
رحمك الله، أیها القائد المظلوم، حیاً ومیتاً
بقلم: أنورشاه الزابلي
لو تصفحنا تاریخ الإسلام المجید، وقلبنا صفحاته ذات الألوان، لوجدنا في صفحةٍ من صفحاته أخباراً مفرحة للقلوب، مریحة للصدور، ووجدنا في أخری أخباراً محزنة، مضیقة للقلوب التي في الصدور، نجد فیها كيف أن المسلمین المنکوبین من الأطفال الرضع والشعب الأعزل، قُتِلوا بید السفاکین والسفاحین، وأبیدوا بید الظالمین، بدءاً من الحجاج وأشباهه، ومروراً بالباطنیین والإسماعیلیین وانتهاءً بالحروب الصهیوصلیبیة الصفویة، التي أذاقت المسلمین الویلات والنکبات.
وفي طي هذه الصفحات الملیئة بالأحزان، هناك صفحة في تاریخ أمتنا التلید، مندرجة فیها أسماء قادة المسلمین وروّاد الأمة الذین ظُلموا من قبل الأقارب قبل العقارب ومن الأصدقاء قبل الأعداء الألداء. وأول هؤلاء المظلومین هو سیدنا عثمان بن عفان – رضي الله عنه وأرضاه- الرجل الذي ظلم حیاً ومیتاً، ظُلم حتی من قبل الأقرباء ومن جانب المحسوبین علی أهل السنة، اتهموه في حیاته بأنواع الافتراءات، ورموه بشتی التهم والخزعبلات، لکنه کان جبلاً شهماً، ثابت الأرکان والجنان، لم یخضع إلا لله، ولم یرکع إلا لخالق البرایا، لم یتزحزح ولم یخف في الله لومة اللائمین، ولم یبال بطعنة الطاعنین، صبر وصمد حتی استشهد في سبیل الله ولم یخلع ثوب الخلافة عن جسمه، حتی لفظ آخر أنفاسه وهو یتلو کتاب الله، وأهریق دمه الطاهر علی المصحف الشریف.
بعد استشهاده مظلوماً بین ظهراني المهاجرین والأنصار وعلی مرأی من أهله وأولاده، لم یتوقف الطاعنون عن فعلتهم النتنة ولم یفتحوا أعینهم حتی یشاهدوا مواقفه المشرفة، بل أوحت إلیهم شیاطینهم الإنسیة والجنیة زخرف القول غروراً، فتشدقوا أکثر من ذي قبل. ولا یزال هذا الرکب المشؤوم من الکتّاب یقطعون طریقهم إلی السراب لیدنسوا عِرض سیدنا ذو النورین، لکن هیهات هیهات، لأن نباح الکلاب لا یضر الرکب السائر نحو الهدف المنشود. ما نقموا منه إلا أنه آمن بالله فصبر وصمد حتی لقي ربه.
وها نحن واجهنا والأمة الإسلامیة جمعاء مصیبة عظمی وکارثة کبری وهي ترجُّل فارس من فوارس الإسلام وقائد من قادته الکرام، البطل الصندید واللیث الهصور، الملا أختر محمد منصور -رحمه الله تعالى-
لیعلم أعداء الشریعة أن دماء قادتنا وقود معرکتنا، وهي التي تدفع عجلة الجهاد نحو الأمام، وإن دلت علی شيء فإنما تدل علی صدق المنهج وصفاء المعتقد. استشهاده رحمه الله لم یولِم الأمة الإسلامیة عامة والمجاهدین خاصة بقدر ما آلمهم ظلم الناس له. فالرجل کانت خیله مسرجا وهو في ریعان شبابه، قاتل السوفییت ثم حینما اختلط الحابل بالنابل ووقعت الفتن کقطع اللیل المظلم، لم يقعد قائدنا، بل لبّی منادي الجهاد والنضال، فجاهد وقارع الطواغیت في صفوف الإمارة الإسلامیة، حتی أقاموا إمارة للإسلام تحکم بکتاب الله وترفض جمیع القوانین الوضعیة الکفریة. وهکذا کان، حتی هاجم العدو الغاشم -أمیرکا وحِلفهم النتن- دولتَهم الفتیة وإمارتهم الأبیة ورموها عن قوس واحدة.
نعم! جاءت سنة التمحیص والابتلاء فمیّز الله المؤمن من المنافق والصادق من الکاذب، فکان أمیرنا واقفاً لم یتقاعس، شامخاً لم یترنّح، ما ملّ ولا کلّ، ترك أهله وأولاده نصرةً للشریعة، صبر وصابر حتی آل الأمر إلی أن سُلّمت إلیه مقالید الإمارة وذلك في حیاة بطل الأمة أمیرالمؤمنین الملا محمد عمر -رحمه الله- لاعتماده علی أمیرنا الشهید. فکان علی رأس الأمور الجهادیة بمختلف نواحیها، لا یعرف اللیل من النهار، حتی رأینا ورأت الأمة جمعاء ما منّ الله به علی المجاهدین من الفتوحات المتتالیة ورصّ للصفوف والوحدة والألفة، ما لم نشاهده قبل ذلك.
أتوقف هنا ملیّاً لأسأل أولئك المتشدقین بالباطل والزور، الصائدین من الماء العکر: أین کنتم أنتم حینما کان -رحمه الله- في میادین الجهاد والقتال ووسط معمعات الحرب والنضال؟ أین کنتم لتبارکوه علی تضحیاته؟
أین کنتم لتبارکوه علی ردّه مفاوضات السلام من قبل الأعداء الألداء؟
أین کنتم لتبارکوه علی فتح قندوز؟
أین کنتم لتبارکوه علی حفظه للعهود مع المهاجرین وإیوائهم داخل أراضي افغانستان؟
أین کنتم …؟
لم تبارکوه أبداً بل اتهمتموه بما أوحی إلیکم شیاطینکم من سفاهات وخزعبلات، لا تستند إلا علی الظنون وقد قال تعالی: (اجتنبوا کثیراً من الظن إن بعض الظن إثم).
وجرت الأمور علی ذلك حتی استشهد -رحمه الله- إثر غارة جویة أمریکیة.
نعم! استشهد -نحسبه کذلك والله حسیبه- وما إن أَعلن عن استشهاده المترنِّح في البیت الأسود أوباما، حتی ثارت ثائرة المتشدقین وقامت قیامتهم فتساءلوا وأصروا في سؤالهم: أین کان؟ من أین جاء؟ أین کان یقصد؟ ووو
یا رجال! إنه -رحمه الله- مُزّق جسمه تمزیقاً، وتمزّعت أعضاؤه. عُمّیت أبصارکم عن ذلك کله، لم تترحّموا عليه ولو مرة واحدة، بل أسرعتم وتسابقتم في إیراد الأسئلة التي تلقّفتموها من الطواغیت وإعلامهم الفاسد، ولم تلتفتوا إلی قوله تعالی: (یا أیها الذین آمنوا إن جاءکم فاسق بنبأ فتبینوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا علی ما فعلتم نادمین).
أخیراً یحلو لي أن أنقل للسادة القراء المنصفین ما سمعته من أستاذي الشیخ أبي الزبیر -حفظه الله- نقلاً عن أحد أقرباء الملا منصور -رحمه الله- حیث قال: “إن القائد الشهید منذ أن استلم الأمور بعد وفاة الملا عمر -رحمه الله- ما قضی بین أهله وزوجته إلا بضعة أیام، کان یتنقل من میدان إلی آخر ومن مدیریة إلی أخری، وذلك تنسیقاً للأمور وتوجیهاً للقادة والمجاهدین”. والحال أن هؤلاء المتشدقین کانوا بین أهلهم وذویهم، یتلذذون بلذائذ العیش والترف والبذخ.
رحمك الله أیها البطل المغوار، وأسکنك فسیح الجنان وحشرك مع النبیین والصدیقین والشهداء والصالحین.