
سفينة بقيادة رُبَّانين!
منذ أن أعلن كل من غني ومنافسه عبدالله عبدالله فوزهما في انتخابات الرئاسة التي خيمت عليها اتهامات بتلاعب واسع النطاق، وبعد أشهر من الخلافات، تدخل جون كيري، ليقنع الاثنين بتقاسم السلطة ليكون أشرف غني رئيسًا، ويكون عبد الله عبد الله رئيسًا تنفيذيًّا للبلاد، وتم التوصل -باشراف أميركي- إلى تشكيل حكومة – ما يسمى – بالوحدة الوطنية، وقطعت جهيزة قول كل خطيب. وبرغم ذلك لا تزال هناك خلافات حادة بين جناحي الحكومة الائتلافية كل يوم، حيث جدد رئيس السلطة التنفيذية في الحكومة عبد الله عبدالله تهديده مؤخراً على أن التعيينات في المناصب الحكومية العليا ممنوع منعاً باتاً دون التشاور المسبق معه، وأنه لن يقبل بغير ذلك أبداً، وأكد المذكور في بيان رسمي صدر عن مكتبه أن التعيينات على المناصب الحكومية الرفيعة ليست من صلاحيات الرئيس أشرف غني ولا أي وزير في حكومته بل يجب التشاور فيها معه.
وجاء في هذا البيان أن رئيس السلطة التنفيذية أبلغ جميع الوزراء في الحكومة الحالية أنه لا يحق لأحد تعيين الوزراء ونوابهم والحكام في الأقاليم والمقاطعات من طرف واحد، مؤكداً على ضرورة التشاور مع مكتب الرئيس التنفيذي.
لاشك أن الاحتلال أتى بغني وعبدالله للقيام على مصالحه ولم يأتِ بهما لبسط الأمن والاستقرار. كما أن الاحتلال لم يعمل على سيادة القانون ومكافحة الفساد، بل إنه جعل الفساد يتأصل ويتفاقم في حكم عملائه، فانتشرت الانتهاكات الأخلاقية، لا سيما انتهاكات حقوق الإنسان، وإن شعاراتهم التي كانوا ينادون بها من استتباب للأمن والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وتوفير فرص العمل، ذهبت أدراج الرياح، حيث تحولت الديموقراطية إلى حكم حفنة من الفاسدين والمرتشين العملاء لا يستطيعون فعل شيء للبلاد والعباد .
وفي الأونة الأخيرة أوردت وكالات الأنباء أحاديث عن الفساد المستشري في أفغانستان وكشفت تقارير عديدة عن تفاقم المشكلة، وفي شهر أيلول سبتمبر الماضي قال الرئيس أشرف غني في افتتاح مؤتمر المانحين بالحرف الواحد إنه حقق تقدماً ملموساً في شأن تحديات بينها الأمن ومكافحة الفساد والمخدرات، وأضاف أن حكومته شرعت في حملة لمحاربة الفساد وثقافة الإفلات من العقاب، لكن في شهر مارس الماضي كشف تقرير للمفتش العام ببرنامج إعادة إعمار البلاد (سيغار) جون سوبكو عن إهدار110 مليون دولار أمريكي وقال إن أفغانستان تعتبر مصدر 90% من الإنتاج العالمي للأفيون على الرغم من إنفاق قسم كبير من المساعدات الأمريكية على عملية إبادة المخدرات إلا أن البلاد لا تزال تنتج أكثر من 13 مليون طن من الأفيون.
وفي مقابلة مع وكالة «فرانس برس» العام الماضي، أبدى سوبكو دهشته لعدم مسارعة الولايات المتحدة في وضع آليات لمراقبة نفقاتها ومحاربة المخدرات والفساد وقال: «إن مجموع الرشاوي التي دفعها مواطنون أفغان في العام 2012 بلغ 1.25 بليون دولار، أي نصف عائدات الخزينة الأفغانية»، استناداً إلى تقرير لمنظمة أفغانية غير حكومية.
وسبب انتشار الفساد خلافاً مع الأمم المتحدة في حزيران (يونيو) الماضي، بشأن الإشراف على صندوق لأجور رجال الشرطة، ما أشار إلى أن مساعدات المانحين ستتوقف إلى حين إقامة أنظمة خالية من الفساد ويعتقد كثير من الدبلوماسيين أن الوزارات فاسدة للغاية، كما يُظهر تقرير سوبكو أن عدد الجنود والشرطة الأفغانية وقدراتها غير معروف بالنسبة للحلفاء على الرغم من تخصيص الكونغرس 60.7 مليون دولار خلال العقد الماضي للتجهيز والتدريب ودفع رواتب الجنود والشرطة؛ ولذا ظهر تردد المانحين في تقديم المساعدات بحجة أن الفساد له جذور عميقة في الدولة.
يقول الصحفي “محمود الورواري” الذي زارأفغانستان الحبيبة مؤخراً أنه: “ليس هناك فرق كبير بين كابول عام 2002 مع بداية الاحتلال الأمريكي وبينها الآن، مر أربعة عشر عاماً ولا زالت أفغانستان جريحة ومريضة رغم ادعاء الأمريكيين أنهم جاؤوها للعلاج وأنهم أطباؤها المخلصون.
كابول ازدادت شحوباً، مطارها كثرت أسواره، وكل شيء يفتش، أجهزة تفتيش وكلاب بوليسية وعيون زرقاء تفترسك فور وصولك إليهم.
لافتات كتبت بالفارسية والبشتونية تدعوك للحرص والانصياع إلى أوامر رجال الأمن.
وحده الشارع المؤدي إلى المطار تم رصفه بعناية لأنه يحوي السفارة الأمريكية وبعض القواعد المهمة العسكرية.
هي تلك القواعد التي ظهرت حين كانت الطائرة تقترب من الهبوط، طائرات حربية من كل الأنواع نائمة لتستريح أو ربما لتمتلئ بمزيد من الموت، وتعاود الانطلاق تفرغ سمها في من جاء قدره وعمره.
في سيارة مصفحة ضد الرصاص ركبت إلى “سيرينا” فعلاً حين وصلت كان الفندق محاطاً بأسوار عالية، خضعنا للتفيش الدقيق ودخلنا إلى سور آخر وأبواب حديدية مضادة للرصاص أيضاً، وتم تفتيشنا مرات ومرات وهكذا حتى وصلنا إلى الداخل. كان الفندق له الرقة والجمال، الجبال تحيطه من كل مكان والخضرة تشكل القلب والمنتصف.
أردت أن ألتقط صورة عبر هاتفي الشخصي، ولكن للأسف بعد دقيقة واحدة كنت محاطًا بكثير من رجال الأمن، وأخذوا الهاتف ولم يتركوني حتى مسحت الصورة التي التقطتها”.
نعم هذا هو حال البلاد والعباد، وبمجرد النظر إلى المسؤولين في الحكومة الحالية فإنك لن تجد إلا الفاسدين ومهربي المخدرات وتجار الحروب الذين كانت لهم الكلمة المسموعة قبل حكم إمارة أفغانستان الإسلامية وقد اجتمع كل هؤلاء الفاسدين تحت المظلة الأميركية للانتقام من بني جلدتهم الذين قضوا على “بلطجتهم”، ومن هذا المنطلق أرادت أميركا احتضانهم، بدلاً من إقصائهم أو محاكمتهم، وكنتيجة حتمية بدأ الفساد الإداري والمالي يزداد مع مضي كل يوم في ظل هذه الحكومة العميلة، ومن هنا تعززت ثقافة الفساد الإداري والمالي بعد أن أصبحت أفغانستان الدولة الثانية الأكثر فساداً في العالم بعد الصومال بحسب تقرير منظمة الشفافية العالمية، وذهبت أكثر من نصف الميزانيات التي وصلت إلى أفغانستان إلى جيوب لوردات الحرب والمنظمات الدولية تحت غطاء المرافق والرواتب العالية لموظفيها، وتفشى الفساد المالي والاداري على جميع الأصعدة في الدولة.
وقالت وكالة مكافحة الفساد الأفغانية إن مسؤولين أفغان تدخلوا في التحقيقات في فضيحة انهيار بنك كابل والتي بلغ حجم الأموال المنهوبة فيها 900 مليون دولار. وسربت مؤسسة تدقيق مالي أميركية معلومات عن ضخ هذه المبالغ في 19 شركة وحسابات شخصية لأشخاص مرتبطين بزعماء سياسيين، وأكدت المعلومات أن بعض الأموال تم تهريبها عبر الطائرات المدنية داخل حاويات الطعام، وأدت الأنباء التي تواترت عن الفساد المالي في بنك كابل إلى تدافع المُودِعين لسحب أموالهم عام 2001.
نعلم جميعاً أن كل سفينة تحتاج إلى ربـّان واحد فقط ليسيّرها ويدير أمورها للوصول بها إلى بر الأمان بقوة وإخلاص، ولو أن سفينة قادها ربـّانان فسيكون هناك اختلاف بينهما في تسيير أمور هذه السفينة، لأنه سيكون لكل واحد منهما رأي مغاير عن الأخر، مما قد يقود بالسفينة إلى الغرق والهلاك.
ونقول للذين يقودون سفينة البلاد إلى أمواج متلاطمة أليس لكم عبرة في من سبقكم إبان الاحتلال السوفياتي؟ إذاً فلتراجعوا حساباتكم ولتأخذوا عبراَ من تاريخنا المجيد وتاريخ هذه الأرض المباركة وشعبها المقدام والمحب للحرية والاستقلال والذي ما فتئ يقدم الغالي والنفيس من أجل استرداد أرضه وحماية دينه طوال دهره النضالي التليد. ننصحهم أن لا يرتكبوا أكثر مما ارتكبوا لئلا يندموا عليه فيما بعد، فالغزاة رحلوا، ونصر الله آت إن شاء الله، وليعلموا أن الكفار يقفون مع الحلفاء والعملاء إلى حين انتهاء المصلحة التي يرونها فيهم، وسوف يأتي يوم ينقلب الأسياد عليهم ولات ساعة مندم!