حيرة جنود الاحتلال في مهامهم العبثية
إعداد: أسدالله
يعيش الجنود الأمريكان حالة من القلق والاضطراب لعبثية حربهم على أفغانستان. ورغم الأموال الطائلة التي أنفقها جيش الاحتلال في هذه الحرب، لم يفلح في كسب ثقة الشعب الأفغاني، كنتيجة طبيعية لأعماله البربرية بحق هذا الشعب. فالقصف الأمريكي في أفغانستان أودى بحياة الآف من المدنيين، وهو لا يتورع عن استهداف حتى المستشفيات، وليس عنا ببعيد قصف مستشفى قندوز الذي تديره منظمة أطباء بلا حدود والذي أسفر عن سقوط 24 قتيلاً.
إن سلسلة العملیات العمریة التي شنها جنود الإمارة الإسلامية أثبتت فشل الحكومة الأفغانية وإخفاق الولايات المتحدة في تأهيل جيش أفغاني مستقل قبل انسحاب قواتها. لكن الفشل الأمريكي لا يقتصر على المستوى الأمني وحده، فأفغانستان مازالت تواجه أزمات عميقة مثل ضعف المؤسسات والفساد المستشري، بجانب هشاشة البنية التحتية في البلاد.
وفي هذا الشأن أوردت إحدى الصحف: “في أثناء قتال عنيف تلا سيطرة طالبان على مدينة قندوز شمال أفغانستان العام الماضي، سأل المستشارون من القوات الخاصة الأمريكية قادتهم مراراً: إلى أي مدى يسمح لهم بالتدخل لمساعدة القوات المحلية لاستعادة السيطرة على المدينة؟
ووفقا لشهود أجريت معهم مقابلات ضمن تقرير لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) تم رفع السرية عنه مؤخراً، لم يتلقوا إجابة، وهو ما يكشف بوضوح الالتباس بشأن قواعد الاشتباك التي تحكم مهام أولئك في أفغانستان.
ومع حشد مقاتلي طالبان لقوتهم تزايدت صعوبة تجنب المستشارين للتعرض لنيران العدو على الرغم من أن دورهم استشاري وحسب وليس لهم دور في العمليات القتالية منذ أوقفت قوات حلف شمال الأطلسي رسميا القتال في نهاية 2014م.
وقال أحد أفراد القوات الخاصة الأمريكية للمحققين في تقرير عن ضربات جوية أمريكية على مستشفى في قندوز قُتل فيها 42 فرداً من العاملين بالقطاع الطبي والمرضى: «إلى أي مدى تريد أن تشترك؟» ليس هو الإجابة المناسبة على سؤال: «إلى أي مدى تريدنا أن نشترك؟»
التقرير الذي يقع في 700 صفحة تم حجب أغلبها لأسباب أمنية، يلقي الضوء على غياب الفهم الكامل للقواعد، حتى بين بعض الجنود الذين يعملون على الأرض، بما يعرض للخطر المهمة الرامية لإعادة الاستقرار لأفغانستان وهزيمة ((المجاهدين)).
وقال الجندي الذي لم يكشف عن هويته مثل الباقين في التقرير: «إنها ليست استراتيجية وفي الحقيقة ستسبب مشاكل كبيرة في هذا المحيط المتغير». وأضاف أن وحدته التي كانت مهمتها تقديم المشورة والمساعدة للقوات الأفغانية دون الاشتراك في المعارك طلبت من القادة ثلاث مرات توضيح القواعد التي تحكم مهمتهم. وقال: «للأسف الصوت الوحيد الذي سمع بعد السؤال هو صوت صراصير الليل. وإن كان سماع صوتها كان صعبا وسط طلقات النيران».
ويقول منتقدون إن مصدر الالتباس هو الظروف السياسية؛ لأن القادة الأمريكيين حريصون على تصوير العملية في أفغانستان على أنها مصممة بالأساس لمساعدة القوات المحلية على القتال بنفسها.
وقال مسؤول غربي كبير رفض ذكر اسمه «قواعد الاشتباك محاصرة بين فكي الغموض السياسي بشأن المهمة.. لا يبدو أن هناك في العواصم الغربية من هو مستعد للاعتراف بأن أفغانستان منطقة حرب تزداد سوءً.. وأن قواتهم مازالت تشتبك في معارك بصورة يومية».
وحتى نهاية 2014م عندما انتهى دورها القتالي رسمياً، بلغ عدد القوات التابعة لحلف الأطلسي في أفغانستان أكثر من 130 ألف جندي أغلبهم من الأمريكيين ولا يشكل وجود الحلف الحالي إلا نسبة ضئيلة من هذا الحجم”.
وفي هذا الصدد تضيف إحدى المجلات الأمريكية: “مخطئ من يظن أن القوة العسكرية الأميركية قادرة على إحراز انتصارات في كل أزمة أو دولة أو ساحة قتال. فالهزائم الإستراتيجية -كما يصفها باحث أميركي في مقال بمجلة نيوزويك- غالباً ما تكون نتاج تراكم “إخفاقات تكتيكية”.
وحدد الباحث مارك مويار في مقاله عدة أخطاء واضحة وقعت فيها الولايات المتحدة أثناء تدخلها في عدد من الدول منذ العام 2001م تعكس مدى العجز الأميركي في تحويل النجاحات التكتيكية إلى انتصارات إستراتيجية. وفي كل حالة كان الخطأ نتيجة مباشرة لقرارات رئاسية تتعلق بالسياسة أو الإستراتيجية، بل إن بعض تلك القرارات جاءت متناقضة تناقضا مباشرا مع نصائح الجيش.
ومع ذلك فإن الجيش يمكن أن يكون مسؤولاً عن بعض الأخطاء التكتيكية المهمة كجهله بأساليب “مكافحة التمرد” في أوائل سنوات حرب العراق. بيد أن الجيش تمكّن في نهاية المطاف من تصحيح مشاكله التكتيكية الكبيرة، كما يقول الكاتب.
ورأى مويار أن ما سماه “عدم الكفاءة” المتمثل في سوء التقدير وغياب التنظيم ساهم بشكل كبير في ارتكاب إدارتي الرئيسين جورج دبليو بوش وباراك أوباما تلك الأخطاء.
ومن أبرز الأخطاء التي تناولها الكاتب في مقاله الثقة الزائدة في قدرة الولايات المتحدة على إحداث تحول ديمقراطي في الأنظمة الحاكمة في الدول التي تدخلت فيها عسكرياً. فالرئيس بوش ومستشاروه ظنوا أن بمقدورهم تحويل الحكومات المعادية لأميركا في العراق وأفغانستان إلى أنظمة ديمقراطية قادرة على صون الأوضاع الداخلية وكبح جماح “المتطرفين” بنفسها.
“من بين الأخطاء السبعة التي ارتكبها الجيش الأميركي اعتماده المفرط على الضربات الجوية الجراحية باستخدام الطائرات المسيَّرة في حروبه في أفغانستان واليمن وضد تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية”
وقد تبخرت النجاحات الإستراتيجية الآنية التي حققتها أميركا في أفغانستان والعراق فيما يتعلق بالتحول الديمقراطي، إذ أخفقت الحكومات الديمقراطية الجديدة هناك في إطلاق عمليات عسكرية وسياسية يتطلبها الاستقرار في البلدين”.