مقالات العدد الأخير

رمى بالعصا وصيّةً

شعر: تميم البرغوثي

ألا كَمْ كَرِيمٍ عدَّهُ الدَّهْرُ مُجْرِمًا فَلَمَّا قَضَى صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَا
أبو القاسمُ المنفيُ عن دارِ أهلِهِ وموسى ابنُ عمرانٍ وعيسى ابنُ مريما
أتعرفُ دِيناً لم يُسمَّ جريمةً إذا ضبطَ القاضي بها المرءَ أُعدِما
صليبٌ وقتلٌ في الفراشِ وعسكرٌ بمِصرَ وأخدودٌ بنجرانَ أُضرِما
وطفلٌ وديعٌ بينَ أحضانِ أُمِهِ يُراوغُ جيشاً في البلادِ عرمرما
وقلّ نبيٌ لم تلاحقهُ شُرطةٌ وأشباهُها في كلِ دهرٍ تصرّما
فمِنْ جوهرِ التوحيدِ نفيُ أُلُوهةِ  الملوكِ لذا ما زالَ ديناً مُحرّما
ولم يُؤمنُ الأملاكُ إلا تقيّةً وفي المُلكِ شِركٌ يُتعِبُ المُتكتِّما
وفرعونُ والنمرودُ لم يتغيّرا بقرنينِ أو ربطاتِ عنقٍ تهندَما
ونحنُ لَعَمرِي نحنُ منذُ بِدايةِ الخليقةِ يا أحبابنا، وهُما هُما
نُعظِّمُ تاجَ الشوكِ في كلِ مرةٍ ولسنا نرى تاجاً سِواهُ معظّماً
ونرضى مِراراً أن تُرَضَّ عِظامُنا عَطَاشى ولا نرضى دعِيّاً مُحَكّماً
مُسيّرةٌ في شُرفَةِ البيتِ صادفت جريحاً وحيداً يكتسي شطرُه دماً
قد انقطعت يُمناهُ وارتضَّ رأسُهُ فشدَّ ضِماداً دونهُ وتعمّما
وأمسكَ باليُسرى عصاً كي يرُدّها فكانت ذُباباً كُلما ذُبَّ حَوَّما
وما أُرسِلَت إلا لأن كتيبةً من الجندِ خافت نِصفَ بيتٍ مُهدَّماً
وقد وجدوهُ جالساً في انتظارِهمْ، أظُنُّهُ ومن تأخيرِهم مُتبرِّماً
ولو صَوَّرَت تحتَ اللِثامِ لَصَوَّرَت فتى ساخراً ردَّ العُبُوسَ تَبَسُّماً
تلثَّمَ كي لا يعرِفُوهُ؛ لأنّهم إذا عَرَفُوهُ فضّلوا الأَسْرَ رُبّما
ولو أسَرُوهُ؛ قايضُوهُ بِعُمرِهِ لِذاكَ رَأَى خَوضَ المَنِيَّةِ أحْزَمَا
فلم يتلثّم كي يصونَ حياتَهُ ولكنْ لزهدٍ في الحياةِ تلثّمَا
فقُلْ في قِناعٍ لم يُلَثْ لِسلامةٍ ولكنْ شِعاراً في الحُروبِ ومَعْلَمَا
وقلْ في جُمُوعٍ أحجَمَتْ خَوفَ واحدٍ وفي جَالسٍ نحوَ المُشاةِ تَقَدَّمَا
أتى كُلَّ شيءٍ كي يَسُوءَ عَدُوَهُ ولم يأتِ شيئاً في الحياةِ لِيَسْلَمَا
رمى بالعَصَى جيشَ العَدوِّ وَصِيِّةً لمنْ عِندَهُ غَيْرُ العِصِيِّ وما رمى!
رمى بالعَصَى لم يَبْقَ في اليدِ غيرُها ومنْ في يديهِ العَسْكَرُ المَجْرُ أَحْجَمَا
غدا مَضِربَ الأمثالِ منذ رَمَى بِها لكلِ فتى يَحمِي سِوَاهُ وما احتَمَى
جُلوسَاً على الكُرسِيِّ مِثلَ خَلِيفةٍ يُبَايِعهُ أهلُوهُ في الأرضِ والسَّمَا
فذلكَ عَرشٌ يَرتَضِيهِ ذَوُو النُهَى وذاكَ إمامٌ قِبْلَةِ السَعْدِ يَمَّمَا
هنا يُصبِحُ الإنسانَ دِيناً مُجّرَّدَاً ويُصبِحُ دينُ الناسِ شخصاً مُجَسَّماً
أَتعرِفُ؟ إنَّ الموتَ رَاوُيَةُ الفتى يقولُ لحقٍ أم لباطلٍ انتمى
يعيش الفتى مهما تكلَّمَ سَاكِتاً فإن ماتَ أفضَى موتُهُ فَتَكَلَّمَا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى