مقالات الأعداد السابقة

خطر الإعلام الغربي.. كنْ سيّد نفسك

أبو صلاح

 

لا شك بأنّ المسلمين -في العصور المتأخرة- سلّموا أمرهم وأمر الأمّة لحفنة من حثالة البشر تدير شؤون البشرية من وراء الكواليس المظلمة، فتقتل وتكذب وتسرق وتنهب وتسلب وتستعبد وتظلم وتهين وتذل، مستعينة بما وصلت إليه من تقنيات إعلامية، تنقل من خلالها الأخبار المزيّفة والمحرفة والمكذوبة؛ لتذلل لها الطريق وتختصر أمده للوصول إلى شهوتها النّهائية في السيطرة على العالم على وجه العموم، وعلى المسلمين على وجه الخصوص؛ لأنّهم العقبة الكؤود التي تحول دون وصولهم لما يريدون، فهم يدركون أنّ في الحضارة الإسلامية من المقوّمات والمؤهلات وأنّ عند المسلمين اليوم من الكفاءات ما لو توفّرت لها الحرية فيه للعمل والتحرّك لكانت قادرة على إزاحتهم عن سدة التجبّر والتصلّف والعنجهية والتهوّر، واستطاعت السير بالبشرية بهدوء واطمئنان وسِلْمٍ وسلامٍ، ولأخذتْ بيدها إلى برّ السلامة والأمن والراحة والسعادة.

 فعليك أيّها المسلم، يا صاحب المنهج الفريد، يا معلم البشرية، أن لا تكون حياتك ووعيك وعقلك عجينة ليّنة طريّة يصنع بها أعداؤك عبر وسائلهم الإعلامية المحترفة ما يريدون، فتذبح نفسك بنفسك، وتهجر أقرب النّاس إليك، وتوالي عدوّك، وتخون الأمين، وتؤمّن الخائن، وتصدّق الكاذب، وتكذب الصادق.

فكم رأينا من رجال تأتيهم الأخبار بواسطة الأقمار الصناعية ومن وراء البحار، فإذا بهم وهم من عرفنا عنهم العقل والعلم يستنفرون ويطيش سهمهم فيرغون ويزبدون، ويهجمون ويستنبطون الأحكام المبرمة والقطعية؛ لأنّ قناة أو صحيفة ذكرت خبرًا مفاده أنّ في القارة السمراء أو الشقراء أو السوداء قد حدث الحدث المعيّن. وممّا يزيد الطين بلّة والمريض علة، أنّ هؤلاء بدل أن يكونوا منارة يهتدي بها الضالّون وتأخذ بيدهم وتوضح ما في هذه الأخبار من عوجٍ وعوار، إذا بنا نجدهم ضحية من ضحايا الإعلام يوالون ويعادون بناءً على ما غذوا به عقولهم من أخبار وأفكار وأوهام وأساطير، فيها دسٌّ وغمز ولمز وتمويه وإيهام وتصغير للكبير وتكبير للصغير، وهكذا يختلط عليهم الأمر ولم يعودوا يميزون بين الزجاج والياقوت، ولا بين التبر والتراب.

فلا تترك أخي المسلم عدوّك يدور بك من خلال وسائله كما يدور البالغ الراشد بصبي صغير غِرٍّ لا تجربة له ولا علم ولا فهم ولا حيلة ولا قوة ولا اختيار.

وإذا كان الواقع أكبر دلائل الإمكان، وفيه الشاهد والدليل والبرهان، فلننظر إلى واقع أمتنا المسلمة إلى أي حضيضٍ قد انحطّ وتسفّل، ولننظر إلى الكوارث التي حلّت بنا اليوم من التمزّق والتشتت والتحزّب والقتل والذبح والهرج والمرج وغيرها من القلاقل، وكل هذا إنما هو من صناعة الإعلام، السلاحِ الأشدّ مضاءً وفتكًا بنا، يملكونه ولا نملكه، يحركونه ولا نحرّكه، يخدمهم ولا يخدمنا، لأنّنا كما يعتقدون أحجار على رقعة الشطرنج، وهذا ما يؤكّده (هربرت أ. شيللر) حيث يقول: ولا يقتصر عمل شبكة الإذاعة والتلفزيون التابعة للقوات المسلحة – أضخم شبكات التلفزيون والإذاعة الخاضعة لإشراف موحد في العالم وتضم 204 محطة أرضية للإرسال الإذاعي و80 محطة للإرسال التلفزيوني فضلًا عن 56 محطة مذياع و11 محطة تلفزيون فوق سفن البحرية في عرض البحر- على تزويد الجنود الأمريكيين برواية معدّة بعناية لأحداث العالم اليومية بل تصل إلى بيوت ملايين أخرى من النّاس داخل مجال إرسالها).

لندقق معًا في قوله: (تزويد الجنود الأمريكيين برواية معدّة بعناية لأحداث العالم اليومية) لتدرك أنهم من يؤلف لنا حياتنا لحظة بلحظة، خبرًا بعد خبر، وقصة بعد قصة، ورواية بعد رواية.

وإذا كان لنا من نصيحة نرفع بها عقيرتنا فهي قولنا لكل مسلم: كنْ سيّد نفسك ومؤلف كتاب حياتك من خلال تقيدك بقواعد الأئمة السابقين في معرفة الصحيح والسقيم من الأخبار والأفكار، واتّبعْ طرائقَهم وضوابطهم في التثبّت من كل ما تسمع وتقرأ وهي قوانين صالحة لكل مكانٍ وزمانٍ ومقالٍ أهملناها حينًا من الدّهر.

وهنا لا بدّ من ذكر واقعٍ مرّ؛ ألا وهو أنّنا قد غدونا أمةً بلا وعي ولا إدراك، نجيد الانحناء والركوع والخضوع، وقد أسلمنا عقولنا لعدوّنا يحشوها بالأباطيل، ثم يحركها كما يشاء، وكأننا ريشة في مهب الريح لا حول لنا ولا قوّة، هذا الحال هو عين ما أومأ إليه الشيخ أبوالحسن علي الحسني النّدوي رحمه الله قبل نصف قرنٍ في كتابه الماتع، «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟» حيث قال: (إن أخوف ما يخاف على أمة و يعرّضها لكل خطر ويجعلها فريسة للمنافقين ولعبة للعابثين هو فقدان الوعي في هذه الأمة، وافتتانها بكل دعوى، واندفاعها إلى كل موجة، وخضوعها لكل متسلط، وسكونها على كل فظيعة، وتحملها لكل ضيم، وأن لا تعقل الأمور ولا تضعها في مواضعها لكل ضيم، ولا تميز بين الصديق والعدو وبين الناصح والغاش، وأن تلدغ من جحر مرة بعد مرة، ولا تنصحها الحوادث، ولا تروعها التجارب، ولا تنتفع بالكوارث، ولا تزال تولي قيادها من جربت عليه الغش والخديعة والخيانة والأثرة والأنانية، ولا تزال تضع ثقتها فيه وتمكنه من نفسها وأموالها وأعراضها ومفاتيح ملكها وتنسى سريعًا ما لاقت على يده الخسائر والنكبات، فيجترئ بذلك السياسيون المحترفون، والقادة الخائنون، ويأمنون سخط الأمة ومحاسبتها، ويتمادون في غيّهم ويسترسلون في خياناتهم وعبثهم، ثقة ببلاهة الأمة وسذاجة الشعب وفقدان الوعي).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى