شهداؤنا الأبطال: البطل عبيد الله لطيف رحمه الله
الحمدلله الذي أحیا قلوب هذه الأمة بدماء الشهداء الزکیة الطاهرة، فغدت لاتطیق صبراً عن أرض الجهاد والکرامة، وصلی الله علی إمام المؤمنین وقائد الغرّ المحجلین.
منذ بزوغ فجر الإسلام اصطفى الله سبحانه وتعالی من خلقه رجالاً عمالقة ذبوا عن حماه وعن بیضة الإسلام، تخيرهم ربهم ورباهم على عينه، فصفت قلوبهم وقويت عزائمهم، وبنور منه شقوا دروب الحياة، ومن فيض عطاياه وهبهم، أحبوه وأحبهم وإلى أن حان اللقاء بذلوا الغالي والنفيس لنيل رضاه، فنقشت أسماؤهم على صفحات التاريخ: «وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين».
واستحقوا عن جدارة وصف خالقهم والعالم بحالهم: «من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا».
من هؤلاء العمالقة والأفذاذ شهیدنا المغوار – نحسبه کذلک والله حسیبه- الذي نحن بصدد ترجمته في هذه السطور.
فالبطل الذي نحن بصدد ترجمته الآن كان شاباً عاشقاً لدين الله سبحانه وتعالى وعاشق الساحات والميادين، يحب تكاليف الخنادق أكثر من ملذات البيت، وقد قرأت في عيني الشهيد “عبيدالله لطيف” البطولة والصمود والوفاء، لا تفارق البسمة شفاه، منحه الله سبحانه وتعالى فصاحة أنيقة، ولا يخرس عن قول الحق إذا سمع أو رأى من شخص أمراً يخالف الشرع، فينصحه ويعظه بالحكمة والموعظة الحسنة.
وكان عندما يرى بأنه تكلم ولذع شخصاً، يلين بجانبه فيبتسم في وجهه ويدب في قلب خصمه الفرح والسرور والبهجة والحبور، وبالجملة كان مجاهداً مخلصاً، مثالياً، ذا قلب نقي خالص، كل من جالسه أو عايشه يذكره بالخير، ولنا معه ذكريات تبكّي العيون، وفي هذه العجالة نحن بصدد ما نذكر منه من ذكريات جميلة خالدة.
وحياة الشهيد عبيد الله (لطيف) بن محمدالله بن محبوب مباركة طيبة؛ لأنها موجزة في سطورها، مسهبة في معانيها، فقد ولد 1393هـ.ق في قرية داج كرمول بمديرية وته بور بولاية كونر، ونشأ في أسرة كريمة، وإن قل ثراؤها فقد كثر برها وسخاؤها، واستشهد 4 من أغسطس 2014م وله 45 من العمر، فلله دره وعلى الله أجره.
وقد تعلم الدروس الابتدائية شأن سائر أبناء جلدته في قريته، ثم تعلم العلوم العالية في ديار الهجرة بباكستان. وكان يتقن اللغة الإنكليزية وكان خطه جميلاً جداً.
وقد نهل الطالب الناشئ من علوم الشريعة والعقيدة واللسان حتى استوى على سوقه، ثم دخل في الساحات الجهادية ضد الاحتلال السوفييتي مع ابن عمه الشهيد الدكتور نعمت الله. وعندما اضطرت عائلته للهجرة كان حينها في الربيع 18 من عمره، فهاجروا إلى منطقة باجور بباكستان، واستشهد 4 من أعضاء أسرته في الجهاد ضد السوفييت، فاستشهدت أخته آنذاك وكذلك استشهد عماه وجده، حيث قضوا نحبهم في سبيل الله بأيدي قوات السوفييت.
ولقد أظهر الشهيد عبيد الله رحمه الله في عهد الإمارة الإسلامية في ساحات الوغى الدائرة في منطقة بيج دره من ضروب البسالة وصنوف الإقدام ما زادنا إعجاباً به، وإكباراً له، وتقديراً لمزاياه؛ لأنه كان شاباً موفور الشباب، دفاق الحيوية، ممتلئاً فتوة وفروسية. فساهم أيضاً في الحروب الدائرة شمالي البلاد وكان أيضاً مساهماً في الخطوط الأمامية في باميان، وفي الأخير كان قائد لأمن لمديرية غازي آباد.
وبعدما احتلت أميركا بلاد الإسلام لم يجلس الشهيد عبيد الله مكتوف اليدين وناظراً كيف يعبث الاحتلال في البلاد فساداً ودماراً؛ بل بدأ هو وابن عمه الشهيد الدكتور نعمت الله الجهاد مع قلة العتاد والوسائل، لكن مالبث أن استشهد الشهيد نعمت الله في إحدى المداهمات الليلية.
ولقد أتقن الشهيد رحمه الله المتفجرات، وقد زرع كثيراً من الألغام التي أبادت وأعطبت الدبابات الأميركية وناقلاتها، وكان يساهم بنفسه في كثير من العمليات، حتى اضطر مرة أخرى أن يكون مهاجراً إلى الله.
تكبد الشهيد متاعب كثيرة حتى وقع في أسر العدوّ وقضى أكثر من 19 شهراً في سجون الأعداء، فقابل المحنة صابراً، وخرج من محبسه أشد ما يكون حماسة لآرائه الجهادية.
وبفضل إخلاصه وورعه وإتقانه في الحروب والقتال، عُين بداية كقائد ميداني لمجموعة من المجاهدين ثم بعد ذلك صار مدير مديرية نرنج من قبل الإمارة الإسلامية وكان يخدم بإخلاص وتفاني إلى أن نال الشهادة.
كان الشهيد مسكوناً ومغرماً بالعمليات والكمائن ومحاربة أعداء الله. وفي اليوم السابع من عيد الفطر لعام 2014م نصب كميناً لجنود العملاء، وبعد اشتباك طويل دام ساعات طوال، وبعدما أردى كثيراً منهم قتيلاً قضى نحبه في سبيل الله مقبلاً غير مدبر.
يا أيها المسلمون! من قتل دون ماله فهو شهيد. ومن قتل دون عرضه فهو شهيد. فما بالكم بمن قُتل لله ولدينه ولإسلامه ولوطنه ولأرضه ولعرضه؟ واقفاً أمام جنود أمريكا وأذنابهم يواجه رصاصهم الجبان بصدر مفعم بالإيمان، وقلب ثابت على الحق، ليقول لهم: إن هذه الأرض ليست للمحتلين وإنما هي أرضي وأرض آبائي، أرض المسلمين، ولا حق فيها لدولة مستعمرة أيا كانت قيد أنملة.
لا عليك يا بطل. فبعد قليل من استشهادك، جاءك التكريم من فوق سبع سماوات. لا عليك يا شهيد، فقد وقع أجرك على الله وهو أكرم الأكرمين.
و أما أصدق الناس فهم الشهداء، لا يقاتلون لأجل المال ولا لحطام الدنيا وإنما يقاتلون لإعلاء كلمة الله لتكون هي العليا، فهذه النفوس الزكية المزكاة يصطفيها الله سبحانه وتعالى في سبيله، وهكذا تبنى صروح المجد والعزة من دماء هؤلاء وأشلاءهم، استمعوا إلى هذه القصة العجيبة التي يرويها المولوي محمد إسماعيل أحد رفاقه حيث يقول: عندما أراد الشهيد عبيدالله رحمه الله أن يخوض المعركة الأخيرة التي استشهد فيها، قال لأحد أصدقائه: “لو لم استشهد في هذه المعركة ورجعت سالماً، فاعلم أنني منافق ويجب عليك أن تقاطعني ولاتتصل بي” فكان كما كان يتمنى، وصدق الله ظن عبده واصطفاه لصحبته.
وبالجملة فإنه كان بطلاً جمع المجد من أطرافه كلها، حتى لم يفته منه شيء، وهو فوق ذلك كله توّج هامته بتاج العلم والتقى والصلاح، كان لبقاً ذكياً، وبعدما صار قائداً كبيراً للإسلام عرف قبل ذلك أن القيادة إنجاز، قدرة على التغيير، تحمل، تضحية، القيادة تعني الكثير، فكان من أحسن القادات.
وقد خلف الشهيد 5 أبناء، أحدهم فتى عبقري يواصل مسيرة أبيه التي خطها له، ومهدها وعبدها ونورها بدمائه، فهو يمشي في ضوءه، ويواصل درب الجهاد. رحمه الله تعالى رحمة واسعة وأسكنه فسيح الجنان.