سياسة الضغط وإعمال القوة!
لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى إعمال القوة وممارسة سياسة الضغط ضد الحكومة الأفغانية الحالية رغم فشلها في أفغانستان عسكريًا وسياسيًا، فبعد انسحابها فرضت قيودًا على الإمارة الإسلامية وجمّدت احتياطي البنك المركزي الأفغاني، وأدرجت أسماء بعض القادة الأفغان إلى اللائحة السوداء للعقوبات، كما قيّدت الجهود الدولية المبذولة في أفغانستان في مجالات مختلفة للضغط على الحكومة الأفغانية الجديدة لتتنازل الأخيرة عن شيء ولو يسير مما تمسكت به من المبادئ والأصول والمعايير حتى تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية، هبل العصر، أن تحفظ بذلك ماء وجهها بعد الفشل المخزي المذل على أرض أفغانستان.
ومرّ عامان على الحكم الجديد في أفغانستان، إلا أن سياسة الضغط الأمريكية لم تؤتِ ثمارها بعد، ومن غير المتوقع أن تتنازل الإمارة الإسلامية عن أي جزء من مبادئها وثوابتها، وسط تأكيد حكومي أفغاني على الاحتكام إلى لغة التفاهم والحوار بدل اللجوء إلى القوة وممارسة الضغوط.
وهاهو الجانب الأفغاني يجتمع مع نظيره الأمريكي في العاصمة القطرية الدوحة، مرة أخرى، وجهاً لوجه؛ ليبحث كل طرف مع الآخر قضايا ثنائية على طاولة الحوار والمباحثات، ويبدو أن الجانب الأمريكي أدرك أخيراً أنّ سياسة الضغط قد انهارت أمام هذه الحكومة التي تتمسك بثوابتها ولا تتراجع عنها قيد أنملة بخلاف نظيراتها، ولعل الرغبة الأمريكية الأخيرة بالانخراط مجددًا في المفاوضات جاءت ضمن هذا السياق.
وقد أكّد وزير الخارجية الأفغاني السيد المولوي أمير خان متقي أنّ ممارسة الضغط وانتهاج سياسة العقوبات لم ولن يجدي نفعًا، ويترتّب على الجميع أن يسلك مسار التعامل والتفاهم والحوار، لافتًا إلى أنّ سياسة الضغط والدعاية الكاذبة ضد الإمارة ومحاولات إخضاعها قد فشلت وحان وقت التعامل الإيجابي، مشيرًا إلى أنّ أفغانستان يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في أمن المنطقة.
كما أكّدت الحكومة الأفغانية مرارًا أنها تريد إقامة علاقات طيبة قائمة على الاحترام المتبادل مع المجتمع الدولي بما فيه الولايات المتحدة الأمريكية. مشدّدة على ضرورة تبني الحوار والتفاهم في حل القضايا العالقة. مضيفة أنها استوفت جميع شروط الاعتراف بالحكومات وتعهدت بكافة التزاماتها.
ويرى مراقبون للوضع الأفغاني أنّ الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية خلال العامين الماضين لإخضاع الحكومة الجديدة في أفغانستان وتأليب الناس عليها قد أضرّت بالشعب الأفغاني، وأن هذه التجربة قد ثبت فشلها بالفعل، كما أنها عرقلت جهودا لتنمية الاقتصاد الأفغاني وزادت الطين بلة؛ إذ ساهمت في تكثير معاناة الشعب الأفغاني بدل تضميد جراحاتهم. ويشدد محللون على ضرورة الانخراط في مفاوضات ومباحثات تخرج بنتيجة ترضي الطرفين وتحفظ مصالحهما، كون التفاوض طريقا وحيدا لإرساء الاستقرار والأمن وفصل النزاعات وحل المشاكل بعد فشل سياسة القوة التي سلكتها الحكومات في الولايات المتحدة على مدار عشرين عاما من الاحتلال الأمريكي ضد الشعب الأفغاني.
ويحتاج الأفغان إلى توفير فرص العمل، وتطوير القطاع التعليمي، وتحريك عجلة الاقتصاد، وتعزيز القطاع التجاري، وإعادة إعمار البلد، وتحقيق التنمية المستدامة، وإنشاء البنى التحتية؛ إلا أن العقوبات الأمريكية تعرقل كل هذه المسارات، وبما أن الإمارة الإسلامية التزمت بشروطها وتعهداتها حيال اتفاقية الدوحة؛ فيترتب على الجانب الأمريكي أن يلتزم أيضا بوعوده في هذا الإطار، ويؤدي مسؤولياته التي تعهد بها إزاء هذه الاتفاقية. وأي محاولة للضغط على أفغانستان تتعارض مع بنود الاتفاقية وهي بمثابة تكرار تجربة فاشلة ليست في صالح أي طرف. ونتاج عشرين عاما من الحرب واستخدام القوة والعنف ضد الشعب الأفغاني وفشل كل المحاولات الأمريكية في هذا الصدد خير دليل على ذلك. لذا يترتب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تكف عن التدخل في الشأن الأفغاني وتترك الأفغان يقررون مصيرهم بأنفسهم، ويختارون حكومتهم وفق قيمهم ومعاييرهم الدينية والوطنية. وقد ثبت أن الحكومة الأمريكية بعد كل مرة من انسحابها من طاولة المفاوضات تسببت بإلحاق أضرار جسيمة باستراتيجية الدبلوماسية لحل الخلافات، ثم لجأت في آخر المطاف مرة أخرى إلى المفاوضات بعدما فشلت ممارسة الضغوط وسياسة فرض الحظر والعقوبات ولم يبق أمامها إلا إنهاء هذه السياسة واحترام سيادة الدول ووحدة أراضيها والتخلي عن دعم خصوم الشعب الأفغاني والكف عن تسليح البغاة والمتمردين، وانتهاج سياسة مختلفة حيال أفغانستان، لأنه لا جدوى من السياسات الفاشلة ضد الأفغان.