّات، واقطعوا دابر الکفر والإلحاد، وارفعوا شأن الأمّة الإسلامیّة في جمیع الدّول والبلدان.
الصمود: شکرًا یا حبیبنا في الله.
الأخ المجاهد: جزاکم الله أحسن الجزاء. (والسلام)