شهداؤنا الأبطالمقالات الأعداد السابقة

شهداؤنا الأبطال: الأمير الحكيم والعالم الجليل: الشهيد المولوي معاذ (زبير) -تقبله الله-

أبو یحیی البلوشي

 

قبل سنوات، قضيت وقتًا مع الصديق والزميل والداعية الشجاع؛ الشهيد المولوي سعد ﵀، الذي أسر قلوبنا بأخلاقه النبيلة وبتضحياته وإخلاصه، حتى أصبح من أحب الناس إلينا وأصبح طريقه في الجهاد أحب الطرق إلى قلوبنا.

 

كان الشهيد المولوي سعد، ﵀، من بين الثمانية عشر مجاهدًا الذين استشهدوا في إنزال كبير نفذته القوات الأمريكية. ففي يوم ۳ من ربيع الأول ۱۳۹۷ هـ.ش، قامت القوات الأمريكية بعملية إنزال ليلي على مواقع المجاهدين في منطقة خاشرود بولاية نيمروز، حيث تصدى ثلاثة من المجاهدين الشجعان: الأستاذ عبيد، وشيردل، والأستاذ ياسر، لهجومهم، وأظهروا صمودًا فائقًا، حتى أن سكان المنطقة شهدوا صرخات الجنود الأمريكيين وهم يستغيثون.

في تلك الغارة، استشهد العديد من المجاهدين، فيما سقط عدد من الجنود الأمريكيين قتلى، ولكن القوات الأمريكية لم تتراجع، وظلت طائراتهم تحوم فوق المنطقة يومين، وأثناء هذا القصف، ارتوى عدد من المجاهدين من كأس الشهادة، وكان الشهيد المولوي سعد ورفيقه الشهيد مولوي معاذ ﵏، من بينهم.

رغم أنني لم أكن أعرف الشهيد مولوي معاذ معرفة شخصية، إلا أن محبة المولوي سعد له؛ حبیب قلوبنا، بات وكأننا أصدقاء مقربون، حتى صارت صورته مألوفة لي كأحد رفاقي. أسأل الله أن يتغمده برحمته.

 

وُلِد الشهيد المولوي زبير، المعروف باسم “معاذ”، عام ١٣٧٣ ه‍.ش، بدار الهجرة، وأكمل دراسته الشرعية في مدرسة “منبع العلوم” في كوه ون. واشتعلت فيه روح الجهاد بعد معرفته لواقع الاحتلال الأمريكي لأفغانستان ومعاناة الشعب الأفغاني.

كان الشهيد متأثراً بواجب النصرة الإسلامية، ومنذ شبابه يتأجج في قلبه الشوق للجهاد. فبدأ العودة إلى أفغانستان -بعد إتمام التدريبات اللازمة- في إحدی العطلات السنویة، واستمر في العودة إليها كلما سنحت له الفرصة للمشارکة في الجهاد الأفغاني. وفي عام ١٣٩٦ ه‍.ش، بعد إتمام دراسته الدينية، عاد بشكل نهائي إلى أفغانستان، ورفض العودة إلى ديار الهجرة قائلاً: “لقد وجدت راحتي هنا”.

ونظراً لأخلاقه الرفيعة وتفانيه، تم تعيينه أميراً لغرفة العمليات في منطقتي برافشه وخاشرود.

 

من أبرز صفات الشهيد التي أجمع عليها غالبية المجاهدين الذين عملوا تحت قيادته كانت حكمته وحنكته في الإدارة. كان معروفًا بأخلاقه الرفيعة وتعاملاته الإنسانية الراقية مع من هم تحت إمرته. لم يكن يأمرهم بأسلوب جاف أو متعالٍ، بل كان يخاطبهم بروح الأخوة والمودة، مُستخدماً أسلوب النصح والإرشاد بحكمة بالغة.

هذا الأسلوب المتميز أكسبه احترام المجاهدين ومحبتهم، وساهم بشكل كبير في تحقيق أهدافهم بفعالية وإيجابية، وحتى يومنا هذا، لا تزال ذكراه العطرة وأخلاقه النبيلة حاضرة في قلوبهم وأحاديثهم.

 

الشهادة

في تاريخ 3/۹/۱۳۹۷ ه‍.ش، نفذت القوات المحتلة الأمريكية غارة جوية، في منتصف الليل، على الغرفة المركزية للمجاهدين في مديرية خاشرود في “کمربند”، أي الحزام الذي رتبه المجاهدون للأعداء في ولاية “نیمروز”.

أسفرت المواجهة عن استشهاد عدد من المجاهدين. كان الشهيد المولوي معاذ أمير غرفة “عثماني”، التي كانت الأقرب إلى مراكز العدو في منطقة خاشرود. بعد الغارة، انتشرت عدة طائرات بدون طيار في سماء المنطقة لرصد المجاهدين واستهدافهم، مما دفعهم للتفرق حفاظًا على أرواحهم، ومع ذلك، لم يكن لدى المجاهدين الموجودین في غرفة “عثماني” أي معلومات دقيقة حول الوضع في “کمربند”، خاصة وأن الأجهزة اللاسلكية كانت معطلة في ذلك الوقت.

كانت منطقة “کمربند” خالية من المدنيين، إذ كانت مخصصة للمجاهدين فقط، وهذا ما جعل التخفي والابتعاد عن أنظار الطائرات أمراً ضرورياً.

قبل أيام من الغارة، رأى المولوي معاذ في منامه الشهيد أيوب في حالة جيدة، يقول له: “كلنا ننتظرك، متى ستأتي؟”. كما أفاد بعض رفاقه في غرفة “عثماني” بأن الشهید رأى في المنام أنه سيستشهد مع المولوي سعد. عندما وصل المولوي سعد إلى خاشرود، غمرت الشهيد فرحة بلقائه، وزاد يقينه بأن موعد شهادته قد اقترب.

بعد رؤيته لهذه الرؤى، سلّم المولوي معاذ هاتفه إلى أحد أصدقائه باسم المولوي داد الله، وكتب وصيته في کراسة صغيرة، طالباً منه كتمان الأمر. وأخبر المولوي داد الله بالرؤيا والوصية بعد استشهاده، لتبقى شاهدة على إرادة الشهيد واستعداده للفداء.

 

في الليلة ذاتها، خرج المولوي سعد من منطقة “رودبار”، مركز المجاهدين في مديرية “چهاربرجک” بولاية “نیمروز”، متوجهًا إلى خاشرود مع عدد من المجاهدين، حيث أمضوا ليلتهم في الطريق. وعندما وصل المولوي سعد إلى “کمربند”، ذهب إلى غرفة “عثماني” لإعانة المجاهدين، فالتقى هناك بالمولوي معاذ. عندها قال له المولوي سعد: “سمعتُ أنك استشهدت!” فاكتشف أن شهيدًا آخر يحمل نفس الاسم هو من استشهد، فرد مولوي معاذ بابتسامة: “لا تقلق، أنا وأنت سنستشهد معاً”. وكان الشهید المولوي سعد يقول لرفاقه -بينما الطائرات تحلق فوق المنطقة-: “الحوريات يجلسن فوق هذه الطائرات، لا نعلم من سيقع عليه الاختيار”.

قام الرفيقان بنقل المجاهدين إلى منطقة “الوطن” – وهي منطقة سكنية في خاشرود – وكانا آخر من غادر المكان. وفي صباح يوم 4/۹/۱۳۹۷ ه‍.ش، استهدفت طائرات الاحتلال الشهيدين بقصف مباشر أثناء خروجهما، ليصعدا معاً إلى عليين. تقبلهما الله وجعل مثواهما الفردوس الأعلى.

 

إن الشهادة هي بوابة السائرين نحو الحق، تفتح لهم أبواب السماء وتمنحهم الراحة الأبدية بعد الكفاح. فالشهيد لا يتراجع عن جهاده، بل تظل عينه على رضا الله ونيل الشهادة، وكما قال النبي ﷺ: (للشهيد عند الله ست خصال…)، فإنه يصل إلى مراتب لا يدركها إلا من ضحى بحياته في سبيل الله.

رحم الله الشهيد المولوي معاذ ورفاقه، وجعلنا أوفياء لدمائهم وأمناء على الطريق الذي رسموه بدمائهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى