مقالات الأعداد السابقة
سانحةُ الأيامِ – بقلم: الجبـــــوري
سانحةُ الأيامِ
قصيدة في رثاء الملا عمر رحمه الله
بقلم: الجبـــــوري
تبكيـــكَ سانحةُ الأيامِ يا عُمــــرُ | و يشتكـي لكَ منكَ الليلُ و القمـرُ |
تبكيـــكَ سانحة الأيام غربتُهــــا | قد أتعبتك و لما ينقضـي السفــرُ |
و أنت تختطُّ فيها رسم عـِزَّتِهــا | على القلوب و لما ينمحي الأثـر |
يا فارساً في ذرى الأفغان منبتـُه | و من سناهُ إليها النـور ينتشـــــر |
هذا الذي طاول الكفــار يغلبهــم | حتى رأينــا عُتاةَ الروم تندحــــر |
و قبلها جرب السوفيت غضبتـه | فبعثرت زمرٌ من خلفهــا زمـــرُ |
تبكي الأسود على أطلال أمتهــا | و لا تكل إلى أن يُقــدر القـــــدرُ |
فإن تكن ميتة فالموت مطلبــها | فلا تبالـــي بعيش جلــــــه كــدر |
من فقد دار تلف الحزن أنجمهـا | حزن المريدين من قوم بها غدروا |
تحمي ذراها أخلاء لكم صمـدوا | و أخوة للقاء الخصم قد صبروا |
و أخوة دونكم سلوا السيوف بهــا | و أخوة دونهم في حِجرها كبــروا |
و أخوة ركبوا الأهوال أعظمهــــا | و أخوة جربوا الأحداث و انتصروا |
تجري مياهك في كل البقاع هوى | عذبا ليشرب من نبعك لك المطـرُ |
فيشرق الغد منها و هي تبصــره | فجرا فيُوقظ أحباباً لك السحــــرُ |
فما رأتك عيون القوم تخطفهــــا | إلا و أنت عليها شامخ حــــــــذرُ |
و ما رأوك بثوب الملك تلبســـه | و ما رأوك بتاج الملك تفتخـــــر |
بل كنت أفقر خلق الله مغنمـــــة | و كنت أكرمهـــم للبذل تحتكـــر |
مدافعا عن حياض الدين تحفظها | و حاملا همها في الحرب تنتصر |
تلفُّك الأرض في أحضانها قمراً | فيطلب القرب منك الماء و الحجر |
و أنت فيها أخو الأبطال فارسهــا | و أنت فيها أخـــو علــم له أثـــــرُ |
كـــــل لميتَتِهِ يمشــي ليُدركهــــا | و كل عبدٍ له من عمره سفـــــــرُ |
و كل حيٍّ يُلاقي ما جناه بهــــــا | و كل وازرة من وزرها تَــــــزِرُ |
فبين من لف حول الموت مئزره | و بين من جاء يوم الجد يعتـــــذر |
قد كنت تزأر في حوماتها أســـدا | يعلو علاها و يرقاها و يقتــــــدرُ |
جردت صدرك فيها للقــاء فـــإن | نالتك جارحــــة جاءتك تختبـــــر |
رأتك تجري إليهـــا في منازلـــة | و كنت تجري بها سيفا و تشتهــر |
و كنت تعلو على القامات ترفعها | و كنت فيها ليوم الفــوز تبــــتــدر |
يا باسطاً كفـــه العُـليا ليمنحهــــا | كفــاً تَمـُــدُّ لتعطي ما بها قصــــر |
و كفُّ شهمٍ ليوم الحرب تطلبــــه | أهل الجهـــاد إذا استسقته تمَّطِـــر |
و من إذا ندبت أخت يسير لهـــــا | و من اذا استنصرته الدار ينتصـر |
و قلبه مثلهــــا شوقاً يرف لهــــا | و قلبهــــا قلب أم كــــــاد ينفطــر |
و شوقها شوق أخت حين يسالها | أخ محبٌ فتخفي حزنها الصــور |
و تسقط الدمع من عين تودعـــه | و تجرح الخد من دمع لها الدُّررُ |
تبوح سراً له لمــــا تفــارقـــــــه | و لا تـــزال له بالبــاب تنتظــــر |
عشرٌ و لما ترى عينيه تبصرها | و خلفها عبرات صمتهــا عِبَــــرُ |
و بعض أحداثها التاريخ يذكرها | و بعض أيامها من حسنها غُـرر |
كم سار فيها وحيداً و هي ترمقه | بعين عاشقة أحلامهــا ســفـــــر |
يلفها بجنــــاح القلب يلثمهــــــا | أنى يغيبُ إليها يــرجـع البصــر |
فطاف في حجــــرها أم تقبلــــه | و ودعته يداها و هي تحتضــــر |
ليكسر القلب من أم يبـــر بهــــا | فلا يزال عليها القلب ينفطــــــر |
يا فارسا ملك الدنيا و طلقهـــــا | و قاطعاً سيفه في الحق لا يــذر |
و شامة في جبين المجد كحلهـا | شوق الصبابة فيها حين ينتصـر |
أجريت شريان شوق في مرابعها | فاينعت لك غاب عودها نضـــر |
و سافرت بك أقوام تجاهد فــي | كل البلاد لها في سعيكم خبــــر |
اخو أسامة من آواه من ضنــك | و لم يبال بــأقــوام به مكــــروا |
فكان فيها كرمح في منـــازلـــة | في يوم فتح عزيز الشان يُنتظـر |
حزني عليك لأن القوم ما علموا | أن الفتوة فيك اليــوم تُختصـــــر |
و أن حزني عليك اليوم أعلنــــه | و أن قلبي عليك اليوم يُعتصـــر |
يا من تهابك أمريكا و زمرتهـــا | و من يهابك أشبــــاهٌ لهم أخـــــر |
و كل من بغرام الغرب قد فتنوا | و غيرهم بعيون الغرب قد سحروا |
و أسلموا بلد الأفغان حين غـوت | أرض العروبة من كأس بها سكروا |
شاهت وجوه رجال لا تقر لكــــم | فضلاً و شاهت لأعداءٍ لكم صـور |
ليعلم النـــاس أن الله يرفـــع مـن | قوم و يخفـــض أقواماً و يختبــر |
فمن أطال بها عهداً تطـــول بــه | و من أراد لهـــا زجرا ستنزجـــر |
الناس تمضي و يطوي الدهر ذكرهم | و أنت تبقى تباهـي ذكرك السِّيـَر |
عالٍ سنامُك في الفرسان منزلــة | و ذكر عزمك في الآفاق ينتشـــر |
يا فارساً مسَّ قلبي حين أذكـُــرُه | و فارسا بك رغم الموت أفتخـــر |
أزجي لك الشعر ملكوما و أقرضه | وفي هواك ربوع الشعر تزدهـــر |
و حين أرثوك يحني الشعر قامتـه | و حين أبكيك دمع الشعر ينهمــــر |
و حين تختال أبياتي أراك بهــــــا | و يستطيل مداها حيــن أختصـــر |