رجل ضنت به قرون متطاولة حتى جاد به القرن العشرون
في مثل هذا اليوم قبل ۸ سنوات توفّي الإمام الكبير المجاهد المغوار، الذي لم تنتطح في مكانته السامية عنزتان، ولا ادّارك أحدٌ شأوه في الاستماتة للدين في مئات من السنين،
وحُقّ أنه كان أحدا من القرون السالفة، التي عاش فيها الإسلام مسيطرا على ملة الكفر جمعاء، فشاء الله أن يُنضّر به معالم الدين المندرسة في هذا القرن، الذي ساد فيه الظلم والاضطهاد، وعمّ فيه العيث والفساد،
وبرزت الجاهلية الأولى على شدّة وساق، بل خلّفتها تحت عشرات من الأستار، فأصبح الناس لا يعرفون من الدنيا إلا التمتع بآلائها، والاستلذاذ بنعمائها، سواء في ذلك مسلمهم وكافرهم، واستكرهوا الموت حتى أفضىٰ بهم إلى القول بالترادف بين الجهاد والفساد،
فمنّ الله على الأمة المرحومة من جديد، في صورة هذا الرجل الذي أُشرب حبّ الجهاد والمناضلة عن الدين الحنيف في كل عرق من عروقه، وخالط دمه ولحمه، والذي مثّل بآثاره السامية، ومآثره الجليلة، حياة سميّيه العمرين، أعني الإمام أمير المؤمنين الملا عمر رحمه الله…..
كتب فيه الكتّاب والمؤلفون ولايزالون، فأتت جهودهم في أسفار كبيرة وزُبُرٍ جليلة، بيد أنها لاتُمثّل من حياته إلا غيضا من فيض وقطرة من بحر، كيف وإن كل جانب من جوانب حياته يستدعي دفاتر جليلة، فأنّى لهم بإحاطة سيرته،
واستيعاب حياته… وبخاصة لي ولأمثالي، فما اكتحلت عينيّ بزيارته، فضلا عن استعراض دقائق حياته والاستطلاع على غوامضها، كيف وأنا أمرّ الآن في العقد الثالث من عمري….
فأكتفي على عدة كلمات تلقيتها من شيوخي، فهي أخبار موثوقة إن شاء الله، إن لم تخنني ذاكرتي.
فسمعت من مشايخي أن أميركا لما عزمت على احتلال أفغانستان، وإرعاء الفساد فيها، إن لم يُسلّموا إليها أسامة بن لادن ويخذلوه رضوخا لبطشها، عند ذلك وَفد جمعٌ من نخبة علماء باكستان على أمير المؤمنين في أفغانستان،
فطلبوا منه التراجع عن عزمه، وإبانة شيء من اللين في قضية أسامة، وألحّوا عليه بإعطاء قياده في أيديهم، إبقاءً على أفغانستان وسكانه المنكوبين، فردّ عليهم الإمام بجملة سيُذكر بها على كرّ الدهور وممرّ الأزمان، حيث أفحم الوفد، فلم يتكلموا ببنت شفة، واندهشوا من غيرته على الدين، وقضى منهم العجب من قوّته الإيمانية، وعلموا أنّ إيمانه يشبه إيمان الصحابة، لا يسري إليه فرَقٌ وخوف إلا من الله تعالى.
قال لهم الإمام: هل عندكم نصّ يجوّز خذل مسلمٍ مجاهد، وإلقاء حبله في أيديهم، وبم أجيب ربي إن سألني “كيف سلّمتَ مسلما مجاهدا إلى الكفر وأسلمته”؟؟؟
فلم يُحر أحدٌ منهم جوابا، فأردف الإمام قائلا: إن هذا لمكر يمكرونه. وليس همّهم إلا تنكيس رايات الإسلام، الذي يعيش في هذا البلد كمذهب صحيح مثالي نموذجي…..
وعندما صالت أميركا على أفغانستان بقضّها وقضيضها، وشنتّ عليها الغارة بأعوانها وأنصارها، وعاثت فيها وأفسدت، وأهلكت الحرث والنسل، وأقامت في المسلمين مجازر بشعة، واستأصلت جذور الإمارة الإسلامية،
وسيطرت على البلد جمعاء، وظنت أنها نجحت في مرامها، وظفرت بطلبتها، وأيقنت بأنها قضت على النظام الإسلامي في هذه المنطقة، ونكّست رأسه لأبد الآباد، لكنها غفلت عن غيرة الأفغان والمسلمين،
ونسيت استماتتهم للدين، وغفلت عن تضحياتهم بنفوسهم وتقديمهم القرابين في سبيل تحرير الوطن من مخالب المحتلين، مهما جد ّبهم الأمر واحتاجوا إلى أبشع ما يخطر على بال…. فاندفعت عليهم الأسود والصقور بصولات صادقة، وخيّبوا ظنونهم النجسة، وترّبوا نواياهم القذرة،
وأروهم في أفغانستان مقبرة ومجزرة لموتاهم، خلاف ماكانوا يحلُمون ويدّعون…. كل ذلك تحت قيادة قائدهم الكبير، المجاهد المقدام، أمير المؤمنين، رحمه الله.
فكان مما قال رحمه الله: إن أميركا كما صالت وحملت بعزة وغرور، فستدبر وتنهزم وتهرب من أفغانستان راغمة مرغمة…
ولقد، صدق الإمام الراحل، فها نحن نراهم يحملون أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم، راجعين إلى أوطانهم، خاسرين منكوبين أذلاء، قد ضاقت بهم الأرض بما رحبت، وضاقت صدورهم حرجا كأنما يصعدون في السماء…
فرحمك الله يا أمير المؤمنين، وأدخلك جنات الفردوس مع الأنبياء والصالحين، ووفقنا لتنمية الشجرة التي غرستها بيديك، وكم كنتَ تفرح لو رأيت أنجالك وأشبالك قد أرغموا أنف أميركا، وألجؤوها إلى الإدبار ،
وكشفوا عن ستار دعاياتها…. فاليوم إن لم نرك بيننا فإن نهضتك الجهادية نراها قد أينعت وأثمرت، وحققت أمانيك إن شاء الله.
حكمة الله
11رمضان المبارك 1442ھ