خطوة جادة في مكافحة الفساد
صادق رحمتی
إن الأزمات المتتالية والأحداث المتواصلة طوال عقدين دفعت بأفغانستان بعيداً عن عناوين الأخبار الإيجابية، وجعلتها تحتل أكثر عناوين الأخبار السلبية كالحرب والتقتيل والتهجير والاحتلال والتدخلات والإرهاب والتهريب وما شابه ذلك، وأمسى اسم أفغانستان مشوباً بأنواع هذه السلبيات في هذه المدة، وقلّ وزنها في الموارد الإيجابية، وضاعت مكانتها الحقيقية في ثنايا الأزمات والاضطرابات.
أما في الآونة الأخيرة، وبعد أن تحقق الاستقلال الأمني والاقتصادي تحت ظل الإمارة الإسلامية؛ لا يكاد يأتي يوم إلا وفيه خبر إيجابي يقرع آذاننا ویداعب مشاعرنا ویذهب بنا إلی الفرح والسرور ويغمرنا الحب والشغف والاعتزاز بالوطن، مشاعر لايمكن التعبير عنها بالكلمات والعبارات، وأحاسيس تتدفق من العمق لا تحملها الأقوال والخطابات.
مما جاء في الأخبار المرتبطة بأفغانستان في الآونة الأخيرة -أسبوعيًا وشهريًا- خبراً عن إدارة المعايير الوطنية تقول فيه: «تم التحقيق في جودة كذا وكذا من ناقلات النفط المستوردة عبر معبر كذا وكذا»، أو «أنها منعت استيراد المنتجات منخفضة الجودة وأنها أتلفت المواد الغذائية والأدوية منتهية الصلاحية»، أو «محاولات استيراد المنتجات البترولية ومواد البناء لابد أن تكون من خلال تنظيم المعابر وضوابط الاستيراد» وأمثال ذلك. فمثل هذه الأخبار السارة تشعر المواطن بالفخر والاعتزاز، وتدل على أن أفغانستان سارت في مسارها الصحيح نحو مستقل أفضل وغد مشرق لإعادة كرامة الشعب المفقودة وإرجاع حيثيته المدفونة تحت الأنقاض على مدى عقدين من الزمن.
لأوّل مرة نسمع أنّ أفغانستان، رغم شدة الاحتياج إلى استيراد السلع والمواد الأساسية، كالمنتجات البيترولية والغذائية والأدوية ومواد البناء، تستوردها بحسب المعايير الوطنية والدولية، وتقوم من خلالها برعاية مصالح الشعب، حفاظا على أمواله وصحته وأمنه، وصوناً لثرواته ومقدراته، كي لا يذهب سعيه وكدّ يمينه وعرق جبينه أدراج الرياح.
الأمر الذي كان مغفولاً عنه في الفساد الشامل المستشري في أركان الحكومة السابقة الموالية للغرب الحاقد البغيض، ولم یکن له صدی ولم نسمع شيئا كثيراً عن اتخاذ قرار صارم تجاه ذلك في الحكومة السابقة التي استمرت عشرون عامًا، وكان كل شيء فيها على ما يرام؛ العلاقات الدولية المختلفة، ووفرة المساعدات على مستوى المنطقة والعالم، والاعتراف بالحكومة من قبل جميع المنظمات الدولية، والدعم المالي الهائل من جميع الجهات! ومع توفر جميع ما ذكر، كانت أفغانستان آنذاك موطناً لاستهلاك البضائع التافهة والرديئة، وملاذا لعناصر سارقین، جعلوا لهم طريقا لامتلاك أموال الشعب بالباطل ونهب ثرواتهم دون وجه حق، وبالتالي تحقيرهم وازدرائهم وإهانة هويتهم والاستخفاف بشأنهم وكرامتهم.
لقد استغرقت الحكومة السابقة في الفساد للحد الذي جعلها تساوم على صحة شعبها وعلى أدنى شيء يمتلكه، وعلى حوائج الناس ومعاشهم برفع تكاليف الحياة، وجعلت بإجراءاتها أموال الناس عرضة للنهب والابتزاز والاختلاس.
ولا يساورنا الشك أن الحكومة السابقة كانت عميلة ولم يكن لديها أي اختيار في الحكم، وهو ما بات واضحا عندما انسحبت قوات الاحتلال، وانهار الحكم في بضعة أيام وذهب كل شيء هباء منثورا.
جاءت الإمارة الإسلامية فأنقذت أفغانستان المظلومة وشعبها المنكوب، وأزاحت اللثام عن حقيقة الرجال المنسوبين إلى الجمهورية وأزالت الستار عن وجوهم المتعكرة، الذين لم يألوا جهدا في ابتزاز الأموال واغتصاب الأراضي وانتزاع الممتلكات.
وهكذا بان الفرق بين الجمهورية والإمارة الإسلامية التي تفوقت بالصدق والأمانة، والسعي الحثيث والتفاني في الحفاظ على منافع الشعب المادية والمعنوية، بشهادة المعارضين، والتي أثبتت أن كل شيء في حيز الإمكان، رغم جميع الشدائد والتضييقات، وبدون دعم من قبل الأجانب، وأنها في ميدان العمل لاتحتاج إلى وقت طويل، عشرين عاما أو أكثر، فقد أثبتت في هذه المدة أن أولويتها هي سلامة الشعب ورؤيتها الحقيقية مُركزةً بفعالية على تحقيق حلمه في المجالات التي حرم منها طوال عقدين رغماً عنه.
وعلى الجانب الآخر، تسعى بعض الوكالات الإخبارية في بعض الدول المجاورة، التي لها باع طويل في الاتهام وإلقاء المسؤولية على الآخرين والفرار من التعهد؛ إلى التقليل من أهمية هذا النجاح الباهر، معتبرة أنه تآمر وتواطؤ من قبل بعض أفراد المافیا من خلف الستار الذين لهم منافع وراء ذلك!
لعلها تجهل أو تتجاهل أنه لو كانت هناك مافيا لكانت داخل بلادها وتحت حكمها، لما أن لها يد عريضة في ذلك، وأن لها عناصر منتشرون في العالم. وأفغانستان بريئة منها ومن كل شيء أخل بكيانها وشعبها، فقد رحلت عناصر المافيا مع رحيل الحكومة السابقة التي كانت تمتص دماء الشعب حتى أنفاسها الأخيرة. فالاستیراد الذي یلعب دورًا مهما في اقتصاد أفغانستان ومعيشة شعبها حالياً، كان بهذا النمط القاتم والظالم، وكان لصالح أفراد وأشخاص ذوو نفوذ وسلطة، لا يحمل أدنى فائده لصالح الشعب والبلاد ومستقبلها، وكانت العوائد تذهب إلى جيوب أولئك الأشخاص والأضرار تنتهي إلى الشعب والبلاد.
هذه إحدى الإجراءات الحاسمة التي اتخذتها الإمارة الإسلامية، منذ بداية الحكم، كخطوة جادة للنهوض لمواجهة الفساد والقضاء عليه في أقصر وقت ممكن، والتي أعتقد أنها لم تتناولها الأخبار حق التناول، ولم تتطرق لها حقاً رغم أنها خطوة مصيرية في اقتصاد أفغانستان على المدى القصير، وستكون لها تأثيرات إيجابية على حياة الشعب وعلى سلامة المجتمع من الآثار السلبية، وعلى توسيع رقعة التطورات في المجالات المختلفة.
الوضع الحالي ليس مثاليا ولكن البيانات تشير إلى أنه من الممكن أن يكون الوضع مثاليا في مستقبل غير البعيد، شريطة مواصلة الجهود وتكثيف المساعي، والتضامن والتكاتف، وإجراء الخطط المدروسة، مع جذب الاستثمار في الداخل والخارج، لأن الارتقاء بالاقتصاد أمر لا يمكن القيام به بين عشية وضحاها، ولكن الإمارة الإسلامية عازمة عليه وعلی الوصول إلی الاکتفاء الذاتي في هذا المجال وفي جميع المجالات بإذن الله.