مقالات الأعداد السابقة

رسالة علماء الإمارة الإسلامية للمرابطين في بيت المقدس وأكنافها

د. نائل بن غازيفلسطين: غزة

 

حاولوا اغتيال الحقيقة حين غيبوا شمسها غدراً،  فلم تمت الحقيقة وعاشت في الناس دهراً.

على أرض الجهاد والاستشهاد أفغانستان العز، وعلى وقع كلمات الشيخ الشهيد المغدور: مجيب الرحمن الأنصاري –رحمه الله- لجنود القسام وأهل فلسطين، قامت جموع المرابطين تردد مقالته، وتنشر كلماته، وتهتف بها في ثغور الرباط والجهاد، وهي تستنشق عبق معاني الولاء والبراء، والأخوة والوفاء.

ترى في نور صدقها رسالة الأمة الواحدة، والمصير المشترك، والغاية العادلة، جهة أهم القضايا التي تمس الأمة بمجموعها، ولم يلتفت لها إلا مجاهد أبي عاش مرارة الاحتلال، وقهر تسلط قوى الكفر على مقدساته وحرماته.

تردد مقالة الشيخ –رحمه الله- وهي تجدد فيها يقين الوعد المكتوب، والنصر المشهود، وهي ترى علماء الأمة وأخيارها ومجاهديها في خندق النصرة الواجبة، والرباط اللازم عن قبلة المسلمين الأولى، ومسرى النبي صلى الله عليه  وسلم، وبوابة الرسل إلى السماء.

تردد مقالة الشيخ وهي ترى في الأفق خيول سلمان الفارسي تؤم بيت المقدس، وتصلي فيها صلاة الفاتحين بعد تطهير غاب زمانه أمدا بعيدا.

رسالة الشيخ –رحمه الله- على منبر بلاد الجهاد والاستشهاد، والصبر والجَلَد لمجاهدي القسام وأهل فلسطين، جابت فضاءات البلد المقدس، وكأنها الآن تخطب على أسنة الرماح، ومنابر التحريض، تؤكد أصالة الرسالة، وصحيح إيمان حامليها من قادة الإمارة الإسلامية –حفظهم الله- وهم يحيون في الجيل قضية أريد لها طمساً وغياباً ونسيانا.

قضية توالى عليها مكر البعيد والقريب، يعولون على موت الكبير ونسيان الصغير، وتشويه وعي جيل لتأتي رسائل الأبرار مخطوطة بمسك الدم، تضخ في القضية دماء الحياة، وتجدد العهد على سبيل النصرة والرباط، وأنها حية في النفوس وإن بُعدت الديار عنها.

يقول الشيخ –رحمه الله-: “يا أهل فلسطين: إن أحفاد سلمان الفارسي على خطى عز الدين وياسين وعياش قادمون.

يا أبناءنا في القدس والخليل وغزة الأبية: قسماً بالذي رفع السماء بغير عمد، وحرر كابل بمدد تلو مدد، أن فجر تحرير الأقصى قد اقترب أجلُه، فأبشروا فإن نصر الله قريب.

يا أهل فلسطين: إن جباه مجاهدي أفغانستان تتعطش سجوداً بين يدي الله على أرض المسجد الأقصى التي بارك الله حولها، واعلموا أن المجاهد الأفغاني إذا وعد وفّى” .

وإننا لاشك نرقب خيول النصر تؤم البيت المقدس، وتزيل عنه رجز أطول احتلال لبقعة مقدسة لها ارتباط عقدي في نفوس المسلمين.

غاب الشيخ –رحمه الله- غدراً على يد الخوارج طمعاً في إسكات صوتِ مؤمنٍ حرٍ، عاش لأمته وقضاياها، فأرادوها ميتةً لا تفيد، فقامت في الجيل كأنها بعث جديد.

حاولوا طمس نورها، وإسكات صوتها، وإخماد نارها، وما علموا أن رسالة الشيخ منهج نهض له علماء الإمارة –حفظهم الله- وأحيوه في الجيل، بل وأحيوه في كل محفل واجتماع.

ولازالت الإمارة الإسلامية حاضرة مع فلسطين وقضيتها، تناصرها نصرة لا تقبل ترددا، ولا تعرف ارتيابا، أقامتها أصيلة جزءًا من ثوابتها قديما وحديثاً ومستقبلاً – إن شاء الله- فالإمارة – التي كانت ولازالت ترى في الاحتلال الصهيوني كياناً غير شرعي، اغتصب أرضا مباركة من بلاد المسلمين، وأن الواجب إخراجه منها، وتطهير رجسها عنها- ناهضت ولازالت موجات التطبيع والاعتراف بالكيان، رغم الحصار المفروض عليها، ورغم الفاقة التي أصابت أرضها وناسها، ولازالت تقيم فينا صروحا مشيدة من العَجَب، ودروساً عظيمة في الإيمان والثبات يتضاءل أمامها كل جهد مبذول، وعمل مسؤول.

لازلنا نتعلم من علماء الإمارة الإسلامية وننهل من صافي فهمهم، ونقاء نظرتهم، وبعد نظرهم لوقائع اشتبهت على كثير من الناس، فجلاها علماء الثغور جلاء امتنع معه التباس، وغار معه عقيم نظر.

وإنْ كان من وفاء للأوفياء في أمتنا العظيمة، وللعلماء الأفاضل في الإمارة الإسلامية المباركة: فهي بشرى الثبات، والعمل الدؤوب مراكمةً للقوة، وإعداداً متيناً، وجلداً منقع النظير، استعداداً لوعد الآخرة الذي قضاه الله قضاءً شرعياً، أننا نجوس الديار ونتبر للعدون كل بنيان، ونقيم صروح العدل في أرض العدل والطهر، وأن نكون رأس حربة لجموع الفاتحين من المجاهدين.

هي جولات أنشأت في الجيل جيلاً لا يقنع بغير التحرير منتهى، ولا يقبل بغير كنس المحتل غاية، أثمرت فيه دعوات الجهاد حتى اشتد عوده، وبلغ أشده.

ليس غريباً أن تسري كلمات الشيخ –رحمه الله- في نفوس المقدسيين، يتداولونها على حرص وفهم وعميق تدبر، فكلمات العالم المجاهد العالم يكسوها بهاء الإخلاص، ونور اليقين، وتجللها نظرات سبرتها وقائع وأحداث جسام، حتى استقرت على جودي اليقين، فعاشت بين الأحياء تقتات قلوب الشباب إلى حيث الغايات العظيمة.

رحم الله سيداً كيف قال: “إن كلماتنا ستبقى ميتةً لا حراك فيها هامدةً أعراساً من الشموع ، فإذا متنا من أجلها انتفضت وعاشت بين الأحياء، كل كلمة قد عاشت كانت قد اقتاتت قلب إنسان حي فعاشت بين الأحياء، و الأحياء لا يتبنون الأموات”.

رحم الله شيخنا وأستاذنا مجيب الرحمن الأنصاري، وأجزل له المثوبة، وجزى الله علماء الإمارة الإسلامية عن أمتهم خيراً.

والحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى