رسائل عملية “نورث جيت” البطولية
بقلم: الأستاذ خليل وصيل
في السابع والعشرين من شهر شوال انطلقت مفرزة مكوّنة من أربعة استشهاديين، وهم: محمد أنبياء الكندهاري، وشمس الله الهلمندي، وعبد الرشيد، ونعمت الله الزابلي، واستهدفوا مجمعاً سكنياً للقوات الخارجية (نورث غيت) في العاصمة كابول، وهو مجمع يضم مراكز عسكرية واستخباراتية ولوجستية ودور ضيافة وترفيه للمحتلين الأجانب في كابل.
وفي البداية امتطى استشهادي من الأبطال الأربعة صهوة جواده من نوع (مازده) وفجّرها في بوابة “نورث جيت”، وبعد الانفجار فوراً سارع الأبطال الانغماسيون المدججون بالأسلحة الثقيلة والخفيفة والقنابل اليدوية والسترات الناسفة نحو المجمع للإجهاز على من تبقى حياً من المحتلين.
استمرت المعركة خمس ساعات، وكانت حصيلة العمليات: مقتل وإصابة العشرات من المحتلين، إلى جانب الخسائر المالية الفادحة من نسف المجمع، واحتراق الوثائق المهمة، وتدمير عدد كبير من العربات والسيارات.
ومع أن وسائل الإعلام مرّت على هذا الهجوم مرور الكرام، ولم يحظ إلا بتغطية إعلامية ضئيلة، ومع إنكار الأعداء لوقوع خسائر فادحة في صفوفهم والاعتراف بالشيء القليل منها؛ إلا أن نوعية الهجوم وآثار الدمار التي خلفها تثبت عكس ذلك تماما.
وفي الخامس من شهر ذي القعدة استهدف البطل الاستشهادي عمر الننجرهاري موكباً للقوات الأمريكية المحتلة بسيارته المفخخة في ولاية ننجرهار الشرقية، مما أدى إلى تدمير دبابتين ومقتل ستة جنود محتلين وإصابة آخرين منهم، وقد اعترف حلف النيتو بإصابة جنديين أمريكيين في هذا الهجوم.
إن أمثال هذه الهجمات والتي تستهدف المحتلين الأجانب تحمل في طياتها رسائل واضحة للمسؤولين الأمريكيين المتغطرسين، نلخصها فيما يلي:
1 – إنكم مهما استفرغتم قوتكم ومهما صنعتم من المؤامرات ستفشلون وستخيب آمالكم وستهزمون وتهربون ناكسي الرؤوس من أفغانستان.
2 – إن هذه الهجمات تظهر مدى كراهية الأفغان للإحتلال، وأنهم يبغضون المحتلين ويعادونهم، ولو وظفتم مئات وسائل الإعلام من القنوات والصحف والمجلات لامتداحهم. وإن الشعب الأفغاني لن يخضع أمام الإحتلال وعملائه.
3 – إن أبناء الشعب الأفغاني يتحيّنون الفرص للانقضاض عليكم، ويتسابقون لاستهداف جنودكم المحتلين، ويعتبرون المشاركة في قتلكم وقتالكم مفخرة ومَكْرُمةً لأنفسهم، ولا يألون جهداً فيها.
4 – إن هجوم مجاهدي طالبان على “نورث غيت” المحاط بالأطواق الأمنية وسط حماية أمنية مشددة، يثبت أنكم مهما اتخذتم التدابير الأمنية لن تحلموا بالأمن في أفغانستان ما دمتم محتلين لها ولن تسلموا من ضربات الاستشهاديين، ولن نترككم مستريحين مطمئنين على أرض أفغانستان. إننا لن نترككم تلعبون بمصيرنا. إننا لا ننام على الضيم، بل سنحاسبكم على جرائمكم وسنجبركم على إنهاء الاحتلال بإذن الله، فإن مجاهدي الإمارة الإسلامية عقدوا العزم على الصمود والجهاد حتى خروج آخر جندي محتل وإقامة شرع الله في البلاد، وقد نطقت بهذا بيانات الإمارة الإسلامية في عدة مناسبات إن كنتم تعقلون.
5 – يجب أن يدرك المحتلون أنه يستحيل استعمار الشعوب وبلادهم بقوة الحديد والنار. نعم إنكم ستفرضون سيطرتكم على بعض المناطق إلى حين بمساعدة عملائكم الداخليين، إلا أن تلك المناطق المخضبة بدماء المظلومين الزكية تأبى أن تبقى تحت ظلال الاحتلال، والتاريخ خير شاهد على ذلك.
6 – إن ما يقال بأن أفغانستان “مقبرة الامبراطوريات” و”مقبرة الغزاة” وأنها “تذل من يسعى لاحتلالها” ليس بدعاية محضة، بل هو حقيقة واقعية وراءها الكثير من قصص آهات وهزائم وجماجم الجبابرة والمحتلين. لقد دفنت في هذه الأرض المباركة رؤوس الجنكيز والإنجليز والسوفييت، وسيكون مصيركم نفس مصيرهم، فاعتبروا من مصير المحتلين السابقين ومن خسائركم ومن محاولاتكم الفاشلة واخرجوا جنودكم المحتلين سراعاً من أفغانستان.
اعتبروا من تفكك الإتحاد السوفيتي في ثمانينات القرن الماضي، ومن هزيمة الإمبراطورية البريطانية خلال القرن التاسع عشر وإضطرارهما للإنسحاب من أفغانستان وهم يجرون وراءهم أذيال الخزي والعار ويلعقون جراحهم.
7 – أيها المحتلون البلهاء! إنكم لم تحققوا أهدافكم المشؤومة خلال عقد ونصف بمئات الآلاف من الجنود، فكيف ستستطيعون تحقيقها فيما بعد؟ واعلموا أن النصر الذي تزعمون الاقتراب منه، أمر بعيد المنال.
8 – إنكم تتجاهلون الحقائق أو تتعمدون التعتيم عليها. إنكم لا تستطيعون هزيمة الشعب الأفغاني ولو أطلتم أمد الإحتلال ألف عام فاستخلصوا العبر من دروس السنوات الماضية، ولا تندفعوا بهوس كسب الحروب اعتماداً على القوة العسكرية، واعلموا أنكم لستم قادرين على تحدي مجريات التاريخ في هذا البلد.
9 – إننا حذرناكم من قبل وحذركم الناصحون من جنرالات الروس، إلا أنكم أبيتم إلا الاعتداء على بلاد الأفغان. وإننا ندري أنكم وقعتم في المستنقع الأفغاني وأنكم في ورطة فلستم قادرين لا على الانسحاب ولا على الاستمرار في هذه الحرب، فانتهزوا الفرصة بالخروج من الحرب بأقل الخسائر الممكنة.
10 – إننا نتيقن أنكم ستهربون وتطردون يوماً ما من بلادنا حتماً، لأنه لا يمكن للاحتلال أن يستمر إلى الأبد، فإذا كنتم ستنسحبون بعد تكبد الخسائر الفادحة وتحمل الأضرار الجسيمة فخير لكم أن تخرجوا الآن وتكفّوا عنا شركم وأذاكم وإرهابكم، لينعم هذا الشعب المنكوب بالأمن والسلام.
11 – إن كبار ساستكم وعقلاءكم أدركوا جيداً أنكم تخوضون حرباً لن تنتصروا فيها، وهذا أمر شهد به الخبراء العسكريون والاستراتيجيون منكم، فلماذا تسفكون دماء الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ بطائراتكم؟ ولماذا تضيعون أرواح جنودكم في حرب لا تستطيعون كسبها؟
12 – إن إعلان اوباما الأخير عن منحه للقوات الأمريكية دوراً أكبر في الحرب ضد الشعب الأفغاني وسماحه لهم بشن المداهمات الليلية وتكثيف هجمات القصف لم يؤثر سلباً على انتصارات المجاهدين، بل أشعل روح الجهاد في قلوبهم.
وإن إعلان رئيسكم الأبله عن إرسال مزيد من القوات الأمريكية إلى أفغانستان لم يحطم معنويات المجاهدين بل رفعها؛ لأن كل
مجاهد يعطي الأولوية لاستهداف المحتلين الأجانب، ويتمنى كل استشهادي تنفيذ العمليات ضدكم، وكل مسلم أفغاني يطير فرحاً بوقوع الخسائر في صفوفكم، فينبغي لكم أن تنفقوا أموالكم على سحب قواتكم بدلاً من أن تضيعوها بإرسالهم وإغراقهم في المستنقع الأفغاني.
13 – إن ظننتم أن إرسال مزيد من القوات المحتلة وبثّ إعلاناتكم الدعائية سيخفف الضغوط عن القوات العميلة وسيعطيهم المعنويات وسيصد هجمات المجاهدين فقد أخطأتم التقدير، فإن ذلك كله لم ينفع عملاءكم شيئاً لا في الميدان العسكري ولا في الحرب النفسية، ولذا نراهم لا يستطيعون الصمود أمام ضربات المجاهدين البطولية، وقد خسروا المناطق الكثيرة وتركوها لمجاهدي الإمارة الإسلامية. كما أدرك الكثير منهم أنكم تريدون دفعهم إلى فوهة الهلاك بإبعاد أنفسكم عن ساحات القتال، ولذلك نراهم يستسلمون ويلتحقون بصفوف المجاهدين.
إن هذه الرسائل واضحة جداً، لكن شرحناها لكم لعل ساستكم الاستراتيجيين يفهمونها ويستفيدون منها في تغيير سياساتكم الاحتلالية والاستعمارية؛ سياسة القهر والظلم، سياسة استمرار الحرب في أفغانستان والتي تمارسها أنظمتكم الجشعة الهمجية.