سلاح لا يملكه فرعون العصر!
بقلم: صلاح الدين مومند
لقد أمر فرعون العصر وطاغية الزمان بقتل رجل مخلص فذ من أخيار الناس؛ اغتاله بحجة إنه خطرعلى الأمن والاستقرار وعقبة في طريق الصلح والمصالحة، ظناً من الطاغوت أن ذلك سيجدي نفعاً في وقف الثورة العارمة التي طالت خمسة عشر عاماً، وقد أثبت التاريخ أن قوة عظمى خاضت حرباً لمدة 15 عاماً متتالية، ونشرت 100.000 من خيرة قواتها، وضحت بحياة 3500 من هؤلاء الجنود، وأنفقت أكثر من تريليون دولار على عملياتها العسكرية، بالإضافة الى تخصيص 100 مليار دولار لـ”إعادة –مايسمونه -الإعمار”، ودعمت صندوق تجهيز وتدريب الجيش بـ 350.000 جندي من الحلفاء، ولكن -مع ذلك كله- ما زالت غير قادرة على تهدئة الوضع في واحدة من الدول الأكثر فقراً في العالم.
ورحم الله سيد قطب حيث قال :”فهل هناك أطرف من أن يقول فرعون الضال الوثني، عن موسى ـ عليه السلام ـ (إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد) أليست هي بعينها كلمة كل طاغية مفسد عن كل داعية مصلح؟! أليست هي بعينها كلمة الباطل الكالح في وجه الحق الجميل؟! أليست هي بعينها كلمة الخداع الخبيث لإثارة الخواطر في وجه الإيمان الهادئ؟ إنه منطق واحد يتكرر كلما التقى الحق بالباطل، والإيمان بالكفر، والصلاح بالطغيان على توالي الزمان واختلاف المكان، والقصة قديمة مكررة تعرض بين الحين والحين”.
نعم قال وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر بعد قتل الأمير اختر منصور -تقبله الله-: “إن عائقاً للسلام في أفغانستان أزيل بمقتل الملا أختر منصور، زعيم طالبان أفغانستان، الذي قتل إثر غارة بطائرة بدون طيار”. كما أن العندليب الأسمر أوباما قرر في العاشر من حزيران/ يونيو 2016 السماح للقوات الأميركية بتوجيه ضربات مباشرة لحركة طالبان بالتعاون مع القوات الأفغانية العميلة.
وإثر ذلك أعلن البنتاغون بتاريخ (24 حزيران/يونيو 2016) تنفيذ طائرات أميركية غارات على مواقع للحركة في جنوب البلاد. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية بيتر كوك “لقد تمّ تنفيذ عمليات” عملاً بالتوجيهات الجديدة التي صدرت للقوات الأميركية في أفغانستان.
نقول إن كسب الحرب ضد الأفكار والمعتقدات لا يكون بالبطش والجبر ولا بالآلة العسكرية، ولا بالحرب المدمّرة ولا بإلقاء القنابل العملاقة على المدنيين العزل عبر استخدام طائرات من دون طيار، ولا بتلفيق التقارير الكاذبة المختلقة.
حقاً إن شعبنا الشعب الأبي مسلح بسلاح الإيمان ومن ثم بالعزّ الأفغاني الذين لا يتوفران في مخازن أسلحة أمريكا ولا في مخازن حلفائها، ولا يملك العدو وسائل الدفاع ضد ذلك السلاح، ونحن على يقين أنه في النهاية سينتصر السلاح الإيماني على السلاح المادي بمشيئة الله عز وجل كما انتصر قبل ذلك مراراً في أحقاب الدهر.
إن أصحاب العقيدة لا يخضعون أمام الطغاة والجبابرة. وهناك خوارق صنعتها العقيدة في الأرض وما تزال تصنعها كل يوم بجدية خارقة النظير، الخوارق التي تغير وجه الحياة من يوم إلى يوم، وتدفع بالفرد والمجتمع إلى التضحية والفداء في سبيل الحياة الكبرى الكريمة التي لا تفني ولا تبيد، وتقف بالفرد أمام السلطان وقوة المال والحديد والنار فإذا كلها تنهزم أمام هذه العقيدة السامية. هذه العقيدة قوة هائلة في أيدي المؤمنين لأنها تنبع من الينبوع المتفجر الذي لا ينضب ولا ينحصر ولا يضعف أمام السلطان والجبروت وقوة الحديد والنار، فتدفعهم إلى الموت الذي يخلق حياة الأبد، والفناء الذي يمنح الخلود الدائم، والتضحية التي تورث النصر، والفوز المبين. وهذه القوة مستمدة من الدين الذي يعلن التحرير التام للإنسان في الأرض من العبودية لهؤلاء الطغاة الجبابرة المعتدين.
إذا سارت خطوب الدهر يوما عليك فكن لها ثبت الجنان
إن الفراعنة لا يعلمون ما تصنعه العقيدة الإيمانية الراسخة والإرادة الصلبة للشعوب المسلمة فلذك، تمضي حياتهم في عمي وعمه ولات هناك ساعة مندم.
إن الله يريد غير ما يريد فرعون؛ ويقدر غير ما يقدر الطاغية. والطغاة البغاة تخدعهم قوتهم وسطوتهم وحيلتهم، فينسون إرادة الله وتقديره؛ ويحسبون أنهم يختارون لأنفسهم ما يحبون، ويختارون لأعدائهم ما يشاءون، ويظنّون أنهم على هذا وذاك قادرون.
ولقد أخطأ فرعون العصر بظنّه أن قتل الأمير نصر لهم في الحرب، وإلحاق الهزيمة بالمقاومة الاسلامية؛ لآن المقاومة الإسلامية ليست عبارة عن شخص ما، بل هي العقيدة الراسخة في قلوب الشعب بأكمله. وإن شعبنا العزيز “شعب مسلم قدم الكثير من التضحيات، وبذل ضرائب غالية للإحتفاظ بإبائه، حتى لا يحني هامته لمعتدٍ ولا يطأطئ عنقه لعاصفة، فأصبحت العزة جزء من كينونته، والكرامة تجري في عروقه طبعا، وأصبح الجهاد طينته والقتال فطرته والفروسية سداه والشجاعة لجته…
ورثوا الكرامة كابراً عن كابر إن الكرام هم بنو الإكرام
فهو يجمع بين الرجولة والإباء والكرم والحياء والترفع والوفاء والشرف والسخاء، يحب الشجاعة ويعشق العلياء ويكره الدنية ويمقت الإستخذاء (الذل). لا يسلم قياده إلا لخالقه، ولا يذل جبهته إلا لمولاه، قوم أخلصوا لمبادئهم فخطوها بدمائهم، وكتبوا قصة مسيرتهم بعرقهم ونجيعهم… شرفهم الله بالإسلام فبذلوا له الغالي والرخيص والنفس والنفيس”. هذا ما قاله الدكتور عزام رحمه الله في إحدى خطباته وهو يصف شعبنا الأبي الباسل.
فسبحان الذي أوجب على نفسه نصر المؤمنين، وجعله لهم حقا، فضلاً وكرماً. وأكده لهم في الصيغة الجازمة التي لا تحتمل شكاً ولا ريباً حيث قال: (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين) القائل هو الله القوي العزيز الجبار المتكبر القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير. يقولها سبحانه معبرة عن إرادته التي لا ترد، وسنته التي لا تتخلف، وناموسه الذي يحكم الوجود. لا شك أن الله تعالى لا يخلف الميعاد وقد آن أوان نصره.
إن المجاهدين المؤمنين لا ينفد صبرهم، وإن حاول الأعداء أن يفنوا صبرهم فالمجاهدون أولو عزم يظلون أصبر من أعدائهم وأقوى منهم في تحمل المشاق، وإنهم يعرفون أن الجهاد في سبيل الله ليس اندفاعاً للقتال ولاحماسة في موقف الشدة ولا إقدام في المعركة فحسب؛ ولكنه الكفاح الدائم الذي لاينقطع، إنه البذل المتواصل الذي يستنفذ النفس والمال في سبيل الدفاع عن حوزة الإسلام وحرية أهله. وستسقط أمريكا كما سقطت غيرها من الإمبراطوريات، وستطوى صفحتها من وجه المعمورة، بإذن الله.