مقالات الأعداد السابقة

ریاح مأساة السبعینات تهب من جدید

رضوان الكابلي

لن ینسی شعبنا تلك الحروب الدامیة التي اندلعت بین التنظیمات الجهادیة في كابل في السبعینات الماضیة. تلك الصراعات العشوائیة خرّبت المباني والبیوت، وأبادت الأبریاء، وتسببت في تشرید وتهجیر كثیر من مواطني كابل. إن هذه الصراعات التي أذاقت جمیع الأسر الساكنین في كابل الحزن والمصائب، عار علی جبین الجماعات والتنظیمات التي كانت تدّعي الدفاع عن الإسلام وتحریر البلد. هذه الحروب المهلكة للأنفس والأموال، نقطة سوداء في تاریخ الجهاد الأفغاني. اندلعت هذه الحروب في جمیع الولایات، ولكن ثقلها كان علی كابل الحبیبة. وقد أساءت لسمعة الجهاد الأفغاني، وشوهت تلك الانتصارات التي حققناها إبان الجهاد ضد المحتلین السوفییت. وقد عبّرت عنها الكاتبة الإسلامیة، زینب الغزالي: بأن الصراعات الداخلیة في أفغانستان بعد الانتصار علی الروس، بدّلت حلاوة الانتصار إلی مرارة.

وقد شاهد بلدنا الحبیب أبشع أنواع الظلم والتعدي على حریة الشعب، من قبل ملیشیات بعض القیادات القومیة والمذهبیة، عندما هاجمت كابل ملیشیات دوستم، وجنود حكمتیار، وملیشیات مسعود، والحشد الشیعي. لم یبق من كابل شيء حينها، تدمر كل شيء. خُرّبت المباني الشامخة، وتهدمت الطرق المعبدة، وشُرّد الشعب إلی البلاد المجاورة، وقُتِل كثیر منهم.

كنت آنذاك صغیراً. ولكن قبل أیام رجعت إلی “یوتیوب” لمشاهدة بعض الأفلام الوثائقیة عن مأساة إخواننا الكابلیین آنذاك، فرأینا مشاهد مؤلمة. في إحدی هذه الأفلام، عندما هاجمت ملیشیات دوستم وحكمتیار كابل، كان أحد المواطنین يبكي مع طفله الجالس علی یمینه ویتضرع إلیهما بأن یوقفا الهجمة علی كابل؛ لأنه لم یبق لهم من الحیاة شيء، كان يأمل أن يسمحوا لهم بأكل لقمة العيش في ظل الأمن.

لن ینسی شعبنا تلك التعدیات التي قام بها بعض أعضاء “شوری نظار” -الذي أسسه جمع من قادة الشمال- علی مواطني كابل. منها تعدیهم علی أهل بیت في منطقة “مكروریان” شرقي كابل، حيث دخلوا إلى البیت وسرقوا كل شيء. وكانت في البیت عفیفة لجأت إلی الطابق الثالث، ولكن الخونة الغاوین تبعوها لیهتكوا عفتها، فلم تجد أختنا العفیفة أمامها طریقا إلا النافذة المفتوحة إلی الشارع. فألقت بنفسها من الطابق الثالث. والقصة بتفاصیلها موجودة في الجرائد والمجلات الصادرة في تلك الحقبة الزمنیة.

إن تدخلات البلاد الخارجیة كانت تزید الأوضاع تدهوراً وتأزماً. ولم یبق أمل لإنهاء هذه النزاعات التي أثیرت لأجل المنافع الحزبیة والقومیة والمذهبیة. إثر هذه الأزمة العنیفة، لم یبق في البلد إلا مشلول أو فقیر لا یملك شیئاً لينجو من هذه المصیبة التي حلّت بالبلاد. سكان كابل دائماً كانوا في إیاب وذهاب حاملين أمتعتهم. فإذا كانت الهجمة من الشمال، كانوا یلجأون إلی الجنوب. وإذا كانت الهجمة من الغرب كانوا یلجأون إلی الشرق. فكانت تطاردهم المأساة تلو المأساة، والنكبات تلو النكبات. وقد أتعبت هذه الأزمات شعبنا، فكانوا یرجون من الله قیادة رشیدة تنقذهم من خضم هذه المعارك الدامیة.

وفي مثل هذه الأوضاع الحرجة، كانت الحاجة ماسة إلی قیادة رشیدة تقضي علی هذه الصراعات الدامیة. وترسي في البلد قواعد الأمن والعدالة والسیاسة. فمنّ الله علی الشعب الأفغاني بظهور الإمارة الإسلامیة تحت القیادة الرشیدة لأمیر المؤمنین الملا محمد عمر المجاهد “رحمه الله”. فجاء نظام الإمارة الإسلامیة، وحقق انتصارات مذهلة في مدة قصیرة، وتمكن من طرد هؤلاء الأوباش وطهر البلاد، لاسيما مدینة كابل، من لوث التنظیمات التي تدعي الجهاد والإسلام، ولكنها في الحقیقة كانت خناجر تطعن في الإسلام. فكان تحریر مدینة كابل وسائر المدن، صفحة جدیدة في حیاة سلمیة علی صعید أفغانستان. وقد استقبل الشعب الأفغاني رجالاً ونساءً، شیوخاً وشباناً هذه الحركة الإیمانیة والربانیة التي جددت في الأذهان عصر الخلفاء الراشدین. لأنها وطّدت قواعد الأمن، وطبقت العدل، وساوت بین الناس، فلم یكن لقوم فضل علی قوم آخرين.

والیوم تهبّ ریاح تلك الصراعات الدامیة من جدید، فتری أماراتها في الشارع الأفغاني. وهنالك أیدي أثیمة خرقاء تضرم النار وتسعی في إحیاء تلك الحروب من جدید. وبحسب الإعلام والخبراء: فإن جمیع التنظیمات السابقة بعد یأسهم من حكومة كابل الحالية، تسلحوا وأعدّوا أنفسهم للتصدي للهجمات المفترضة للتنظیمات المنافسة. وقد نشرت جریدة “راه مدنیت” مقالة موثقة تنبّئ بهذه البوادر المحتملة. وبحسب هذا التقریر فإن أتباع التحالف الشمالي جمیعاً قد تسلّحوا واستعدوا للنضال. وما تدفق جنود ملیشیات الشمال في ذكری قتل أحمد شاه مسعود في شوارع كابل وإطلاقهم النار جواً، إلا دلیل علی نوايا خبیثة بین الخونة. وتحركات ملیشیات دوستم من الشمال إلی كابل، لمنع الطاجيك من دفن بقایا حبیب الله كلكاني في “شهر آرا”، دلیلٌ آخر أيضاً علی ذلك.

أیاً كانت الدلائل والمؤشرات، فإن الشعب الأفغاني قد تعب من الاحتلال، ولن یستطیع تحمل اندلاع حرب أهلية أخرى. لذلك یجب علی الجمیع السعي في إنهاء الاحتلال وتطبیق الشریعة الإسلامیة. لئلا نشاهد حرباً أهلیة أخرى في بلدنا الحبیبة. ولیحذر الشعب المجاهد من مكائد الأعداء في تضخيم القضایا وإشعال نار الحروب الأهلیة. فإن هنالك فئة تنوي كسب المال من خلال إشعال فتيل الحرب بین شعبنا الأبي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى