دوستم غراب الحكومة وسفاح أفغانستان
عرفان بلخي
بالتزامن الذكرى الـ 68 لليوم العالمي لحقوق الإنسان وذلك في 10 ديسمبر من كل عام والذي يدعو ذلك اليوم العالمي لحقوق الإنسان إلى الدفاع عن حقوق الإنسان في أي مكان، متزامنا مع هذا الاحتفال سمعنا خبراً لـ بي بي سي، مفاده: “مسؤول بارز (أحمد اشكي، الحاكم السابق لولاية جوزجان في شمال البلاد) اُختُطِف بشكل عنيف، واعتُدِي عليه جنسياً من قبل نائب الرئيس عبد الرشيد دوستم”.
وأضاف الخبر: “إن نائب الرئيس وعشرة رجال آخرين من حراسه اعتدوا عليه بينما كان محتجزاً بالقوة في مقر زعيم الحرب السابق دوستم، لمدة خمسة أيام”.
ووصف أحمد أشكي الاعتداء الذي بدأ باختطافه يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني، بتفصيل دقيق، وقال: “إن عملية الاختطاف وقعت بعد الاشتراك في لعبة (البوزكاشي)، حيث دفعني دوستم على الأرض، وضغط بساقه على رقبتي واعتدى علي ثم أخذني إلى منزله، وعندما وصلت إلى منزله، صرخ في حراسه الذين أحضروني من السيارة”. وأضاف: “أمر حراسه الثمانية بخلع ملابسي، وخلعوا حتى سروالي”. وقال إنه نُقِل في نهاية المطاف إلى مكتب جهاز الأمن الحكومي، ثم أُطلِق سراحه بعد أسبوع وأيام.
قال أحمد اشكى لتلفزيون طلوع نيوز المحلية: قال لي دوستم: “سأرمي بك تحت أقدام الخيل، وسأجعل من جسدك (ماعزبوزكاشي)”. وتابع: “قام رجاله بنزع ملابسي وأمر دوستم عشرة من رجاله أن يغتصبوني حتى النزف”.
هكذا بدأت قصة حقوق الإنسان في بلادنا في يوم احتفال حقوق الإنسان في العالم، وبطلها النائب الأول للرئيس الجمهوري، حامي البلاد والعباد!.
قبل ذلك قلنا من على منبر هذه المجلة إن الكثيرين من المواطنين، أتباع أشرف غني ومعجبيه، في بداية انتخابه -أو قل تنصيبه- عقدوا آمالهم عليه، وزعموا أنه يستطيع بخبرته الفائقة إنعاش الاقتصاد، واستتباب الأمن، وإعادة الاستقرار إلى البلاد، ومكافحة الظلم والغطرسة والانحراف، لكن سرعان ما خابت آمالهم! إذ هو بنفسه قام بتعزيز قاعدته السياسية بأمراء الحرب والمجرمين الطغاة والمفسدين السفاحين، مثل: أمير الحرب الأوزبكي الأصل الشيوعي عبد الرشيد دوستم -الذي يسمي نفسه صانع الملوك- الذي جلبه الرئيس للعمل معه وجعله نائباً أولاً له في رئاسة البلاد! وكان دوستم قبل ذلك من رموز النظام الشيوعي وأحد قادة جيشه، وقد تخلى عن حليفه القديم نجيب الله الشيوعي وساعد أحمد شاه مسعود في الحرب الدائرة، لكنه اختلف معه أيضاً.
دوستم هذا يسيطر على مناطق الشمال ذات الأكثرية الأوزبكية منذ الأيام الأولى لسقوط نظام نجيب، واتخذ مزار شريف عاصمة ومعقلاً له. وفيما بعد شغل دوستم منصب أحد نواب الرئيس المخلوع برهان الدين رباني لفترة وجيزة، واختلف معه كذلك، ثم تحالف مع خصمه حكمتيار وقاتل بشراسة في الحرب الدائرة بينهما، وخاضت ميليشياته الأوزبكية معارك طاحنة مع المجاهدين، راح ضحيتها آلاف داخل العاصمة كابول قبل أن ينسحب منها.
وبسبب انتخاب دوستم نائباً لأشرف غني؛ انصدم أتباعه من الشعب الأبي الأصيل، لأنَّ عبد الرشيد دوستم متعطش للدماء، وقد اشتهر في الماضي هو وميليشياته قبل كلّ شيء بارتكاب المجازر، وفي الأيام الأولى للاحتلال الأمريكي مارس عملية إبادة جماعية لعدد جم من الأسرى المظلومين في قلعة “جانجي” بعد أن تم إعطاءهم الأمان على حياتهم وأرواحهم، وهذه الابادة كانت في القلعة التي تخضع لأوامر “دوستم” وقد تعرضت قلعة “جانجي” لعملية إبادة كاملة للأسرى العزل في صورة من الوحشية المفرطة، حيث تم قصف القلعة بالمدفعية من جانب قوات التحالف الشمالي، والقصف بالطائرات الأمريكية عقب اصطناع ما سُمي بتمرد الأسرى، وكانت مؤامرة متفق عليها بقصد قتل مئات الأسرى من عناصر حركة طالبان الإسلامية. والواقع أن هذا السلوك المفرط في البربري كان متنافياً مع أبسط مبادئ الأخلاق والقانون والشرف، إذ كيف يستطيع مجرم بأوامر من أسياده أن يرتكب هذه الجريمة البشعة ضد أسرى عزل لا حول لهم ولا قوة، بعد أن تم تأمينهم على حياتهم وأرواحهم.
إن ما حدث في قلعة “جانجي” بقيادة هذا الملعون هو جريمة حرب بشعة، وستظل وصمة عار على جبينه، وشاهد إدانة لا يغيب على سقوط مجتمع القانون الدولي والعودة إلى قانون الغابة، العصر الذي تسود فيه القوة والجبروت وتعلو على الحق والعدل.
نحن نعرف أن الاحتلال الأمريكي إنما أتى بالمسؤولين الموجودين مثل أشرف غني ونائبيه ورئيسه التنفيذي وطغمة من الخونة، لخدمته ولتحقيق مشاريعه القذرة، ولم يأتِ بهم لبسط الأمن والاستقرار. كما أن الاحتلال لم يقم بسيادة القانون ومكافحة الإجرام والفساد ، بل إنه جعل الفساد يتأصل، والإجرام يتفاقم في حكم عملائه، حتى انتشرت الانتهاكات الأخلاقية للنخاع، لاسيما انتهاكات حقوق الإنسان. وما دعايات المحتلين التي كانوا ينادون بها من استتباب الأمن والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، إلا سراباً ذهب أدراج الرياح، حيث تحولت الديموقراطية إلى حكم جوقة من الفاسدين السفاكين والجبابرة الجناة والعملاء، لا يستطيعون فعل شيء للبلاد والعباد.
لقد ذهبَ الحمارُ بأم عمرو *** فلا رجعتْ ولا رجعَ الحمارُ
نعم عبد الرشيد دوستم هو النائب الأول للرئيس، والذي لا يكاد يمر أسبوع أو شهر حتى يتردد بين الناس وعلى وسائل الإعلام والتقارير الدولية قصة جديدة من حكاياته الدموية ومجازره البشعة التي يندى لها الجبين.
لقد صعد نجم هذا الطاغية دوستم في عهد الشيوعيين، حيث حصل على رتبة جنرال، ورّقّي إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الذي تغير اسمه من حزب الشعب الديموقراطي إلى حزب الوطن. وخلال المعارك التي جرت بين المجاهدين وقوات الحكومة الشيوعية، برز اسم دوستم ومليشياته (قليم جم) أكثر فأكثر، حيث تحول دوستم والقوات التابعة له إلى كيان كبير ومهم داخل الدولة، وسيطر على أجزاء من الولايات الشمالية، خاصة “جوزجان” و”بلخ” و”فارياب” وبدأ يتصرف باستقلالية عن سلطة الحكومة المركزية في كابل؛ الأمر الذي أدى إلى نشوب خلافات بين دوستم ونجيب الله، ولكن نظراً لقوة دوستم عجزت الحكومة الشيوعية عن إزاحته من موقعه. ونحن على يقين أن اشرف غني لا يستطيع كذلك إزاحته عن موقعه شبراً.
حدث عن المجرم بكل التفاصيل ولاحرج، فعند بروز حركة طالبان الإسلامية في أفغانستان عام 1994م، واستيلائها على الولايات الشمالية، نشبت خلافات داخل مليشيات دوستم، وتمرّد الجنرال عبد المالك -أحد قادته المجرمين- وتعاون الأخير مع الحركة، مما أدى إلى فرار دوستم إلى أزبكستان، والعيش هناك في المنفى خلال فترة حكم الإمارة الإسلامية والذي استمر حتى عام 2001. وفي أعقاب أحداث 11 سبتمبر، وهجوم القوات المعتدية الأمريكية على أفغانستان واحتلالها، عاد المجرم للبلاد مرة أخرى، واستخدمه الأمريكان للقتال ضد الإمارة الإسلامية، وقد اشتهر دوستم وصار حديث وسائل الإعلام عندما قامت مليشياته بتعاون مباشر مع القوات الأمريكية، بأسر وقتل الآلاف من أفراد حركة طالبان الإسلامية الأسرى في مزار شريف، كما ذكرنا آنفا.
ومجلة “نيوزويك” الأمريكية التي رصدت جزءاً من مذابحه التي قتل فيها الأسرى في الحاويات؛ أشارت إلى جرائم حرب حقيقية ارتكبها حلفاء أمريكا، وفي مقدمتهم هذا المجرم في حرب قذرة ومشينة، وقالت: “الفحص الأولي للمقبرة بيّن أنها جديدة، وأن القتلى لم يعانوا من رضوض أو جراح، ومع أن البعض منهم كان مقيداً، إلا أن الجميع ماتوا خنقاً أثناء عمليات الترحيل التي أوكلت لقوات دوستم. ووفقاً للشهادات: “كان هناك فظاعات مورست ضد أسرى الحرب؛ حيث اضطر بعض السجناء للعق عرق بعضهم البعض، والعضّ بحثاً عن شيء فيه بلل، فيما تملكت الكثير من الأسرى الذين حشروا في الحاويات حالات من الهوس والصرع والجنون”.
نحن على يقين كامل أن المجرم سيفلت من العقاب كما أفلت سابقاً، مع أن أسياد الرئيس من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا واستراليا طالبوا بإجراء التحقيق، لكن “المفكر” لا يستطيع محاكمة المجرم المشار إليه محاكمة لائقة عادلة، كأن المجرم ينعم بالحصانة القضائية في الدنيا. والأيام بيننا!
وهناك بيت له روايات عدة، كلها يصدق على طاغيتنا، حيث يقول:
إذا كان الغراب دليل قوم .. سيهديهم إلى دار الخراب
إذا كان الغراب دليل قوم .. فلا فلحوا ولا فلح الغراب
إذا كان الغراب دليل قوم .. فعَيْبُ القَوْمِ لا عَيْبُ الغُرَابِ
وعند الله تجتمع الخصوم.