دولة الباطل ساعة .. ودولة الحق إلى قيام الساعة !
إن الإمارة الإسلامية قد أُسّست لنشر الأمن والاستقرار وإصلاح ما أفسده الآخرون في البلاد، فلا ترضى بإهراق الدماء وإحراق الأرض وإهدار الممتلكات وهتك الحرمات. ومن أول يوم وُلدت فيه، كان من منجزاتها توحيد البلاد، والقضاء على الفساد بكل أنواعه، وجمع الأسلحة وحصرها في يد الحكومة الإسلامية، والقضاء على طبقة المجرمين وأمراء الحرب، وإنشاء المحاكم، وإيجاد نظام إداري لا يشوبه فساد في العاصمة والولايات، والقضاء على زراعة المخدرات نهائياً، وتطبيق الشريعة الإسلامية، وبسط العدل والأمن في كافة أرجاء البلاد، وخفض نسبة الفقر والبطالة حسب الاستطاعة، وإيجاد المراكز الخيرية، وتأسيس المدارس والمساجد والمستشفيات والمراكز الدينية والتعليمية.
مثل النهار يزيد أبصار الورى … نوراً ويُعمي أعين الخفاشِ
وبما أن الفضل ماشهدت به الأعداء، فقد قال يوماً الميجور جنرال نيك كارتر الذي كان يومئذ قائد قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في جنوب أفغانستان قال: “إن الفتيات كان يمكنهن التنقل بمفردهن بين المدن الكبرى دون خوف من أذى قبل غزو 2001م.”
وقال كارتر خلال مقابلة مع شبكة الإذاعة البريطانية بي بي سي : “الفارق حسبما أعتقد، والذي يجب أن نتفق عليه، هو أنه عندما كانت طالبان هنا، كانوا يُؤمّنون الطرق الرئيسية السريعة، وكانوا يقومون بذلك على أكمل وجه”. وأضاف الجنرال: “كان بإمكانك أن تضع ابنتك في حافلة في كابول وأنت واثق أنها ستصل آمنة لقندهار، وليس هذا هو الحال الآن….”.
واليوم كما هو معلوم، في معظم الطرق السريعة بين القرى والمدن، لا يستطيع أحد أن يخرج بعد العصر، خوفاً من قطاع الطرق الذين ينتمون في معظم الأحيان لفصائل الحكومة الائتلافية! وحدّث ولاحرج عن القتل والخطف والنهب والاغتصاب، فلك أن تتخيَّل وأنت تعيش تحت إمرة حكومة مدنيَّة ديموقراطيَّة! تحصل هذه المآسي كلها بين عشية وضحاها أثناء حكمها.
إنَّ كثيراً من وسائل الإعلام الغربية تحاول قدر الإمكان إخفاء هذه الحقائق، وتعميتها وتعتيمها على الناس، وخلق حالة من الغبش والضبابيَّة، وتلفيق الأكاذيب والترهات على الامارة الاسلامية، لأنَّهم يعلمون أنَّه لو ظهرت الحقائق على مرأى ومسمع من هذا العالم، لشهدوا للحركة الإسلامية، والألوية البيضاء الخفاقة، رمز الإسلام والسلام، بالفضل واليمن والبركة. وأحد الأساليب العمليّة التي يستخدمها الطغاة والكفرة لصدّ الناس عن الحق، هي التحذير من سماع منطق الحق والقوَّة، وفي قصَّة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ كان كفَّار قريش يغبِّشون عليه الحقائق، ويخفونها عليه، بعدَّة قوالب وأساليب، وفي رواية سدي: “اجتمعت قريش، فقالوا: إن محمداً رجل حلو اللسان، إذا كلّمه الرجل ذهب بعقله، فانظروا ناساً من أشرافكم المعدودين المعروفة أنسابهم، فابعثوهم في كل طريق من طرق مكة على رأس ليلة أو ليلتين، فمن جاء يريده فردوه عنه. فخرج ناس في كل طريق فكان إذا أقبل الرجل وافداً لقومه ينظر ما يقول محمد، ووصل إليهم، قال أحدهم: أنا فلان ابن فلان. فيعرّفه نسبه، ويقول له: أنا أخبرك عن محمد. إنه رجل كذاب، لم يتبعه على أمره إلا السفهاء والعبيد ومن لا خير فيهم، وأما شيوخ قومه وخيارهم فمفارقون له. فيرجع الوافد”.
فقد كانت حرب دعاية منظمة، يديرها كفار قريش على الدعوة، ويديرها أمثال كفار قريش في كل زمان ومكان من المستكبرين المتغطرسين الذين لا يريدون الخضوع للحق والبرهان، لأن استكبارهم يمنعهم من الخضوع للحق والبرهان. ولنتأمَّل ما قاله الطفيل قبل إسلامه: (فوالله ما زالوا بي يقصُّون عليَّ من غرائب أخباره ويخوِّفونني على نفسي وقومي بعجائب أفعاله، حتى أجمعتُ أمري على أن ألا أقترب منه وألا أكلمه أو أسمع منه شيئاً، حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كُرْسُفَاً فَرَقَاً من أن يبلغني شيء من قوله وأنا لا أريد أن أسمعه) ولنا أن نتخيَّل كيف بلغ الأمر بالطفيل بن عمرو إلى أن يضع ـ القطن ـ في أذنيه لئلاَّ يستمع شيئاً من كلام رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلم ـ وهكذا الحال في عصرنا الحاضر، حيث يكيد الأعداء للمسلمين، ويخفون عليهم الحقائق، ويختلقون الأكاذيب على دُعاة الحق. ونحن نقول مثلما قال المتنبئ :
وأذا اتتك مذمتي من ناقص
فهي الشهادة لي بأني كامل
هذه إيفون ريدلي (مريم) الصحافية البريطانية، التي تعرفت على الإسلام لأول مرة في حياتها حينما اعتقلتها حركة طالبان الاسلامية تقول: لقد قضيت 10 أيام بين أناس وُصِفوا بالقسوة والظلم، ولكنهم لم يكونوا أبداً كذلك، إن حبهم وإخلاصهم لبعضهم البعض أثّر فيّ كثيراً، لقد كانوا في غاية الاحترام والإنسانية، ولو قارنتم أسري بما حدث في سجون أبو غريب أو معسكر غوانتانامو في كوبا، لتيقنتم أن أيامي في الأسر كانت طيبة. ومن الأمور الغريبة التي لم تجد لها ريدلي تفسيراً، هو أن المحققين الأفغان كانوا يتحاشون النظر إلى عينيها، وكانوا ينظرون إلى السقف أو إلى الأرض عندما يوجّهون إليها الأسئلة، عبر مترجم لم يكمل العشرين عاماً من العمر، ولم تفهم سبباً لذلك، إلا بعد أن اعتنقت الإسلام. وتعرب عن اعتقادها أن المحققين كانوا يتحدثون الإنجليزية، ولكنهم أحضروا المترجم، حتى يعطوا لأنفسهم مساحة أكبر من الوقت.
وتقول: “لقد تأثرت خصوصاً بالقرآن والأحاديث النبوية. كلما تعرفت على الإسلام، تيقنت أني اكتشف دنياً جديدة، لقد بدأت بالإحساس أن شعوراً جديداً كان يمنعني من الوقوف في مكاني، بدأت بالشعور تدريجياً أن الإيمان يسكن قلبي، شعرت أن الله سبحانه وتعالى كان يزرع الإسلام في كل روحي، وينقيني من دنس الحضارة التي نشأت فيها. لقد بدأت طمأنينة رائعة في السكون في روحي. لقد كانت هذه الطمأنينة، طمأنينة إلهية، حينها أيقنت أن الوقت لإعلاني الإسلام قد حان، فنطقت بكلمة الشهادة وأصبحت مسلمة. لقد أيقنت أن الله قد أوصلني إلى هدايته، ومن حينها وانا أتلذذ بطعم الإيمان. إن الإيمان بالله، هو أجمل شعور ممكن أن يعيشه الإنسان في هذه الدنيا”.
إن الإمارة الإسلامية قامت من أجل بسط الأمن والسلام، ولازالت تسعى لإيجاد صيغة لإنسحاب المحتلين بلا قيد ولا شرط. فهي تعلم أن الإسلام يدعو للسلام وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما ردّ يداً امتدّت إليه بسلام، لأن السلام هو منهجه وخلقه، إلا إذا كان على حساب الدين، وقيمه، وفضائله، فهو سلام مرفوض، واستسلام مهين، حذر منه رب العالمين بقوله: (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم …).
يتحدث التاريخ الإسلامي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مدّ يده لقريش عندما جاؤوا إليه عند الحديبية يفاوضونه، وفاوضهم وكان كريماً معهم، وراعى -في غير استسلام- ظروفهم النفسية مع نظرة مستقبلية، علّم بها صحابته أن السلام في صالح المسلمين، وأن الحروب معوقة لانتشار الدين وبسط نوره وسلطانه، ووصف القرآن هذه المعاهدة بأنها نصرعظيم وفتح كبير.
هذا ويقول أحد الأساتذة: “إن الإسلام دين الرحمة والسلام، وأن الجنة التي أعدت للمتقين اسمها دارالسلام، وتحية أهل الجنة سلام، ولا يوجد قيمة نالت من الشرف ما نالت قيمة السلام في الإسلام، وإن أسلوب الحياة يحمّل المؤمنين مسؤولية إقرار الأمن والسلام في مجتمعاتهم، وقد كتب أحد العلماء أن لفظ السِلم (بكسر السين) ورد مرة واحدة، وبفتحها ورد مرتين، وبفتح السين واللام ورد أربع مرات، وهي في الجميع بمعنى السلام، وفيها أيضا تحذير من الاستسلام. وورد لفظ (سلام) مرفوعاً في ثلاث وثلاثين موضعاً، كما ورد منصوباً في تسعة مواضع، وهو في المواضع كلها يعني السلام، كما يعني أحيانا الأمن أو طيب القول أو دار النعيم “.
تعتقد الإمارة الإسلامية ما قاله أحد المفسرين: “بأن الإسلام دين سلام، وعقيدة حب، ونظام يستهدف أن يظلل العالم كله بظله، وأن يقيم فيه منهجه، وأن يجمع الناس تحت لواء الله، إخوة متعارفين متحابين. وليس هنالك من عائق يحول دون اتجاهه هذا إلا عدوان أعدائه عليه وعلى أهله، فأما إذا سالموهم فليس الإسلام براغب في الخصومة! وهو حتى في حالة الخصومة يستبقي أسباب الودّ في النفوس بنظافة السلوك وعدالة المعاملة، انتظاراً لليوم الذي يقتنع فيه خصومه بأن الخير في أن ينضووا تحت لوائه الرفيع، ولا ييأس الإسلام من هذا اليوم الذي تستقيم فيه النفوس، فتتجه هذا الاتجاه المستقيم “. في انتظار ذلك اليوم المبارك! والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.