شهداؤنا الأبطال: العالم الشاب، الشهيد المولوي نذرالله منيب تقبله الله
عاصم بدخشاني
قبل مدّة أراني أحد الإخوة صفحة فسيبوك الشهيد المولوي نذرالله منيب تقبله الله، وعندما ألقيتُ نظرًا فيها وجدتُ بأنّ الفقيد كان عالمًا يتلهّف ويتألم لأوضاع المسلمين المأساوية، فكان ينادي المسلمين في إحدى تعليقاته ويستفسرهم إلى متى الغفلة والسبات العميق، قوموا وانهضوا وجاهدوا لاسترجاع مجدكم التليد السالف.
وكأنه أحسّ بقرب شهادته يقول في تعليق آخر: إنّ شهادة قيادة المجاهدين وزعمائهم لن تضرّ الصفوف الجهادية بل إنّ دماء الشهيد تروي بستان الجهاد وتنضّره.
أجل؛ آهٍ على فراقه فإنه قد كوّى الأكباد بفراقه وأدمع العيون وذكرياته الجميلة لم تبرح في خيال إخوانه، وإنّ شجاعته وإقدامه وغيرته الفريدة وتضحياته الجسام على لسان الجميع، وقد فاق إخوانه في الذكاء، والإقدام، والخدمة، والخلق الحسن.
كان المجاهدون يعرفونه بحنظلة واسمه المستعار الذي انتخبه لنفسه في الساحة كي يكون مثل الصحابي الجليل غسيل الملائكة، ودخل الساحة الجهادية في حين كانت الساحات بحاجة ماسة إلى أمثاله، وفي حينٍ كانت النفوس تشحّ بأن تكون فداءً للدين وللذود عن حمى الوطن.
الشهيد المولوي نذر الله منيب ابن السيد قيام الدين كان له من العمر 33 عامًا، وقد أبصر النور عام 1365 هـ.ش في قرية ده سرتشان بمديرية ياوان بولاية بدخشان في أسرة ملتزمة ومحبة للجهاد، وعندما وصل إلى سنّ القراءة بدأ تعليم القاعدة البغدادية ثم المصحف الشريف لدى إمام الحيّ، وكان في سن 7 من عمره عام 1372 هـ.ش أرسل إلى ديار الهجرة بباكستان لمواصلة دروسه، لحبّ شديد أهل المنطقة التي ينتمي بطلنا إليه للعلم.
وبعد السفر الشاق والمتعب، وصل المولوي نذر الله إلى منطقة صوابي، إيالت خيبر بختوانخواه، وتعلم الدروس الابتدائية في تلك المنطقة، ولمواصلة الدروس رحل إلى باجور، ودير، وبشاور. وكان يعمل في الإجازات كي يحصل على شيء يكون زاد طريقه العلمي، وكان هذا شأنه حتى تخرّج من إحدى جامعات بلاده.
في ركب الجهاد:
كان الشهيد رحمه الله يتعلم فتعرّف أثناء ذلك ببعض المجاهدين، فتجاذب معهم أطراف الحديث حول احتلال البلاد، وفي نهاية المطاف قرّروا بأن يبدؤوا الجهاد ضدّ المحتلين، فبايعوا الإمارة الإسلامية، ودخل إحدى معسكرات المجاهدين، وتعلم الفنون والعلوم العسكرية، ولفرط ذكائه استطاع أن يتعلم علوم وفنون عسكرية جمّة في مدة قصيرة، وكان يذهب بعد الفينة والأخرى إلى ولايتي كونر ونورستان.
وبعدما وضعت على رأسه عمامة الشرف وتخرّج من الجامعة، أراد أن يكوّن مجموعة جهادية بمساعدة المولوي نجيب الله حفظه الله في مديرية راغستان بولاية بدخشان، فاستطاعوا في مدة قصيرة أن يفتحوا مناطق واسعة، ويرفرفوا رأية الإمارة الإسلامية في تلك المناطق، وبما أنّ الفقيد كان خبيرًا في الشؤون العسكرية، عُيّن كمسؤول جهادي لمديرية راغ، وكان في هذه المسؤولية حتى اصطفاه الله سبحانه وتعالى شهيدًا.
وقد أربكت نشاطات الفقيد العدوّ، فهيّج نوّاب المنطقة الحكومة العميلة كي ينشطوا المليشيا في تلك المنطقة، فقامت الحكومة بتسليح الأراذل وتمويلهم لقتال المجاهدين، إلا أنّ جميع مساعيهم لم تفدهم شيئًا وفشلوا أمام المجاهدين.
استشهاد الفقيد وبعض الذكريات:
كان الفقيد مع كونه المسؤول العسكري لمديريات راغ، إلا أنّه كان دومًا على رأس النفيضة ومقدمة الجيش، وقد شُطب من قاموسه الخوف والهلع، وقد أراد المجاهدون في 27 من رمضان 1437هـ.ق أن يفتحوا مركز مديرية راغستان، فساهم بنفسه في هذه المعركة وأصيب، وبعد أيام استشهد متأثرا بجراحاته العميقة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد أكرمه الله سبحانه وتعالى بكرامة عجيبة بعد مقتله، حيث كان جبينه يتفصد عرقًا لساعات عدة، وتفوح منها رائحة المسك، وهكذا فرح المجاهدون بهذه الكرامة العجيبة.
يقول أحد رفاقه: كان الفقيد دومًا يوصينا بالوحدة والانسجام، ويمنعنا من الاختلاف، لأنّه كان جازمًا سبب نجاحنا في الوحدة وسبب هزيمتنا الشقاق، وكان عارفًا بعواقب الشقاق السيئة، وعندما برز الدواعش في المنطقة كان من أوئل المكافحين ضدّه، ولم يسمح بأن يتسرب هذه الجرثومة الخبيثة التي تهلك الحرث والنسل بين المجاهدين، وكان يحرّض المجاهدين على الخلوص والنية الحسنة، وكان أمله الدائم أن يرزقه الله الشهادة، كان يؤثر المجاهدين على نفسه في جميع الميادين، وكان بريئًا من التصلف والغرور والشهرة.
يقول المولوي عزيز الله منيب أحد زملائه في الدراسة والجهاد: « كنتُ زميل الفقيد في المدرسة والخنادق، وجدته مخلصًا، خلوقًا، كان لا يعرف التعب والمشقات، كان يسعى ليل نهار بأن يطوي بساط ظلم الأمريكان والعملاء من البلاد، كان يمقُمت علماء البلاط والسلاطين، وكان يحذّرهم دوما عمّا هم عليه من تأييد الاحتلال. ومن سماته البارزة أنه كان متقد الذهن، سيال القريحة، وفي الصف كنّا نحو 50 طالبًا، لكنه كان يقرأ عبارة البخاري أمام الأستاذ.
وبعدما استشهد توافد المواطنون والعلماء والطلبة إلى بيت أبيه يعزّونه على فقد فلذة كبده، ويتذاكرون مآثره مع أنّ بيت والده كان في منطقة يحكمها العملاء، فتذكرت الحديث الشريف: إنَّ الله تعالى إذا أحب عبداً دعا جبريلَ، فقال: إنّي أُحِبُّ فلاناً فأحببهُ، فيحبُّهُ جبريلُ، ثمَّ ينادي في السماءِ، فيقول: إنَّ اللهَ يحبُّ فلاناً فأحبوهُ، فيحبُّهُ أهلُ السماءِ، ثمَّ يوضعُ لهُ القبولُ في الأرضِ )رواه مسلم(
وهكذا رحل الفقيد وهو في العقد الثالث من عمره الشريف، وخطب ولكنه لم يتزوج، تقبله الله.