مقالات الأعداد السابقة

سیاف من استقامة الأمس إلی انحراف الیوم – الحلقة الثانیة

لقد تحدثنا في الحلقة الأولی عن السیر الانتكاسي للسیاف من استقامة أمسه إلی انحراف یومه، وها نحن نذكر مزیداً من أمثلة انحراف هذا الرجل (الفتنة) الذي كان بالأمس یقاتل الشیوعیین تحت رایة الإسلام والیوم یقاتل المجاهدین تحت رایة الصلیب في التحالف الصلیبي العالمي بقیادة أمریكا .

من استعادة فلسطین والأندلس .. إلی بیع أفغانستان

إنّ خسّة سیاف الیوم ووقوفه العنید إلی جانب الصلیبیین ضدّ المجاهدین یجعلان الإنسان یشك في صدق ماضي هذا الرجل أیضا، لأنّ المجاهد الصادق لا یتوقّع منه أن یتنزّل بإرادته غیر مكره من قمة المجد إلی حضیض العمالة الآسن.
إنّ دعاوى سیاف الأمس كانت عظیمة جداً ، وآماله كانت لا تنحصر في حدود أفغانستان.
إنّه كان یعد أمة الإسلام باستعادة (فلسطین) و(الأندلس)، ولا ندري هل كان صادقاً آنذاك في دعاویه العظیمة، أم كان یلعب بعواطف المسلمین الذین كانوا یتطلّعون إلی النصر بعد أن عاشوا دهوراً في الذلّ والحرمان والاحتلال والاستعباد لیمتص منهم الأموال التي اشتری بها الآن آلاف الهكتارات من الأراضي والعقارات في مختلف مدن أفغانستان.
علی أیة حال، إنه هكذا كان یعد المسلمین:
(… إننا سائرون – إن شاء الله – لا سترداد عزتنا وأراضینا المغتصبة، وها نحن نحو ( كابل) وبعدها نحو الأندلس…).
(افتتاحیة العدد 27 بقلم سیاف لمجلة البنیان المرصوص1989م).
لم یكن سیاف الأمس لیكتفي بكتابة مثل هذا الكلام في بعض المجلات فقط، بل كان یستغلّ أعظم الاجتماعات والقمم في الدول الإسلامیة للتحدث عن مثل هذه المواضیع الهامّة أمام أبناء الأمة الإسلامیة كما فعل في مؤتمر القمّة الإسلامي الخامس عام 1987م ، والذي كان یخاطب فیه الرؤساء والملوك للدول الإسلامیة وكأنهم أبناؤه الصغار، إنّه قال آنذاك:
(… إنّ القدس عزیزة علی قلب كلّ مسلم یجاهد في أفغانستان… فإن كنّا الیوم نجاهد في سبیل الله بعیداً عن القدس… فسنجاهد غداً في ربوعها – بإذن الله – وإنّنا نعتقد أنّ الفجر قد لاح وأنّه لا محال آت، وهنا أنتهز الفرصة الطیبة كی أخاطب أمّة محمد صلی الله علیه وسلّم أن تستعید كرامتها، وأن تستعید هیبتها، وأن تلمّ شملها، وأن تعود إلی الدنیا كما كانت خیر أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهی عن المنكر وتؤمن بالله ربّ العلمین).
(كلمة سیاف في مؤتمر القمّة الإسلامیة الخامس بدولة الكویت عام 1987م ــ1407 هـ
نعم، هكذا كان یضرب بالأوتار الحسّاسة من أوضاع الأمة الإسلامیة، إنّه بالأمس كان سائراً إلی استراداد القدس والأندلس، ولكن انتهی به المسیر إلی بیع أفغانستان علی أمریكا والحلف الصلیبي المحتلّ لأفغانستان.
إنه لم یكتف بالجندیة للحلف الصلیبي، بل وافق بكلّ قناعة علی (موافقة الشراكة الإستراتیجیة بین أمریكا وحكومة كابل) العمیلة.
وحین ذهب إلیه وفد ممن لا زالوا یُسمّون أنفسهم أبناء الحركة الإسلامیة لیطلبوا منه عدم الموافقة علی هذه الموافقة التي تحكم ببقاء قیمومیة أمریكا علی أفغانستان، وببقاء قواتها فیها، فأجابهم سیاف بقوله: (من سیدافع عنّا إذا لم نوافق علی موافقة الشراكة الإستراتیجیة مع أمریكا؟).
إنّه الیوم یأوي إلی قوة أمریكا ویحتمي بحماها لأنّه یخشی أن تصیبه دائرة، وینسی قوله الله تعالی: (یا أیها الذین آمنوا لا تتخذوا الیهود والنصری أولیاء بعضهم أولیاء بعض ومن یتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا یهدي القوم الظلمین0 فترَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) المائده 51 – 52.
إنه بالأمس كان یعد المسلمین بالجهاد في ربوع الأقصی والأندلس، ولكنّه الیوم یبیع أفغانستان للصلیبیین مقابل أن تدافع أمریكا عنه وعن ثروته التي جمعها باسم الجهاد والمجاهدین. نعوذ بالله من الخذلان.
من إقامة الخلافة علی نهج الخلفاء الراشدین .. إلی الرضا بدیموقراطیة الغرب الكافرة
إنّ السیاف كقادته لم یكن لیرضی بالوعود الصغیرة، بل دوماً كان یطلق الوعود المدوّیة، ولذلك حین كان یضع الأهداف لمنظمته (الاتحاد الإسلامي) فی دستورها فحدّد الهدف آنذاك لمنظمته كالتالي:
(…ویتلخّص هدفنا في الجملتین التالیتین:
ألف: إدخال الناس فی عبادة الله الذي هو رب الجمیع.
ب: إقامة الخلافة الإسلامیة فی الأرض علی نهج الخفاء الراشدین رضي الله عنهم).
(دستور الاتحاد الإسلامی (بالفارسیة) ، فصل المواد العمومیة، المادة الثامنة، طبع عام 1987 م).
ما أسماه من هدف!! وما أعظمه من مقصد!! إدخال الناس إلی عبادة الله الذي هو رب الجمیع !! كأنّه كان یرید أن یعید قول الصحابي الجلیل ربعی بن عامر رضي الله (نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلی عبادة الله وحده…).
وإقامة الخلافة الإسلامیة!! ولیست المنظمة الإسلامیة، أو الدولة الإسلامیة، أو النظام الإسلامي النموذجي علی قطعة من الأرض!! بل إقامة الخلافة الإسلامیة لیس علی غرار الخلافة العثمانیة، أو الخلافة العباسیة، أو الخلافة الأمویة، بل علی منهج الخلفاء الراشدین علی وجه الارض كلها!!؟
إنه بالأمس كان یزعم العمل لإقامة الخلافة الإسلامیة علی منهج الخلفاء الراشدین، ولكن حین قامت حكومة طالبان الإسلامیة فی أفغانستان كان هو علی رأس مخالفیها الذین حاربوها إلی یومها الأخیر.
ولم یكتف بذلك، بل انضمّ مع منظمته وقادته العسكریین والسیاسیین إلی التحالف الصلیبیي ضدّ حكومة (طالبان).
وبعد أن احتل الصلیبیون أفغانستان وأقاموا فیها حكومتهم (الدیموقراطیة)، كان سیاف من أهمّ شركائها وأركانها، بل ووافق علی الدستور العلماني الدیموقراطي الذي وضعه المستشارون الأمریكییون لأفغانستان، وصاغوا في مواده جمیع ما كانت تریده أمریكا، وبریطانیا، وفرنسا، وإیطالیا، وأسترالیا، وألمانیا، والأمم المتحدة، ومجامع حقوق الإنسان وحقوق النسوان الغربیة، وصادق علیه سیاف من دون اعتراض علی أی من مواده التي اختلط فیها الكفر بالإسلام.
وهكذا تمخّضت (خلافة) سیاف (الإسلامیه؟!!) لتلد (الدولة الدیموقراطیة علی نهج فلاسفة الغرب الملحدین)، والتی تدافع عنها الدول الغربیة بجیوشها وطائراتها، واقتصادها، والسیاف أیضا یرید تعلیق جثث المجاهدین علی أبواب (كابل) دفاعاً عنها لتشترك جهوده مع جهود الغرب الصلیبي فی تمدید عمر هذه الولیدة الحرامیة.

من معاداة الملحدین والمشركین والكفار والمنافقون.. إلی معاداة المجاهدین وطلاب العلم، والعاملین لإقامة الحكومة الإسلامیة.

إنّ السیاف بالإمس حین كان مجاهداً كان یعتبر معاداة الكفار من أهمّ أهداف منظمته، ولذلك كان كتب فی دستورها:
(…من أهداف منظمتنا معاداة الملحدین والمشركین والكفار والمنافقین والظلمة وسائر أعداء الإسلام).
(دستور الإتحاد الإسلامي، فصل المواد العمومیة، المادة الحادیة عشر، طبع عام1987م).
هذا كان هدفه بالأمس، أمّا الیوم فهو لیس لا یعادی الملحدین والمشركین والكفار والمنافقین والظلمة وسائر أعداء الإسلام فحسب، بل وقف فی صفّ هؤلاء جمیعاً، وصار یعادي المجاهدین وطلاب العلم (الطالبان)، ومجاهدي القاعدة، وكل من یرید العمل لاقامة النظام الإسلامي عن طریق الجهاد والعمل العسكری ضد الطواغیت.
وهكذا بقي دستوره حبر علی الورق لیكون علیه دلیلاً یوم القیامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى