
دبلوماسيو طالبان؛ أقوياء في الرأي، أذكياء في السياسة
محمود نويد
أخيرا بعد القيل والقال عن مؤتمر موسكو، أقيم هذا المؤتمر في التاسع من نوفمبر 2018 الميلادي في عاصمة الروس، والذي أعلنت حركة طالبان منذ البداية أنها ستحضره بدعوة من الحكومة الروسية ولكي يصلوا رسالتهم الي الإعلام العالمي ليسمع العالم هذه المرّة مطالب حركة طالبان من لسانهم دون أي وسائط، وليطلع العالم أحسن على مطالبهم المشروعة، وتضحياتهم الجسيمة التي لا مثيل لها.
في الوقت الذي بعثت الإمارة الإسلامية الأعضاء البارزين في مكتبها السياسي في قطر إلى موسكو، بعثت إدارة كابول في خطوة انفعالية أعضاء مجهولين في مجلس باسم مجلس الصلح، الأمر الذي يدل على أن إدارة كابول -كما صرحت طالبان مرارا- إدارة ضعيفة عميلة لا تقدر على أن تناول كوبا من الماء بغير إذن الولايات المتحدة الإمريكية فضلا من أن تشارك مؤتمرا مهمّا كمؤتمر موسكو، لتدافع عن مواقفها وتتحدث عنها.
قصدت إدارة كابول بهذه الخطوة هدفين، ولقد أخطأت فيهما، أما الهدف الأول، فأرادت بإرسال أشخاص عاديين باسم شورى الصلح لتقول للعالم أننا لم نكن غافلين من مؤتمر موسكو، وثانيا لتقول للعالم أننا لم نرسل أشخاصا خبيرين فيما إذا تمّ الاجتماع لصالح حركة طالبان (والذي كان كذلك)، فما جرى من حديث واتفاق كان في غيابنا، ولم يكن في حضور أشخاص أقوياء أكفّاء منا؛ وهذا في الحقيقة أيضا كان لضرر إدارة كابول، لأنّ عدم حضور أشخاص أقوياء من إدارة كابول دلّ على أنها لا تقدر على فعل شيء بغير إذن الولايات المتحدة الإمريكية، ثم وإن لم يحضر في المؤتمر أشخاص في مستوى أعضاء طالبان من الحكومة العميلة، لكن أثبت حضور شخص واحد من السلطات الإمريكية أن إدارة كابول بجميعها (ويقصد من الجميع هم الإمريكيون) حضرت هذا المجتمع.
وفد طالبان لمعوا كدبلوماسيين أقوياء، وأذكياء، وبارعين قبل الاجتماع وأثناءه وفي حاشية المؤتمر، وفي المؤتمر الصحافي الذي أقيم بعد الاجتماع، ولقد اعترف الكثير من ممثلي البلاد الأجنبية إلى كفاء دبلوماسيي طالبان، وأعجبوا بمواقفهم وسلوكهم كثيرا.
هكذا أدخلت طالبان بجرأتهم وشجاعتهم الإيمانية الفرح والسرور في قلوب الملايين من المسلمين في أنحاء العالم، وقدموا الوعي والصحوة إلى الشعب الأفغاني الذي عاش منذ سنوات غافلين عن حقيقة طالبان بسبب التعتيم الإعلامي، كما بلغوا رسالتهم العظيمة ذات المغزى المهم والحافل بالآلام بأعلى صوتهم إلى العالم.
أثبتت حركة طالبان ببيان وفدهم الحافل بالمفاهيم الكثيرة في المؤتمر، وبالكلام الخاشع الناشىء عن القلب لمعالي الشيخ سهيل شاهين، وعبد السلام حنفي في حاشية مؤتمر موسكو، وبالحوار الهائج الساخن لمعالي الشيخ شير عباس استانكزي في المؤتمر الصحافي، كما أنهم قادة وأمراء شجعان ومتحمسون في المعارك، كذلك يمتلكون خبرات وقدارت خارقة في ميادين السياسة، وبإمكانهم أن يبلغوا رسالتهم بكل جرأة وشهامة إلى كافة العالم والعالمين، ويستطيعون أن يبلغوا دعوتهم الحق بأعلى صوت إلى أسماع الناس، ويقدموا إلى شعبهم والعالم عن جهادهم المشروع الكثير مما خفي عليهم.
رفعت طالبان في مؤتمر موسكو صوت مظلومية الشعب الأفغاني، وهدفها من النضال المشروع أمام سلطات رفيعة للدول الأجنبية، وأثبتت أن قيامها تجاه الاحتلال الإمريكي كان وفقا للشريعة الإسلامية المقدسة، وما يجري الآن في الساحة الأفغانية ناتج عن طبيعة الشعب الأفغاني المتدينة الغيورة الثائرة ضد الاستكبار.
إنّ الجواب المفعم لمعالي الشيخ سهيل شاهين الدبلوماسي الأبرز لحركة طالبان، حيث قال في جواب صحافي سأله: لو لم تنسحب الولايات الإمريكية من أفغانستان، فأجاب مبتسما عن الحرب ضد الولايات المتحدة، وأكدت: إن طالبان لن تتعب من الحرب، بل الولايات المتحدة هي التي أنهكتها الحروب؛ وكذلك من الكلمات المليئة بالحب والخير لمعالي الشيخ عبد السلام حنفي العضو البارز للجنة السياسية لطالبان حين تكلم عن المقاومة الجهادية وأهدافها؛ وكذلك الحوار الحماسي والرائع لسعادة الشيخ شير محمد عباس ستانكزي في المؤتمر الصحافي حيث دافع عن المطلب المشروع لطالبان، وأوضح بالحجج والبراهين أهداف الإمارة الإسلامية، وتطرق إلى المشكلات والتحديات التي تظهر أمام عملية السلام؛ كل هذا ولا شك أنه جدير بالتقدير والمدح، أثبت للعالم أن حركة طالبان كما أن عناصره منصورون في ساحات القتال، دبلوماسيوها محنكون بارعون في الرأي والحديث، وأذكياء في السياسة.