
شعب لن یموت.. وکفاح لن یتوقف
غلام الله الهلمندي
إن الشعب الأفغاني شعب لن یموت، فإنه یتصل بشيء خالد لایفنى أبدا، إنه یتصل بالإسلام، الدیانة الأبدیة التي رضیها الله لنا وأتم بها نعمته علینا. لن یموت هذا الشعب، فإنه یقوم بعمل یتدفق قوة وعزما، ویتدفق حیویة وحیاة، یقوم بعمل ماض إلی یوم القیامة، بعمل لا یرضی ربنا أن یتوقف، بعمل هو سبب الحیاة أصلاً، وإن کانت رائحة الموت تُستشم في کل سبله وودیانه، وإن کان الموت یلوح في حواشي أفقه جلیا، بعمل جعله الله سبب الحیاة، حیث یقول: «یاأیها الذین آمنوا استجیبوا لله وللرسول إذا دعاکم لما یحییکم» [الأنفال ۲۳] یقول عروة بن الزبیر في تفسیر «لما یحییکم»: أي: «للحرب التي أعزّکم الله تعالی بها بعد الذلّ، وقوّاکم بها بعد الضعف، ومنعکم من عدوکم بعد القهر منهم لکم» [تفسیر ابن کثیر ۲/۳۶۳].
إن هذا الشعب یتصل اتصالا وثیقا وعمیقا بالجهاد، الجهاد الذي قام به رسول الله (علیه صلاة الله وسلامه) وصحبه الکرام، الجهاد الذي قام به الفاتحون الأولون والدعاة الأولون، الرعیل الأول الذي حمل رأیة الإسلام، وسار بها شرقا وغربا، الجهاد الذی فتحنا به نحن المسلمین نصف المعمورة خلال نصف قرن فقط، الجهاد الذي فتحنا به الأندلس بجیش لا یکاد یبلغ ثلاثین ألف جندي خلال ثلاثة أعوام فقط، الجهاد الذي فتحنا به بلاد السِند بجیش قوامه اثناعشر ألف مقاتل فحسب، وانتصرنا به علی التتر، علی ذلك الجراد المنتشر، في معرکة عین جالوت، بعد أن استیأس الناس وظنّوا أن قد حُکموا بالفشل والهزیمة، بعد أن ظنّ الجبناء أنها نهایة الإسلام. انتصرنا علیهم انتصارا أعاد إلی العروق حیویتها، وإلی القلوب حیاتها وإلی الصدور أملها من جدید.
إن الأمة دون شك بحاجة لهذا النوع من الجهاد، الجهاد في سبیل الله فقط لیس في سبیل النفس أو النفع، أو في سبیل القومیة أو الوطنیة.
لا شك بأن جهاد الشعب الأفغاني لیس لأجل إعادة الإستقلال واسترداد الأراضي وتحریر الوطن فحسب، لکنهم یقاتلون في سبیل إعلاء کلمة الله وإسفال کلمة الکفر، لکنهم یجالدون حتی ترفرف رأیة الإسلام فوق ثراهم، لکنهم یناضلون لیقیموا دین الله ویحکّموا شرعه. تلك هي الغایة العظمی وراء جهادهم قبل أي غایة.
إن المقاتلين الأفغانیین لا یقاتلون بالسلاح ولا یحاربون بالمال والقوة الإقتصادیة والمقاتلات والدبابات، إنهم یقاتلون بالإیمان، الإیمان بالله، الإیمان بالنصر، الإیمان بأن الحق معهم، وإیمانهم بالله کبیر وإیمانهم بنصر الله لا یضارعه شیئ. بل إنهم یقاتلون بالروح المعنویة العالیة، یقاتلون بالوعي الحربي الرشید، بروح الثأر والإنتقام، یقاتلون بالجروح والآلام، یقاتلون بالغیرة والإباء، یقالون بدماء الشهداء الزکیة. هذا هو سرّ نجاحهم.
إنهم لا یناضلون لأجل المال، بحیث إذا حصلوا علیه امتنعوا عن النضال، ولا یقاتلون لأجل الجاه، بحیث إذا نالوه انتهوا عن القتال، لا یجاهدون لأجل الکرسي، بحیث إذا قعدوا علیه، کفّوا عن الجهاد، کلا وألف کلا. إنماهم یقاتلون دون رسالة نیرة یؤمنون بها، ولأجل أهداف وضّاءة یستمیتون دونها، ولأجل دعوة ربانیة یتفانون في سبیلها. إنهم عباد الله ویعتزون بهذه العبودیة، فکیف یمکن أن یرضوا بأن یکونوا عبادا لأعداء الله؟
إن الأمهات الأفغانیات یربّین ویثقّفن أولادهن کما یقتضي، ویعلّمن أولادهن الإیمان والإسلام وحب الجهاد وحب الوطن وعداوة الکفر وبغض الأعداء، یلقنّهم هذه الدروس قبل أن یرضعنهم.
نحن لن نترك بني الصلیب یستریحون في بلادنا أبدا، لن نترکهم یهدؤون في أرضنا، لن نترکهم یشعرون بالأمن والإستقرار أبدا في دیارنا،…نحن سنلقّن أولادنا من المهد بغضهم وعداوتهم، ونعلّمهم عداوتکم یا بني الصلیب! نعلّمهم کل ذلك داخل المهد قبل أن نعلّمهم «ألف باء» في الکُتّاب، نزرع في قلوبهم بذر بغضکم کما نزرع في قلوبهم بذر حب الإسلام، والإیمان، وحب الجهاد، وحب المقدّسات، وحب أبطال تاریخنا.
لن تموت هذه القضیة أبدا.هل تموت قضیة یعتبر أبناؤها الدفاع عن الوطن جزء من عقیدتهم، ویحسبون القتال ضد الأجانب من «أفضل الأعمال»؟ اسألوا التاریخ، إسألوا تاریخ الإسلام الذي یفیض بالبطولة ویجیش بالعزة ویزخر بالحماسة کیف یمکن أن تموت قضیة یتسابق أطفالها إلی میادین القتال قبل رجالها؟
کیف یمکن أن یدوم الإحتلال في ارض لم یخلُ بقعة منها من أثر الدم، دم الشهداء الذین سقطوا صرعی دفاعا عن الإسلام والشریعة، ثم الوطن، دفاعا عن العزة والنخوة والشرف.
لن یدوم الإحتلال في أرض الأفغان أبدا، وکل رأس رضي بالإحتلال سیقطعه السیوف البتارة، وکل ید مُدٌت إلی المحتلین مصافِحةً، لا ترجع إلی صاحبها سالمة، وکل لسان خدم الإحتلال بکلمة سیُنزع من داخل الحلق. قد ثبت ماأقول خلال «عملیات الفتح» المعلَنة أخیرا. یومیا یُقتل منهم المئات، من الذین یخدمون الإحتلال.
هذا موقفنا الذي یعلمه الأعداء قبل الأحباب، ویعلمه البعید قبل القربب. هذا الموقف لم یعد سرّا یُخفی، إنما هو معلَن، منذ أن وطئت أقدام الروس النجسة بلادنا الطاهرة إلی یومنا هذا. ألا فلتعلموا جیدا أیها الأمریکان! یا أبناء الصلیب! لن نبدّل موقفنا ولن نغیرّ منهجنا بإذن الله الذي لا نقاتل إلا ابتغاء مرضاته وابتغاء نصره.
من عرف مزایا هذا الشعب وسلائقه استیقن أنه لن یستسلم أمام الجبابرة، وأنه لن یموت أبدا بفضل الجهاد في سبیل الله، من عاشر هذا الشعب عن کثب، تأکد أن لیس مکان للجبن والخور في قلوبهم. هل یروّع الموتُ رجالا خرجوا یسلکون سبیلا یصل إلی الموت؟
إن العراقیل والتحدیات والمخاوف والمآسي لم تستطع أن تضعف عزم الشعب الأفغاني وصلابتهم وإرادتهم، والسعي وراء لقمة الخبز لم یستطع أن یلهيهم عن قضیتهم ویشغلهم عن جهادهم، رغم الفقر، وما أدراك ماالفقر؟ الفقر في أفغانستان، البلاد التي تعیش الحربَ منذ أکثر من أربعة عقود، یختلف تماما عن ما یسمیه الناس بالرکود الإقتصادي في البلاد الأخری، الفقر الذي یبدو وکأنه قد أصبح قدرا لا مفرّمنه. بلی، نفرّ منه، ونقضي علیه بإذن الله، ونبني الوطن من جدید بإذن الله.
اللهم ردّ لأمة الإسلام جمیعا مجدها وعظمتها وشرفها وانتصاراتها وأحي قلوب أهل الإسلام بنور الإیمان وبالجهاد في سبیلك!!