شتاء الفقراء في أفغانستان أليم
عبد المتين
لا غرو بأن كثرة الثلوج والأمطار بشرى سارة للزرّاع والفلاحين الذين يرون فوائدها وثمارها، لأنّها تزيل الجدب والقحط، وترفع سنيّ القوم. وصحيح بأنّ الثلج هو ملح الأرض وله فوائد عديدة ليس للإنسان فقط بل أيضاً للبيئة والأرض ككل، فالثلوج تقضي على العديد من الميكروبات والجراثيم والفيروسات المنتشرة في الأجواء، وتعقم التربة والبيئة، وتحتفظ الجبال بكميات كبيرة من الثلوج والتي يمكن استغلالها كمصدر مهم للماء العذب، فالثلج إذا سقط عليها وتراكم يذوب تدريجيًا، فيشرب منه الناس ويسقون المزروعات، ولو ذاب دفعة واحدة لما استفادوا منه، ولأهلك السيل كل ما مر عليه، ولكن مع هذه الفوائد الجمّة للثلوج، تتسبب -في المقابل- بمشاكل وصعوبات للمواطنين الفقراء حيث يتكالب عليهم الفقر والتهميش وصقيع البرد ليفتك بسكان المناطق النائية وينكل بهم شر تنكيل.
لا شيء يقسو على فقراء أفغانستان ومهمشيها أكثر من جحيم البرد، لا سيما في البوادي والقرى النائية والبعيدة التي تستقر فوق سفوح وقمم الجبال، التي تصبح في فصل الشتاء مكسوة بالثلوج، فالمواطنون يرون فصل الثلوج موسمًا لقطف أرواح أبنائهم الرضع، وجحيمًا ينتظرون مروره بفارغ الصبر.
تتسبب موجة الصقيع التي تجتاح البلاد خلال هذه الأثناء في كثير من المعاناة لسكان القرى، حيث تنخفض درجة الحرارة بشدة لتنحدر في بعض الأوقات إلى تحت الصفر، مما يدفع الفقراء والمعوزين إلى الاختباء في أكواخهم الهشة لمدة شهور ريثما ينجلي زمهرير الشتاء، مواجهين قساوة البرد بمؤونة شحيحة ووسائل بدائية، كجلب الحطب من أجل التدفئة، لكن عبثًا يفعلون ذلك فكثيرًا ما يقطف منهم موسم الثلوج العديد من أطفالهم وعجائزهم وحواملهم في كل عام، فضلاً عن أغنامهم وماشيتهم.
وما يزيد من فداحة الآثار التي يخلفها الصقيع بالقرى النائية هو أن السكان هناك يفتقدون لوسائل مكافحة قساوة الطقس، إذ لا يملكون المال لشراء وسائل التدفئة العصرية أو لشراء الملابس الشتوية وبطانيات النوم، ناهيك عن أن هشاشة مساكنهم التقليدية تعرضهم لنير الثلوج والأمطار والبرد، بل إنهم لا يجدون مستشفيات بقربهم تداوي مرضاهم.
وأما أهل المدن فإن أغلبهم عاجزون عن شراء الفحم والحطب والوقود، وأدوات التدفئة اللازمة بسبب غلاء أسعارها، فمسئولو الإدارة العميلة والحكام الفاسدون قد سيطروا على سوق المحروقات والغاز والفحم، فإنهم يستوردون هذه البضائع بأسعار منخفضة، لكنهم يباهظون الثمن في بيعها على المواطنين الفقراء مستغلين ضروراتهم واحتياجاتهم، وهذا ما يجعل أكثر المواطنين عاجزين عن اقتنائها.
وإن اجتماع برودة الشتاء من جهة وفساد الحكام واحتكارهم وظلمهم من جهة أخرى هي التي أدت إلى تردّي أوضاع المواطنين وتفاقم مشاكلهم، ووسائل الإعلام والصحف التي تخدم الحكام والمسؤولين لا تنشر هذه الحقائق، وإنما تقضي جميع وقتها وطاقتها في نشر تصريحات المسؤولين الكاذبين، والدعاية لترهاتهم وتبليغاتهم.
وهذا الوضع الراهن يقتضي أن يتصدى أصحاب الأموال والثروات من المواطنين للاعتناء بأحوال الفقراء والمحتاجين.
وقد حث ديننا الحنيف على مساعدة المحتاجين ومد يد العون لهم، وجعل الصدقة وتنفيس الكرب عن الناس من أفضل الأعمال، فاعتبر المسلم أخو المسلم، يتألم لألمه ويحزن لحزنه، وما يمر بالمواطنين من الفقراء والمحتاجين هذه الأيام يجب أن يستشعره كل مسلم، فينتدب إلى مساعدتهم، ويبذل كل واحد منهم جهده لمعونتهم بقدر استطاعته.
إن إمارة أفغانستان الإسلامية تعتبر مساعدة الشعب المضطهد، وإزالة كربه، ورفع المآسي عنه من واجباتها الدينية والوجدانية، وتطالب جميع مجاهديها وعامة الشعب بأن لا ينسوا المحتاجين من المواطنين في هذا الشتاء القارص، عليهم أن يتفقدوا أحوالهم، ويعالجوا مرضاهم، ويوفروا لهم ما يحتاجونه من المواد الضرورية، فيكونوا بذلك قد أدوا مسؤوليتهم الدينية، واستحقوا الأجور العظيمة.