دور الأناشيد الجهادية في تحميس الشباب على الجهاد في سبيل الله
بقلم: عطاء الله آخندزاده
لقد لعبت الأناشيد الجهادية دوراً كبيراً في بناء نفوس كثير من الشباب وتهذيب سلوكهم، وقد دلت التجارب والوقائع على أنّ الأناشيد الجهادية كان لها الدور الأكبر في بذر الأمل في نفوس كثير من المجاهدين، وأن معركتنا كرّ وفرّ وعلينا أن نعد العدة لجولة أخرى يأذن بها الله. وكانت الأناشيد الجهادية إجابة واضحة بأن معركة الحق مع الباطل مستمرة استمرارية الحياة وعليك أن تعد العدة وعلى الله النتائج.
إذاً الخطوة الأولى من خطوات البناء هي زراعة الأمل في النفوس، وبعد زراعة الأمل لابد لنا من استحضار الأمجاد والتذكير بها وعرضها على مرأى ومسمع الشباب لتكون أنموذجاً في عودة الحضارة الإسلامية والدولة الربانية.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرى أن من الشعر حكمة، وأنّ الشعر كالنبل في المعركة الدائرة أبداً بين الحق والباطل، فعن أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من الشعر حكمة، وكان بشير بن عبد الرحمن بن كعب يحدث أنّ كعب بن مالك كان يحدّث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لكأنما تنضحونهم بالنبل فيما تقولون لهم من الشعر).[1]
وقد نبتت الأنشودة الإسلامية في وقت مبكّر، فها هم فتية المدينة المنورة وفتياتها الصغيرات يستقبلون النبي صلى الله عليه وسلم بتلك الأنشودة الرائعة:
طلع البدر علينا ** من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ** ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا ** جئت بالأمر المطاع
إن تحسين أسلوب عرض الإسلام عبادة يستحق صاحبها الثواب، وفي هذا المعنى يقول عالم الشام البحاثة جمال الدين القاسمي: (وتحسين الكلام لدفع الضرر عن الإسلام عبادة، والنثر والنظم للذبّ عن أهل الإسلام من باب الحسنى وزيادة).[2]
ومن آداب الجهاد مشاركة القائد جيشه في العمل والإعداد لقتال العدوّ والترويح عنهم، بترديد بعض الأناشيد الإسلامية المشجعة مع رفع الصوت بذلك، لما فيه من جلب النشاط والتشجيع على العمل والتهييج على العدو، وما ورد من كراهة رفع الصوت عند القتال لا ينافي رفع الصوت عند الإعداد.
فعن البراء رضي الله عنه، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وهو ينقل التراب حتى وارى التراب شعر صدره ، وكان رجلاً كثير الشعر، وهو يرتجز بِرَجَز عبد الله:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولاتصدّقنا ولاصلّينا
فأنزلن سكينة علينا وثبّت الأقدام إن لاقينا
إنّ الأعداء قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنةً أبينا
يرفع بها صوته.[3]
وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غداةً باردةً، والمهاجرون والأنصار يحفرون الخندق، فلمّا نظر إليهم، قال:
إنّ العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمُهاجرة
فأجابوه:
نحن الذين بايعوا محمّداً على الجهاد ما بقينا أبداً.[4]
قال الحافظ: قوله: (بَاب الرَّجَز فِي الْحَرْب وَرَفْع الصَّوْت فِي حَفْر الْخَنْدَق)
الرَّجَز بِفَتْحِ الرَّاء وَالْجِيم وَالزَّاي مِنْ بُحُورِ الشِّعْر عَلَى الصَّحِيح، وَجَرَتْ عَادَة الْعَرَب بِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْحَرْب لِيَزِيدَ فِي النَّشَاط وَيَبْعَث الْهِمَم، وَفِيهِ جَوَاز تَمَثُّل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِعْرِ غَيْره وَفِيهِ جَوَاز رَفْع الصَّوْت فِي عَمَل الطَّاعَة لِيُنَشِّط نَفْسه وَغَيْره.[5]
لقد أثبت النشيد الإسلامي على مر الأيام أنه فن ذو جذور قديمة يملك مقومات الاستمرارية والتطور ويدخل بسرعة إلى القلوب النظيفة العامرة بالإيمان لأن فيه الكلمة الطيبة والتعبير الهادف الذي ينطلق من واقع الإنسان المسلم وضميره الحي الذي لا ينام، فاغتنموا أيها المجاهدون هذه الفرصة واستغلوها لصالح الجهاد، وأكرموا الشعراء المنافحين عن بيضة الإسلام والمنشدين الرائعين حتى يجاهدوا في سبيل الله بحناجرهم وأصواتهم الرنانة وأناشيدهم الهادفة.
[1]مسند أحمد (3/465).
[2]رسالة الجرح والتعديل ص 42 للشيخ جمال الدين القاسمي، طبع دار الرسالة.
[3]سنن سعيد بن منصور(2/376)(2908)، صحيح مرسل.
[4]مصنف ابن أبي شيبة – دار القبلة (20/382) (37968) صحيح.
[5]انظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري – ط دار المعرفة (6/161).