سترحل بلا رجعة أیها الطائش المغرور!
غلام الله الهلمندي
قبل أیام قال الرئیس الأمیرکي “ترامب” خلال اجتماعه مع رئیس الوزراء الباکستاني “عمران خان”: “إنه یمکن لواشنطن أن تنتصر في الحرب الأفغانیة خلال أسبوع واحد فقط بمحو أفغانستان من فوق سطح الأرض.”
یتفوّه الرجل بهذه الإنذارات اللاإنسانیة في حین أن القوات الأمیرکیة تقاتل داخل أفغانستان بحجة مکافحة الإرهاب منذ ثمانیة عشر عاما، ولم تحقق انتصارا يذكر، ولم تستطع إعادة الاستقرار إلی البلاد، ولم تجرِ الریاح بما تشتهي سفنها أبدا، وکذلك لن تجري في المستقبل أبدا بإذن الله، بینما في المقابل قوات “طالبان” فرضت سيطرتها على غالبية المناطق مساحةً. إذن لا شك بأن إطلاق هذه التصریحات في هذه الأوضاع الأكثر تعقيدًا على حساب الاحتلال حماقة أو شبه حماقة. إنه أطول حرب مستمرة بلاانقطاع خاضتها الولایات المتحدة الأمیرکیة طوال تاریخها.
أیها الطائش المغرور! لیست أفغانستان لقمة سائغة تأکلها بسهولة. إنها أرض یقطنها الأسود، إنها أرض الاستشهادیین البواسل الذین یحسبون الموت في سبیل الدفاع عن الإسلام والوطن فخرا لهم، إنها أرض الأبطال المغاویر، الأبطال الذین وقفوا في وجه بریطانیا، يوم کانت بریطانیا أقوی إمبراطوریة في العالم مطلقا، وقفوا في وجهها ولم یسمحوا لها أن تستعمر بلادهم علی غرار سائر البلاد المجاورة، وقفوا صامدین منتصرین في میادین “میوند” الأبطال الذین هزموا الاتحاد السوفیاتي هزیمة نکراء، هزیمة أدّت إلی انحلاله تماماً.
إنها بلاد أحمدشاه الأبدالي الذي سارع إلی الهند مرتین نصرةً لإخوانه وانتصر ورجع سالما غانما. إنها بلاد محمود الغزنوي الذي هزم الهنود وحطّم أصنامهم، الذي تساقطت الإمارات تحت قدمیه وتمزقت الجیوش بین یدیه في ربوع الهند. إنها بلاد الملا محمد عمر “محطّم الأصنام”، رمز الأفغان، بل رمز العرب والعجم ورمز کل من یناضل ضد الفساد والفتنة والحروب الأهلیة والاحتلال، الرجل الذي تنازل عن دولة لأجل مسلم. إنها وقائع من تاریخنا، وقُصاصات من ورق واقعنا، إنها لیست روایة حماسیة.
إن أفغانستان أرض قدّمت میلیوني شهید، ولم تستسلم أمام الجبابرة والطغاة، أرض الجبال الراسیات، أرض الرجال الصامدین صمودَ الهندوکش، إنها أرض ضحّت بأبناءها، ولم تبال بيُتم أطفالها، وترمّل نسائها، وتخریب دورها وبساتینها، وتعطیل عِشارها، وکُسود أسواقها، وفقر أثریائها، ولم تبال بکل ذلك، فإن کل ذلك یهون في جنب غایات عظمیة ثمینة، الحریة والاستقلال والشریعة والقرآن.
إنها أرض أصبحت مثلا في البطولة والصمود والإباء والفداء، إن هذه الأرض لن تخاف هذه التهدیدات الجوفاء، فإنها عاشت أیاما کانت أشد وأصعب وأقسی من ذلك بکثیر. هل تخوّفنا الآن ونحن علی مشارف الانتصار وأنتم علی مشارف الفرار؟
هل تخوفنا الآن ونحن نجني ثمار جهادنا وتضحیاتنا؟ هل تخوفنا الآن ونحن نسیطر علی أکثر مناطق البلاد مساحة؟ خذ حذرك! یا غبي! فإنك تجابه رجالا یحبون الموت خلال القتال ضدکم أکثر من الحیاة، رجالا قُتِل آباؤهم دفاعا عن دینهم ووطنهم وشرفهم وکرامتهم، إنك تواجه أسودا جریحة غاضبة، دخلتم حِماها.
أیها الطائش المغرور! لو کانت قوات بلادك المدججة بالسلاح والمنهزمة معنویا تستطیع الانتصار، لانتصرت حتماً قبل ثمانیة عشر عاما، یوم کانت أقوی عسکریا ومعنویا بالقیاس علی الأوضاع الراهنة، ولکننا نثق أن الله أقوی منك ومن جیشك، إنه وعدنا بالنصر لأننا ننصر دینه، إنه لا یخلف المیعاد، إننا نثق أن جیشك لن یستطیع الانتصار بإذن الله. إن الله معنا، ما کنا مع الله، إن الله ینصرنا ما نصرنا دینه وشریعته، إن الله یعیننا ما عملنا لإعلاء کلمته، إن الله یدعمنا ما نشرنا رأیة الإسلام، رأیة دینه، إن الله في عوننا ما کنا في عون عباده المستضعفین. لعلك نسیت کم قتلنا من جنودکم في قاعدة «شوراب»، وما أیام شوراب ببعیدة، لعلك تناسیت الخسائر التي کبّدناکم إیاها، الخسائر التي تقدّر بأکثر من ترلیون دولار، وتناسیت الآلاف المؤلفة من جنودکم الذین قتلناهم طوال هذه الحرب. رغم کل هذه التکلفة المالیة والإنسانیة باءت کل محاولاتکم بالفشل في السیطرة علی مناطقنا والقضاء علینا. ها نحن الیوم علی أبواب «کابول» و«قندهار»، وأنتم علی أبواب الانسحاب والفرار.
هل تستطیعون أن تطفئوا «نور الله» بأفواهکم النجسة، “والله متمّ نوره، ولو کره الکافرون”.إن ما تفوّه به هذا الرجل الطائش كلام فارغ، مجرّد إنذارات وتهدیدات لیس وراءها شيء. ما هذه الإنذارات إلا سلاح الجبان العاجز.
یقول بکل وقاحة: “لا أرید قتل 10 ملایین إنسان” یا هذا! لعلك ظننتنا جماعة المسملین قِطَعا من اللحم علی خشبة الجزّار، تقطعها کما تشاء؟ هذه خزعبلات نطق بها أسلافکم ولم یستطیعوا أن یهزمونا. إن الانتصار في أفغانستان حلم ستحمله معك إلی قبرك إن شاء الله، مثلما حمله الغزاة السابقون الأکثر شراسة وقساوة إلی قبورهم بدءا من الإنجلیز، وصولا إلی الروس.
نحن أقوی إیمانا وعزما ومعنویة وإخلاصا واقتناعا لغایتنا المقدّسة، وأنتم أقوی عسکریا ومالیّا (السیف بالساعد لا الساعد بالسیف) وکذلك أنتم أقوی طیشا وحماقة، وهذا ما نعترف به دون تريث.