مقالات الأعداد السابقة

حول التقرير المرئي الأخير للقسم الإعلامي: الجديد في الاستراتيجية الأزلية للشعب الأفغاني

الجديد في الاستراتيجية الأزلية للشعب الأفغاني: عبوات يدوية فضحت تكنولوجيا الصناعة العسكرية الأمريكية

 

بقلم الأستاذ مصطفى حامد

 

أخيراً تمكنت من مشاهدة التقرير المرئي (قافلة الأبطال) الذي أصدره قسم الإعلام التابع للإمارة الإسلامية. أظهر التقرير العديد من نقاط القوة لدى مجاهدي الإمارة الإسلامية، ونواحي التطور التي أدخلت على عملهم العسكري في مجالات التسليح والتكتيك، والأوضح هو ذلك التطور النوعي في العمل الإعلامي نفسه.

حظى الفيلم باهتمام كبير، وعلى نطاق واسع، من طرف “المختصين”، نظراً لتوقيته الذي جاء في أعقاب (هرطقات ترامب) التي أسماها “استراتيجية جديدة” للإحتلال الأمريكي في أفغانستان. فتوقع الجميع أن الفيلم يحمل رداً جهادياً من جانب الإمارة واستراتيجية جديدة لها؛ لذا سوف نمر سريعاً على محاور الرسالة التي حملها ذلك التقرير.

 

الاستراتيجية الجديدة للإمارة الإسلامية:

ورد ذكر تلك الاستراتيجية على لسان مجاهدي العمليات الاستشهادية وهم يتحدثون إلى مشاهديهم خلال مراحل مختلفة من إعدادهم للعمليات. كما أوضح تلك الاستراتيجية القائد الشاب (سراج الدين حقاني) نجل القائد المجاهد (جلال الدين حقاني) في كلمة مسجلة.

وملخص ما ذكره هؤلاء هو: ثبات الشعب الأفغاني، وتمسكه بدينه وجهاده وإصراره الدائم ـ قديما وحديثا وإلى الأبد ـ على جعل بلاده مقبرة لكل من تسول له نفسه العدوان عليها.

وتلك استراتيجية أفغانية لا تتبدل على مر العصور، والذي يتغير هو أساليب التنفيذ وسلاح وتكتيكات القتال، وطريقة تنظيم العمل الجماعي لوسائل القوة المتاحة طبقاً لظروف الحرب الدائرة ـ وذلك ما يقصده الآخرون بكلمة (استراتيجية) ـ ولكنها في الحقيقة مجرد تطبيق حديث لاستراتيجية أزلية للشعب الأفغاني وهي استراتيجية دحر الغزاة وإزالة تواجدهم الإمبراطوري من العالم.

أورد التقرير محاور هامة طالها التطوير في العمل الجهادي خلال السنوات الماضية منها:

أولا ـ العمل الإعلامي:

لم يعد الإعلام جزءاً مكملاً للعمل العسكري، بل هو جزء عضوي منه.

واضح في التقرير المرئي الأخير الإهتمام بمرافقة الإعلاميين للمجموعات القتالية، وتعدد الكاميرات المرافقة في العملية الواحدة، لتصوير ما يجري من عدة زوايا تستكمل الصورة في ذهن المشاهد. فالتقرير المصور هو الحقيقة المجسمة التي لا تحتاج إلى برهان.

 

ثانيا ـ ابتكار حطم التكنولوجيا الأمريكية:

كان لافتاً للغاية فعالية العبوات المتفجرة يدوية الصنع في تحطيم مدرعات العدو بشكل مهين للتكنولوجيا الأمريكية. فالعبوات البلاستيكية المشحونة بمسحوق متفجر مصنوع من أسمدة الحقل، قادرة على تحويل المدرعات الضخمة إلى حطام متطاير في الفضاء وكأنها صنعت من أوراق كرتونية.

تكلم الأمريكيون كثيراً عن تلك العبوات، وعدم قدرة أجهزة البحث عن الألغام على كشفها، رغم خطورتها على الآليات والجنود الذين قتل الكثير منهم أو فقدوا أطرافهم من جراء انفجارها.

جميع عناصر تلك الألغام البلاستيكية متوافر محليا، أو حتى داخل الكثير من البيوت الريفية. والعديد من الأسر عملت في تجهيزها لصالح المجاهدين، بل وحتى زرعتها بنفسها في طريق المحتلين. هذا الابتكار البسيط حطم التكنولوجيا الحديثة التي استخدمت في تطوير المدرعات لتقاوم انفجار الألغام الأرضية.

تلك إحدى كرامات المجاهدين الأفغان، أو إحدى علامات فشل التكنولوجيا الأمريكية، أو حالة من انعدام ضمير أصحاب الصناعات العسكرية هناك، أو كل تلك الأسباب مجتمعة.

 

ثالثا ـ التدريب المتقدم:

كان واضحاً منذ بداية التقرير أن قسطاً كبيراً من التطوير شمل برامج تدريب المجاهدين، سواء في ساحات التدريب نفسها أو من خلال المحاضرات النظرية. كذلك التدريب على طيف جديد من الأسلحة التي تم اغتنامها من العدو، أو شرائها بشكل ما. وكذلك المعدات الأمريكية الجديدة التي غنمها المجاهدون في مراكز وقواعد العدو التي تمت السيطرة عليها.

 

رابعا ــ سلاح الاستشهاديين:

وهو الجزء الأعظم تأثيراً على معنويات المشاهدين. فالتقرير غطى جزءاً من حياتهم في المعسكرات ومع الأصدقاء، ثم لحظات ركوب السيارات المفخخة متوجهين صوب أهدافهم. وأحد التقارير رافق الإستشهادي جزءاً كبيراً من الطريق وهو يتحدث بهدؤ وثبات عن فريضة الجهاد وقضية تحرير أفغانستان. مودعاً وموصياً من خلفه من المجاهدين، ومتوعداً العدو بالآلاف المؤلفة من الشباب الاستشهاديين.

بلا شك أن العمليات الاستشهادية لها تأثير مدمر على معنويات العدو. وكذلك “العمليات الإنغماسية” التي يقوم بها المجاهدون من داخل صفوف العدو في الجيش والشرطة ضد عناصر الاحتلال وكبار العملاء، ولعلها كانت دافعاً هاماً لقرار إنسحاب معظم تلك القوات من أفغانستان. وليس من المتوقع تصوير مثل تلك العمليات رغم أهميتها ونتائجها العظيمة في مسار الحرب إجمالاً.

 

الكمائن:

احتوى التقرير عدداً من الكمائن، أكبرها كان الهجوم على قافلة للعدو تحتوي على صهاريح للوقود تم إحراق بعضها. وللمجاهدين الأفغان شهرة كبيرة في الكمائن، وتمكنوا دوما في حروبهم السابقة من تحطيم قسم كبير من قوات العدو ومعنوياته بتلك الكمائن.

يلاحظ في الكمائن التي جاءت في التقرير ـ وكذلك الهجمات الناجحة على مواقع العدو في ولاية كونار، أن الأسلحة القديمة هي نفسها كما كانت في وقت الحرب ضد السوفييت. وكان النقص ـ أو حتى الغياب ـ واضحاً في بنادق القناصة رغم أهميتها الكبيرة في تلك العمليات، حيث أنها توقع خسائر بشرية ومادية بأقل عدد من الطلقات.

كما لوحظ أيضا نقصاً في عدد قواذف RPG وهو السلاح الأكثر مرونة وتأثيراً في تلك المواضع. ولكن الأسلحة القديمة عملت بفعالية خاصة مدفع 82 مليمتر المضاد للدروع والذي يستخدمه المجاهدون ببراعة متوارثة عبر الأجيال، مع ذكاء في اختار مواضع الرماية وانتخاب الأهداف. وكان يظهر في بعض اللقطات رماية غير مركزة من جانب الرشاشات الثقيلة، ربما بسبب قدمها وحاجتها إلى تضبيط أجهزة التصويب. ولكن تلك الهفوات لم تؤثر كما هو واضح في النتائج الباهرة التي حصل عليها المجاهدون، سواء في هجماتهم المباشرة على مواقع العدو أو في كمائنهم على قوافله المتحركة على الطرقات.

 

ملاحظات عامة:

■ جاء التقرير خالياً من مشاهد التعامل مع سلاح الجو المعادي سواء بالوقاية السلبية أو بالتعامل معه بالنيران.

ولعل ذلك النقص يستدرك في التقارير التالية. فالمتابع يحتاج إلى تعليق على تلك النقطة الحساسة. ومعروف هو التأثير الكبير لطيران العدو في مسار الحرب إجمالاً، ولعله أهم أسلحته خاصة في تلك المرحلة التي يخسر فيها الأرض بشكل كبير ومنتظم، وتعاني قواته الأرضية من فشل واضح وتدني معنوي.

■ ظهر في التقرير لقطات لطائرة نفاثة بدون مشاهدة رماياتها وتأثيرها في النشاط الأرضي للمجاهدين. كما اختفى من التقرير تماماً ظهور طائرات الهيلوكبتر.

لابد أن هناك تفسيرات هامة لذلك تحتاج إلى شرح الخبراء العسكريين لدى الحركة، ودعم من التقارير المصورة من الجبهات.

وبشكل عام فإن التقرير المرئي الأخير يثبت حقيقة أن الاستخدام الجيد لسلاح الإعلام، لا يقل تأثيراً عن استخدام الأسلحة الحديثة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى