شهداؤنا الأبطال: المجاهد الصنديد والعالم الرباني المولوي أبوبكر تقبله الله
أبويحيى
إن المحن في ميادين الجهاد، وإن وطأة الحروب الضاریات من حِكَم الله عزوجل في سبيله؛ ليغربل الصفوف، ويزكي النفوس، ويرفع الدرجات وبالتالي يميز الخبيث من الطيب، ويمحص الذين آمنوا ويمحق الكافرين، يقول الله عزوجل: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ.
منذ زمان كانت الأعداء على تخطيط وبرمجة ليفاجئوا أبطال الإسلام في خاشرود، ويباغتوهم في عقر دارهم في حزامهم المتين ليصبوا جام حقدهم وغضبهم عليهم، وليشفوا غليلهم الذي لايشفيه بإذن الله إلا سيوف خوالد، ولايطفأها إلا دماء أنفسهم، فشنّوا حملة غير مسبوقة على مديرية خاشرود ولكن دقيقة ومدروسة ظنّا منهم أنهم سيوقعون الخسارة الكبرى في صفوف المجاهدين، وسيفتون في عضدهم، فكانت النفاثات وطيارات الاستطلاع، وطيارات بدون الطيار وأنواع أخرى تحوم في سماء خاشرود.
فقصفت عدة مناطق، واستهدفت أخرى ليمهدوا أرضية الدهم الليلي الذي هي أشد وطأة، فآن الأوان، في ليلة حالكة مظلمة، وتأّزمت حالة المجاهدين، ودارت رحى الحرب بين حزب الله من أهل العقيدة والقرآن مقابل حزب الطاغوت والشيطان، الذين جاؤوا بعدتهم وعتادهم وأتوا من السماء والأرض بجنود مدججين بأفتك أنواع الأسلحة من أحدث طراز؛ لاستئصال شجرة الإسلام، وقلع جذور الجهاد من أرض خاشرود بأفغانستان، ولكن خاب ظنهم، وفوجئوا بضربات عنیفة، ورصاصات قاتلة، ورأوا الأرض قد ضاقت بهم ذرعا وأن الرياح تجري بما لاتشتهي السفن، فتركوا الساحة خائبين، وأقلع الله جرثومة فسادهم، وردهم الله بغيظهم عن هذه الأرض المباركة فلم ينالوا خيرا، أفضحهم بأيدي مجاهدي خاشرود وخذلهم بهذه الطائفة المنصورة وشفيت صدور الموحدين بإنجاز وعده عزوجل: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ). في هذه اللیالي العصیبة، والساعات الحاسمة کنت أتابع أخبار المجاهدین بمنتهی الحزن وبالغ الأسی؛ لما أصابهم من هم وغم، وبما أني کنت بعیدًا عنهم وما کانت لي طاقة للوصول إلیهم لنصرتهم، کنت أتقطع حزنًا وکمدًا؛ لأني کنت في ثغر من ثغور الإسلام في مکان بعيد عن خاشرود، فرأیت صورة غیر واضحة في مجموعة المجاهدین من عدة شهداء لبوا نداء الله، وقضوا نحبهم، قداقتطفهم کورود ملأت الأرض أریجهم الطیبة، فأمعنت النظر إلی صورة الشهداء المتلطخة بالدماء والتراب، ولم تکد تتبين وجوههم فأریتها صدیقا لي، وسألته من هذا الشهید البطل الذي أجاب دعوة ربه، وجاهد حتی قُتل في سبیل الله، ونال بغیته ولایکاد یبین وجهه لغبار الأرض علی وجهه الکریم فأجاب: هو أمیر منطقة خاشرود المولوی أبوبکر تقبله الله، المقدام الباسل، والهصور الکاسر الذي ملأ منطقة خاشرود ببطولاته وشهدت تشخانسور بخدماته للجهاد في سبیل الله عزوجل.
الله أکبر استشهد المولوي أبوبکر الرجل الأبي الأشم، الذي بادر إلی ربه بالهجرة لیقرب إلی الله زلفی، وترك التعلیم والتعلم لیسهم في رفع رایة الإسلام وإعلاء کلمته وفي إرهاب العدو بصدر رحب لاخوف فیه ولارجوع وبعقیدة لازلة فیها ولا اعوجاج، وبنبع علم لإرواء الظمئ، وشفاء غلیل الصدور، والتئام جروح الإسلام.
ولاغرو فإنه عاش معلما ومجاهدا، وأمیرا عادلا، ومربیا صالحا، ومغامرًا مقاتلا یبتغي القتل والموت مظانه، فکان نموذجًا لهذا الحدیث حقا.
قال رسول الله صلی الله علیه وسلم: من خير مَعاشِ النَّاسِ لَهُم، رجلٌ مُمسِكٌ عَنانِ فرسِهِ في سبيلِ اللَّهِ، يَطيرُ على مَتنِهِ، كلَّما سمعَ هيعةً أو فزعةً، طارَ إليها، يَبتغي الموتَ أوِ القتلَ مظانَّهُ.
ولد الشهید الأبي في قریة من قری مديرية تشخانسور بولایة نیمروز في أسرة فقیرة قانعة مؤمنة عابدة وکان أبوه یسعی في المزارع لیزرع ویکسب قوت یومه بكد یمینه وعرق جبینه كي يترعرع أولاده برزق حلال وینشأوا قانعین بما منحهم ربهم الرزاق ذو القوة المتین، فتربی أبناؤه واتخذوا طریق أبیهم في العمل وفي طلب المال ونشأ شهیدنا الأشم بهذا الطریق في بیئة إیمانیة فقیرة، تعلم السعي لطلب الرزق وأكل الحلال من اکتساب یده مستغنیا عن جیوب الناس، والأنظمة المجرمة، آبٍ الخنوع، ورافضا الطأطأة أمام البشر إلی الأبد.
وتعلم الزهد والهمة والقناعة منذ صغره من أبیه وأسرته، فما مضت أعوام من نشأته إلا والتحق بمدرسة في منطقة تشخانسور لیکون صدقة جاریة لأبیه وأمه وخادما لأمته وشعبه المکلوم، فمکث هناك سنتین یتعلم العلم من خیر معینه ومجراه ویتعرف علی دینه وعقیدته، وبعد عامین من دراسته التحق بمدرسة في مدینة غرغري، وبعده سجل اسمه مع طلاب العلم بمدرسة عظیم آباد في منطقة لوتك بمدینة زابل ومکث سنتین هناك، ثم شدّ الرحال لانتهال جرعات العلم والمعرفة بباکستان، فأکمل السنتین الأخیرتین من دراسته في إحدى المدارس العريقة.
وکان شهیدنا البطل کبعض من أصدقائه يقضي أیام الإجازات السنوية في ساحات القتال ومیادین الجهاد مخاطرًا ومجالدًا في حروب ضارية وطالبًا أجر القتال والرباط والذود عن المجاهدین والمسلمین.
فانهمك الشیخ الشهید بعد تخرجه في تعلیم الطلاب في ولاية نیمروز ثم التحق بمدرسةٍ في مديرية تشخانسور، فشمر عن ساق الجد والجهد وشد عضده لیمهد سبیل نصرة الحق والخدمة في طریقه لجیل بعده واجتهد في مجال التدریس وتنظیم أمور المدرسة وتنسیقها بمستوی عال وبکیفیة مرموقة.
کان الشهید إسماعیل(المولوي أبوبکر) منذ نعومة أظفاره صاحب عزم قوي، وهمة عالية، وعندما عُیّن بمدرسة تشخانسور کأستاذ ومسئول في تلك المدرسة کان یسعی في مجال التدریس والتعلیم ولم يأل جهدا ومع ذلك کان یعاون أباه في زراعته وکان یشترك في الزراعة في کثیر من الأحیان؛ لأن أسرته كانت تكابد مشکلة الفاقة وقلة العيش.
کان یخطط لجمیع الأمور ولايعبأ بالمتاعب والثقال ولم یأذن یومًا واحدًا في حیاته للکسل والهوان أن یتسرب فیه، وینال عن همته وفضله. وکان یدرّس کل یوم في هذه المدرسة من الصباح إلی العصر في حصص مختلفة، ویطالع الکتب بعدها ویستعد لتدریس الغد، ویتحمل مشقة بُعد بیته عن المدرسة فکان يختلف کل یوم من المدرسة إلی البیت راجلا.
ولايعزبنّ عن البال فكما أنه كان مدرسًا يربي أبناء الأمة كان مجاهدًا يعمل في خفاء ليفت في عضد العدوّ دون أن يشعر العدوّ بوجوده، وعندما عُین أمیرًا لمنطقة خاشرود، أجهد نفسه لمشروع الجهاد بحتا، وبدأ بالأهبة الكاملة والإعداد الملحوظ لمقابلة أعداء الله عزوجل، وجنّد جنود الله لهجمات مبيدة وحروب مُجهزة، لقلع المنافقین والصلیبیین عن المنطقة، ولإلقاء الرعب في قلوبهم النتنة، فقام بإضرام نيران الحملات والهجمات بإستَراتيجيات وتكتيكات حربية نوعية. صار الزهد والقناعة والأمانة جبلتان له بعد أن نشأ في بیت زاهد في أحضان أب قانع وفي مصاحبة إخوة قانعین بما یرزقهم الله من قلیل ولم یطمع یوما في مال المدرسة زمن دارسته وتدریسه ولابمال بیت مال المجاهدین عندما دخل ساحة الجهاد ولابعد أن عین کأمیر عام لمنطقة خاشرود، مرة ٱعطي له من بیت مال المجاهدین دراجة ناریة لأهداف جهادیة یتبعها في تشخانسور فثقل هذه الدراجة علی کاهله فرده إلی بیت المال وطفق بادخار نقوده لاشتراء الدراجة الناریة.
وکان یکتفي براتبه الشهري الذي تعطیه المدرسة ومرت أیامه بالشدة والمشقة. ولقد سرت صفة الإیثار في طیات جنانه وسویداء قلبه فکان مع ما به من العَوَز والخصاصة يؤثر المجاهدین علی نفسه ويفضل طریق الجهاد علی عیشه باستقباله لضیوفه المجاهدين بحفاوة بالغة والتعاون مع فقیرهم. یقول صدیقه الحميم المولوي أنس حفظه الله: اشتهر الشهید البطل بالشجاعة علی مدی خاشرود وکان نموذجا للتقوی والخوف من الله عزوجل وأعجبنا إیثاره المعجب ولقد کان أسوة حسنة لنا في جمیع مجالات الجهاد.
وبعد أن أرعب جیوش الصلیب وأذنابهم في تشخانسور وأفرغ قصارى جهده لتفجیر معاقلهم، إذ ظهر ما کان کامنا عن أفعاله الجهادیة وأهدافه العالیة وطموحاته الشامخة لدكّ صروح الأعداء وقطعِ جذورهم فظهر أمره وتم الکشف عنه وعن نشاطاته الجهادیة فهاجر إلی أرض العز والقتال المخضبة بدماء الأبطال والمنقشة علی أرضها شجاعة الرجال. کان الشهید رحمه الله ممن لبی نداء الجهاد وعمل بمقتضی علمه وخطى خطوة أسلافه من الرسول صلی الله علیه وسلم والصحابة ومن علماء التابعین کأبي داود الذي کتب سننه في الرباط وکابن تیمیة رحمه الله تاج العلماء والفضلاء الذي اشترك في الجهاد وسعی في هذا المجال أکثر من جمیع أهل بلده من العلماء.
کتب الأخ أبوالجهاد حول شخصیة الشهید أبوبکر رحمه الله: لقد هاجر الأخ المولوي أبوبکر مع أهله للذود عن حمی الدین إلی منطقة لم یتعرف من قبل علی أهلها، لکن الدین والعقیدة لهما میزة وهي (من يغادر أهل منطقتها لأجلهما سیعطیه الله أهلا أحسن من ذي قبل.
کان المولوي أبوبکر کمسئول عام لمنطقة خاشرود وجاهد تحت أمره کثیر من المجاهدین من شرائح مختلف لکن خلقه ولینه في الکلام کان یدفعه نحو المعالي والقمم بلا أي تشتت ولا اختلاف.
کان صاحب عیش بسیط وخالیا عن أي خيلاء وتکبر، لم یتبختر یوما لإمارته ومسئولیته بل یحسب نفسه کأحد من المجاهدین الجدد، تعلم العلم، هاجر، جاهد وأخیرا طارت روحه إلى المحبوب وارتقی إلی رفیقه الأعلی، على إثر هجمة داهمة من الصلیبیین الوحوش وعبادهم في قتال عنیف وبعد أن هلك غير واحد من المحتلیین وعبيدهم، نال بغیته وشرب کأس الشهادة تقبله الله انتهی کلامه.
رحم الله هذا الفارس الصندید وتقبل الله هذا البطل المغوار الذي تعلم العلم لیکون في حیاته وجهاده علی بصیرة من أمره وهاجر لیکون من الذین تولوا علی الدنیا وترکوها مع جمیع مافیها وفروا إلی الله عزوجل، وجاهد حق الجهاد لیکون من المدافعین عن دین الله عزوجل بعلمهم وقوتهم وأخیرا استشهد في سبیل الله وبقي عنه في قلوب إخوانه من المجاهدین حزن وقلق وشوق له کأثر بعد عین رحمه الله رحمة واسعة.
ولنعلم أن أي شعب في تاریخ الإسلام تقدم في مجال الجهاد ونفض رجاله عنهم غبار الکسل وانهمكوا في الرباط والقتال وعشقوا الجهاد في سبیل الله وملاقاته عزوجل والتحاق برسوله وبعباده الصالحین في الجنة واشتاقوا الموت وسار علمائهم علی متنهم یبتغون القتل والموت مظانه أعزهم الله عزوجل وأهداهم قیادة الأمة الإسلامیة وزمام خدمتها. وأي شعب تخلّف رجاله عن الغزو ولم یغزوا ولم یرموا ولم یجهزوا غازیا ولم یخلفوا مجاهدا في أهل بیتهم وأخذوا أذناب البقر وأکبوا علی الدنیا ودخلوا في الأسواق ولم یشترك علمائهم في الجهاد ولم یدعوا إلیه، أذلهم الله عزوجل وسلط علیهم الذل وسلّط علیهم ملوكا لم یرحموا عليهم وعذبوهم ونکلوا بهم وجعلوهم عبرة لمن اعتبر.
ولیعلم کل محتل وحشي لایرحمنا وکل منافق غبي من عباد الصلیب من بني جلدتنا أن أي إقدام منهم سنجیبه بقتالهم وتفجیر دباباتهم وإهراق دمائهم وإننا منصورون إلی قیام الساعة بإذن الله عزوجل إما بالفتح وإما بالشهادة في سبیل الله عزوجل فلایخدعنّکم دباباتکم وطائراتکم فقد جبنتم عن لقائنا وربنا عزوجل سینصرنا إن شاءالله. فرحم الله الشهید البطل الذي کان خیر أسوة لمن اتبعه وألحقنا بهم وجعلنا في خدمتهم.