
دموع القدس!
عرفان بلخي
تعاني فلسطين من جراحات عدة منذ عقود، ولم تجد من يداويها ولا من يواسيها، حتى شُجّ جرحها من جديد وأضرمت النار في قلوب المؤمنين وزادتهم ألما وأسى؛ بإعلان دونالد ترامب “القدس” عاصمة لـ”إسرائيل”، وأمره بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى قدس المحتلة، حيث وجد فرصة سانحة للسرقة في رابعة النهار، طالباً من الأمم المتحدة والدول الإسلامية نقل سفاراتهم إلى القدس. لكن أكثر الدول رفضت أمره.
لقد شجّع إعلان ترمب اليهود وحثهم على الإستمرار في عاداتهم الماضية والإفساد في الأرض مرة أخرى. ويعرف كل ذي لب سجايا اليهود وطبائعهم وعاداتهم وأطوارهم وسوء خلقهم وشناءة طبعهم كما صورها القران فقال تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا). وقد خالطت دماؤهم من أول يوم الشقاوة والجفاء والغدر، وانطبعوا على الشر والطغيان والفساد، وصارت الأنانية والجبن واللؤم والوقاحة والشح وعبادة المال واتباع الهوى والمكابرة في الباطل جِبلّتهم، وتمادوا في عصيان أوامر الله حتى قتلوا الأنبياء وذبحوهم وآذوهم واتهموهم بالترهات والأكاذيب، ومن ثم ابتلاهم الله بأنواع من العذاب وهدّدهم وزجرهم وأهلكهم وشردهم وتاهوا في الأرض أربعين سنة بلا مأوى وباؤا بغضب من الله وعاشوا حياة الخزي والعارمنذ 3000 سنة. وفي أثناء هذه المدة بعث الله عليهم عباده أولي بأس شديد، ثم بعد ذلك أعاد الله عليهم -حسب وعده- كما قال الله تعالى (فإن عدتم عدنا) لما استشرفوا للطغيان والعصيان سلط الله عليهم رجالا مثل “هتلر” فقتلهم ودمرهم.
ولما قيض الله للإسلام عماد الدين اتابك زنكي الذي قارع الصليبيين وهزمهم في معارك كثيرة، وقام بعده ولده العظيم الملك العادل نور الدين محمود زنكي وصمم على إجلاء الصليبيين من الشام واسترداد القدس للمسلمين، ومات -رحمه الله- قبل أن يكمل مهمته، وخلّف لذلك أحد رجاله ومرشحيه السلطان الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ملك مصر وهو الرجل الذي هيأه الله لهذه المهمة العظيمة وجمع فيه من خصال الحزم والعزم والإخلاص والحرص على الجهاد في سبيل الله وحسن القيادة وقوة التعظيم، فكان ذلك معجزة من معجزات الإسلام ودليلاً على أن الإسلام لم ينتهِ دوره بعد ولم يفقد الحيوية والإنتاج.
وقد جاء اليوم الذي تنادي فيه القدس بأعلى صوتها وتذرف دموعها الساخنة وتقول بلسان حالها: يا أبناء عمر وصلاح الدين والمعتصم أين انتم! لقد خضب العدو اللدود يديه بدمائي!
ويا أخوة يوسف لقد خنتموني وتركتموني لوحدي مع شرفي و جمالي وجلالي وبهائي وبعتموني بثمن بخس دراهم معدودة!
ويا أمة الملائين لقد قلدتم قلادة ذهبية في جيد مجنون لايعرف قدر الذهب ولامن وهب ولا يستأنس بالوفاء والايفاء والجزاء!
ويا أمة الإسلام لماذا عقم الزمان من رجل يتبع أثر عمر ابن الخطاب!
ولماذا لم تنجب الأمهات ابناً كصلاح الدين مرة أخرى!
ولا أرى معتصما ينقذني من أيادي اليهود القذرة!
ولماذا لم يقم فيكم قائد ممسك بعنان فرسه كلما سمع هيعة طار إليها!
ولماذا لا تلومون ضمائركم على حمايتي؟ ألا تعرفون شرفي وجلالي؟ ولماذا لا يقرع آذانكم بكاء أهلي!
لماذا تركتم الخنافس تطأ صدري ورضيتم من الغنيمة بالإياب!
ويا أبناء الأمة؛ عليكم أن تعلموا أنهم لا يريدون تدميري وتخريبي فقط، وليس هدفهم بناء الهيكل المزعوم مكاني، بل صمموا على اقتلاع الإسلام من صدري. ولكني على ثقة بأن الله تعالى سيحررني من أياديهم وينجز وعده . فإن يك صدر هذا اليوم ولى، فإن غدا لناظره قريب.