شتاء الفقراء القاسي
مسلميار
تشهد مجلتنا أنّنا لم نغفل عن مآسي الفقراء في الشتاء الأليم حتى عندما كانت الحكومة العميلة حاكمة في أفغانستان طوال سنوات الاحتلال. وكم كتبنا في السنوات الماضية وحرّضنا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على مساعدة إخوانهم الأفغان الفقراء المضطهدين الذين تضرّروا من ويلات حرب كانت مشتعلة أكثر من 4 عقود؛ لأنّنا كنّا نعرف عن كثبٍ أنّ كثيرًا من العائلات والأسر لا تجد مصادر تحميها من برد الشتاء ومن خطر البرد وشره.
أتدري كيف جارك يا ابن أمي *** يهــدده مـن الفقـر العنـاء
وكيـف يـداه ترتجفان بؤسا *** وتصدمـه المذلـة والشـقـاء
يصب الزمهريـر عليـه ثلجا *** فتجمد فـي الشـرايين الدمـاء
أتلقاني وبي عـوز وضـيق *** ولا تحـنو؟ فمـا هذا الجفـاء
أخي المسلم! أنتَ الآن في نعمة. نعمة جليلة ومنحة عظيمة لا يشعر بها إلا من ذاق لسع البرد وسهر الليالي من شدة الصقيع والجوع، قال تعالى: (وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۢ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ ٱلْأَنْعَٰمِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ ۙ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَٰثًا وَمَتَٰعًا إِلَىٰ حِينٍۢ. وَاللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّمّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُمْ مّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلّكُمْ تُسْلِمُونَ). {النحل:80-81}.
أخي الملسم! أنت الآن تعيش في نعمة لا تقدر بثمن، فتلبس وتغير في كل عام، وتقتني كل واق يقيك من شدة البرد، فتنام متلحفا، وتخرج إلى المسجد مثل ذلك، وتعيش وكأنك في وسط الصيف ليس ذلك إلا من نعمة الخالق سبحانه عز وجل، فأحب للناس ما تحبه لنفسك.
فإذا مرت عليك أيها المسلم! ليلة شاتية وذقت فيها البرد القارص ففررت إلى مكان دافئ وغصت في فراش وثير، اعلمْ حينها أن هناك من يشاركك الشعور بالبرد في بلاد الأفغان، ولكن لا يجد وسائل الدفء، وهناك من يفترش الأرض ويلتحف السماء لا يجد له من دون الأرض مفرش ولا يجد له من البرد غطاء. فالأموال متيسرة عند الكثير، والثياب والألبسة الزائدة عند الكثير لم تلبس، ولم تنفق لمحتاجيها، بل هي أسيرة للمستودعات أو في سلة المهملات.
ووالله إن إخوانًا لكم في بلاد الأفغان قد مزّق البرد أوصالهم، وأسال دموعهم، وجمّد جلودهم، وأذاقهم الحزن الأليم، واجتمع مع ذلك فقد الأهل والخلان، وانعدام المأوى والكساء، فأدركوهم يا بارك الله فيكم، وخصّصوا شيئًا من أموالكم لهؤلاء المعوزين والفقراء، وبإمكانكم الآن أن تسافروا وترحلوا ببعثاتٍ إغاثية إلى هذه البلاد المضطهدة، وتشاهدوا وتساعدوا بأنفسكم هؤلاء الفقراء، إلى أن ييسر الله في أمرهم في قادم الأيام إن شاء الله.
آما آن الأوان للمساهمة في حملات المساعدات والبعثات الإغاثية التي يطلقها النشطاء لمساعدة الفقراء الذين يرتجفون من البرد، لنؤدي دورنا الإنساني، ولنشعر بمفهوم الإنسانية ونساهم بتخفيف معاناة المحتاجين بما نستطيع، لنشعر بطعم العطاء وسعادته، وننشر البسمة والدفء بأيدينا في قلوب الأطفال والفقراء، تطبيقا لقوله تعالى: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
اللهم إن البرد خلق من خلقك، يأتمر بأمرك، اللهم ابسط دفءَ رحمتك على الفقراء والمساكين والمستضعفين ومن لا مأوى ﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﺑﺮد اﻟﺸﺘﺎء. اللهم أنزل دفئك ورحمتك عليهم وارزقهم الأمن والأمان، وارحم ضعفهم وقلّة حيلتهم. اللهم احفظ عبادك المستضعفين فوق كل أرض وتحت كل سماء، بحفظك يا أرحم الرّاحمين.