رسالة أفغانستان إلى علماء الأمّة الإسلامية
أبو محمد
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً. أما بعد..
فيا علماء الأمة وتيجان رؤوسها السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الله عز وجل: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾.
فلقد تصدّى الشعب الأفغاني بفضل الله وكرمه وبقيادته وعلمائه لأعتى حملة بربرية من أمريكا، ذات القوة والجبروت والغطرسة على أمم الأرض. في خِضِّمِ هذه الحرب الضروس قام علماءُ أفغانستانَ بدور الجهاد ودور التعليم ودور الإعداد ودور الحفاظ على ملّة الإسلام في أفغانستان، ودور التوجيه للأمراء لرعاية شعبهم كما يرعى الأبُ الرحيم أولادَه. قام علماء أفغانستان بكل ذلك في وقت لم يكن فيه لهم أي دعم، إلا ما قلّ وندر من علماء الأمّة خارج الشعب الأفغاني، وجهدهم لا ننكره أو نتجاهله، فهم شركاؤنا في جهادنا ونصرة ديننا، فبارك الله فيهم إخوة أحبة.
لقد قام علماء الشعب الأفغاني بدور الجهاد وبدور التعليم وإنشاء مدارس سرّية تحافظ على دين وعقيدة الأمّة، وقاموا بإعداد المجاهدين إعدادًا شرعيًا جهاديا لسنوات طوال حتى يحافظوا على الروح المعنوية، وعلى العقيدة السليمة في قلوبهم ويثبتوا على الصراط المستقيم حتى لا تنحرف البوصلة عن قتال أعتى دولة على وجه البسيطة، ولا ينحرفوا هم عن الاتجاه الصحيح. قاموا بهذا الدّور الفعال في نصرة الإسلام رغم قلّة الموارد وقلة الناصر، وكثرة الخاذلين، ورغم ضيق المكان الآمن إلا في المغارات أو تحت الأرض، كلّ ذلك قاموا به في حالة غربةٍ وضعفٍ وفقرٍ لم يكن لهم معين إلا الله عزوجل. ولقد أدّوا هذا الدور بكل جدية وبكل جدارة في زمنٍ لم ينتبه إليهم علماء الأمّة إلا ما شذَّ وندر. قاموا بهذا الأمر في حالٍ من القتل والتدمير الذي شمل الشعب الأفغاني برمته.
هذا الدور الذي قام به علماء الشعب الأفغاني في بناء العقيدة الإسلامية في نفوس المسلمين، في نفوس المجاهدين، في نفوس الشعب الأفغاني حتى يبقى حاضنًا للجهاد، وحاضنًا للمجاهدين خدمة مجيدة للأمة جمعاء؛ شيدوا به صرحا مجيدا للإسلام، ووحّدوا الأفغان تحت ظله كي يحافظ على بنيان الإسلام، وعلى روح التعاون والتعاضد.
وكما هو واجب العلماء والدعاة أن يسعوا جاهدين بالقلم واللسان في سبيل تحقيق أخوة المسلمين، وجمع كلمتهم وتوحيدها على أساس دينهم، فإن الشعب الأفغاني يرجو من علماء الأمة علماء الشريعة في جميع أصقاع العالم أن يوحّدوا خطابهم طلبًا من الأمة الإسلامية أن يتّجهوا بكل مقدّراتهم وإمكانياتهم في دعم المسلمين الأفغان ودعم الإمارة الإسلامية الفتية، وأن يضعوا أيديهم في أيدي إخوانهم من علماء أفغانستان ليتشاورا فيما فيه صلاح الأمة.
فعلى مرّ التاريخ الإسلامي، في كل حملة شرسة على بلاد الإسلام والمسلمين، في شرقها أو غربها أو وسطها كان العلماء لهم الدور الأول والريادي في صد هذه الحملة، سواء كان ذلك برسالة حكيمة أو خطبة رنانة بليغة. كان دور العلماء بارزا وفاعلا عند كل مشكلة على مدار القرون، كلما نادى العلماء الأمة من أجل نصرة دين الله، كلما قامت الأمة قومة رجل واحد إثر النداء، ونصرت دينها. كلما هوجم الإسلام في أي بلد من البلدان قام العلماء وأدّوا رسالتهم وواجبهم تجاه الأمة، وكثيرا ما تحركت جيوش الإسلام بموعظة من عالم، برسالة من عالم، بخطبةٍ من عالم، بتوجيه وحثٍّ من علماء الأمّة الإسلامية.
فالذي يُرْجى الآن في هذه الظروف الصعبة والحساسة من علماء الأمة الإسلامية ودعاتها ومفكّريها وكتّابها في كل مكان، أن يبذلوا قصارى جهدهم في دعم الشعب الأفغاني والإمارة الإسلامية في كلّ مجالات الحياة: في مجالات الدين أو في مجالات الدنيا، لأنّ الحملة عليهما، على دينهم ودنياهم شرسة لاذعة شعواء من كل حدودها وأقطارها.
وإن المسألة التي يدرك خطورتَها الآن أعداء دين الله عزوجل قبل أن يدركها كثير من علماء المسلمين، أنّ أفغانستان هي الدولة الوحيدة على وجه البسيطة التي تقيم الآن حكومة إسلامية على منهاج القرآن والسنّة، وعلى منهج الاعتدال والوسطية توالي الإسلام والمسلمين، حكومة أفغانستان الإسلامية تؤمن بالتشديد في الأصول والتيسير في الفروع، تجمع بين ثوابت الشرع ومتغيرات العصر.
حكومة أفغانستان الإسلامية تجتهد أن تتبنّى المرونة في الوسائط والآليّات والثبات في الأهداف والغايات. حكومة أفغانستان الإسلامية قد أسّست -بإذن الله- على أساس الشرع والوحي والعقل، لا صراع عندها بين الوحي والعقل، ولا بين الشريعة والحكمة، ولا بين الدين والعلم؛ فالحكمة ضالّة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها.
فلذلك واجب علينا وعلى المسلمين عامة وعلى علماء الأمة خاصة أن ينصروا هذه الحكومة الفتية وهذه الإمارة الجديدة بكل ما في وسعهم من الطاقات الفكرية والعلمية والمادية. وأمّا بالنسبة إلى علماء الأمة ومفكّريها ودعاتها فنرجو منهم أن لا يقصروا في توجيهاتهم ومشوراتهم المفيدة أولًا، وثانيًا نرجو منهم أن يحثو الأمة الإسلامية والشعوب المسلمة على مساعدة الشعب الأفغاني المضطهد الذي يعاني نحو أربعين سنة من فقر مدقع ومسلّط عليهم.
نرجو منهم أنْ يأخذوا بيد إخوانهم في أفغانستان حتى يعبروا هذه العقبة الحاسمة بسلام آمنين إن شاء الله. نرجو منهم أن يحثو تجّار المسلمين ليفتحوا أبواب التجارة الإسلامية في أفغانستان المكلومة.
نرجو من أصحاب الشركات الكبرى أن يوفّروا ويموّلوا ويؤسسوا مشاريعهم في أفغانستان الإسلامية، وأن يوجّهوا الشعوب المسلمة لبذل مقدّراتهم وإنفاق أموالهم في بلاد الأفغان، أرض الإسلام، أرض الإمارة الإسلامية، بدلاً من أن تكون وبالاً عليهم بإنفاقها في بلاد أعداء الله وأعدائهم، في أوروبا وأمريكا ودول تعادي الإسلام والمسلمين. من الواجب أن تتوجه أموال المسلمين إلى أفغانستان لإقامة المشاريع ورفع المستوى المعيشي للمسلمين، فأفغانستان أولى شرعًا، وأكثر استحقاقا بأن تنفق هذه الأموال فيها. وأفغانستان الآن أرض خصبة مطمئنة آمنة لكل من يريد الخير والإصلاح والإعمار في أرض الله. كما قال الله تعالى: {هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها}.
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى له سَائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى).