سر انتصار الإمارة الإسلامية .. التمسك بالشريعة الإسلامية
أ. خليل وصيل
استفرغت الولايات المتحدة قواها في سبيل القضاء على الإمارة الإسلامية بدءا باستخدام القوة العسكرية الهائلة ومرورا بالقوة الاستخباراتية المرعبة وانتهاء بالقوة الإعلامية الناعمة. حاولت أمريكا جاهدة أن تقضي على حركة طالبان الإسلامية؛ فشنت عليها حربا شاملة وحشدت قواتها العسكرية وحاصرت العالم بين خيارين إما معنا أو مع الإرهاب حسب تعبيرهم.
فانحاز العالم كله إلى جانب أمريكا، وبدأت الحملة الصليبية الغاشمة على أفغانستان المنكوبة والجريحة، ولم تستطع أن تصمد لأيام طويلة، فسقطت الإمارة الإسلامية وصار المحتلون وعملاؤهم يلاحقون المجاهدين ويطاردونهم ولا يعطونهم حق العيش في الجبال والكهوف، بل رفعوا شعار إما القتل وإما الأسر.
أما المجاهدين فأبوا أن يعطوا الدنية في دينهم ويستسلموا أمام قوة العدو العسكرية، فآثروا المقاومة والنضال وصعدوا إلى الثغور والجبال متوكلين على الله. وبدأت المقاومة تتقوى يوما فيوم وتلتحق بها جحافل الفتيان وصار الشباب يسجلون أسماءهم للعمليات الإسستشهادية.
بدأت المقاومة بالأسلحة التقليدية، ولم يكن في حسبان أحد أن هذه الطائفة القليلة ستغلب يوما الطائفة كثيرة العدد والعدة. هذه الفئة المؤمنة لم تيأس ولم تترك العمل، بل صارت تواصل البذل والعطاء وتقدم التضحيات تلو التضحيات.
وفي أثناء هذه الأعوام الثمانية عشر، خلدوا الكثير من المواقف والبطولات التي ينبغي أن تكتب في صفحات التاريخ بالتبر والذهب.
قصص تقوي الإيمان وتذكي جذوة الجهاد وتحيي روح المقاومة وترفع معنويات المجاهدين إلى يوم القيامة. ينبغي أن تدرس استرتيجية المدرسة الجهادية الأفغانية وتستنبط منها الدروس لتكون نبراسا للأجيال القادمة.
لم تقتصر حرب أمريكا على الجانب العسكري فقط، بل إنهم وظفوا ماكينتهم الإعلامية المكونة من آلاف القنوات والإذاعات والصحف وصفحات الإنترنت لتشويه صورة المجاهدين وأنفقوا عليها مليارات الدولارات، لكن كل تلك المحاولات تكللت بالفشل، وضاعت الدولارات ولم تأت بالثمار المرجوة من إنفاقها. كما انتهجت أمريكا سياسة التطميع وحاولت شراء ذمم عدد من القادة بمبالغ ضخمة، لكن المجاهدين رفضوا جميع هذه الدعوات فأيست أمريكا ولم تنجح في تمزيق صف المجاهدين وتشتيت شملهم.
لم يكن أحد يظن أن أحدا سيصمد أمام قوة أمريكا العسكرية والاستخباراتية والإعلامية، ولكن بعد ثمانية عشر عاما من الصراع والقراع خرج المجاهدون منتصرين شامخين.
فياترى ما هو سر صمود هؤلاء المجاهدين الأبطال أمام أعتى قوة في العالم؟ وكيف واجهوا عدوانها الهمجي بكل صبر وثبات واحتساب؟
الجواب واضح كل الوضوح؛ أن هذه الحرب كانت بين العقيدة والمادية، بين فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط كفر لا إيمان فيه، ولا بد للحق أن ينتصر ولا بد للإيمان أن يغلِب ولو بعد حين.
إن مجاهدي الإمارة الإسلامية رغم قلة عددهم وعدتهم كانوا متدرعين بالعقيدة القتالية القوية ومعنوياتهم كانت مرتفعة، كانوا متمسكين بالشريعة الإسلامية الغراء في جميع فعالياتهم، وكانوا وقافين عند حدود الله.
معظم قادة الإمارة الإسلامية وأعضاء الشورى بل وأفرادها ومجاهديها من أهل العلم العاملين ولذلك يطبقون الشريعة الإسلامية في كل جوانب حياتهم، وقد رأى العالم تعامل رجال الطالبان مع الصحفيات اللاتي أجرين الحوارات مع عدد من متحدثي الإمارة الإسلامية، لكن المتحدثين التزموا بغض أبصارهم أثناء إجراء الحوار.
في هذا الزمن الذي انتشر فيه الفساد والفحشاء والمجون والخلاعة، أكبر تحد يواجهه الدعاة وطلبة العلم هو حفظ البصر وغضه عن محارم الله، ولو تتبع أحد مقاطع ذلك اليوم لا تضح له جليا أن أعضاء الوفد التفاوضي كانوا يغضون أبصارهم أثناء حواراتهم ولقاءاتهم بالسيدات الأجنبيات.
وقد أشارت بعض وسائل الإعلام إلى هذا الأمر، وكتبت أن أعضاء الطالبان يغضون أبصارهم أثناء التحدث مع النساء الصحفيات.
إضافة إلى ذلك، ظلوا متمسكين بمبادئهم وثوابتهم لم يتنازلوا عنها قيد أنملة رغم التهديدات والضغوطات لكنهم آثروا مصالح المسلمين وبلادهم. كما واصلوا المقاومة حتى وافق المحتلون بوضع جدول زمني لانسحاب قواتهم من أفغانستان.
وفي أثناء القتال التزم مجاهدوا الطالبان بأحكام الشريعة، وتورعوا عن سفك الدماء المعصومة، وأما ما يتردد في وسائل الإعلام حول تساهلهم في دماء الأبرياء؛ فما هو إلا تشويه صورة المجاهدين، والحقيقة أن المجاهدين في أفغانستان يتورعون عن سفك الدماء المعصومة، ويركزون علملياتهم على المحتلين وعملائهم الأفغان، ويجتنبون العمليات التي تؤدي إلى إراقة دماء المدنيين.
والعامل الأساسي المهم لانتصارهم في هذه المعركة هو نبذ الخلافات والحرص على وحدة الكلمة، فالإمارة الإسلامية أيضا -كغيرها من الجماعات- مؤلفة من أشخاص مختلفين فكريا ونظريا وعرقيا، لكنهم نبذوا خلافاتهم جانبا، واتحدوا واتفقوا على مواجهة عدو محتل. ولقد سعى المحتلون وعملاءهم كثيرا لتشتيت شمل المجاهدين وتمزيق وحدتهم، ووظفوا لذلك إعلامهم وسخّروا إمكاناتهم، لكن ذلك لم يزد المجاهدين إلا وفاقا ووئاما.
وأخيرا فإن مجاهدي الإمارة الإسلامية يتسمون بانضباط كامل؛ يطيعون أمراءهم في المنشط والمكره وفي كل صغيرة وكبيرة ما لم تخالف شرع الله، ولا يقدمون على عمل حتى يسأذنوا أمراءهم، وهذا مما جعلهم منضبطين وحفظهم من الفوضوية والهمجية والحمد لله على ذلك.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يرص صفوف الإمارة الإسلامية ويمكن لها ويوفقها لتطبيق شرعه على أرضه إنه ولي ذلك والقادر عليه.