شهداؤنا الأبطالمقالات الأعداد السابقة

شهداؤنا الأبطال: من أقمار الشهادة

سعيد مبارز- شمس الله فاريابي

 

لله درّ أبطال مغاوير صفاتهم عظيمة جليلة ومحيّرة للعقول، وثمرة جهادهم رائعة وماثلة للعيان في لمعانها وضوئها للسائرين، وبمعرفة سيَرهم البطولية يلتهب القلب محبةً وشوقًا لهم ولخدماتهم الجليلة التي قدّموها للإسلام والمسلمين، ومن هنا يسعى المطّلع على سير هؤلاء كي يخطو خطوهم، ويحذو حذوهم للتمثل في صفاتِهم، فسيرتُهم هي بمثابة منارات ومعالم على الطريق، وأنوار تضيء طريق السائرين في درب المجاهدين.

 

الشهيد المولوي حمد الله خطّاب رحمه الله

ولد الشهيد رحمه الله في منطقة جواجه بمديرية ساغر بولاية غور في يوم الثلاثاء ۱۸ شعبان ۱۴۱۱هـ.ق، حيث كانت مديرية ساغر على موعد مع شمس من شموس الإباء والكرامة، إنه حمدالله بن المولوي عبد الرشيد، ابن الإمارة الإسلامية المجاهدة، وفارس الأسلحة والميدان والتي استطاع بواسطتها أن يحول حياة المحتلين والعملاء إلى حياة مرعبة ودموية ليلقنهم الدرس تلو الآخر.

وسط أسرة مؤمنة بالله، وفي رحاب جو إيماني طاهر زكي، ترعرع شهيدنا المقدام، وتحلى بقيم الإسلام العظيم، ليكون الزهرة الفواحة في عالم الشوك والمرار، وبدأ مشواره العلمي في مسجد الحي لدى أبيه الكريم. ثم سافر عام ۱۴۲۵ هـ.ق إلى باكستان لينهل من ينابيع العلم العذبة في تلك الديار. وإنْ طال مشواره العلمي لأجل خدماته الجهادية إلا أنّه وفق بالتخرج من العلوم الشرعية عام ۱۴۳۸هـ.ق لدى شيخ الحديث المفتي محمد إسحاق حفظه الله وهكذا وُضعت على رأسه عمامة الشرف.

الشهيد المولوي خطاب رحمه الله كان كسائر علماء وطلاب البلاد الأبطال التحق بقافلة الأحرار إنها القافلة التي لا تتوقف، قافلة تمضي بلا انقطاع، تشق طريقها نحو جنة العلياء. وكان  حبّ الجهاد إلى سويداء قلبه منذ أن كان طالب علم وفي الإجازات كان يشغل نفسه بالأمور الجهادية في مختلف أرجاء البلاد. واشتغل بالأمور الجهادية عام ۱۴۳۱هـ.ق إلى 1433هـ.ق في مديرية كرخ بولاية هرات.

وبعد تخرّج الشهيد خطاب رحمه الله من العلوم الشرعية رجع إلى بيته، فلم يجلس مكتوف اليدين وناعم البال، بل أشغلت فكره أوضاع شعبه المأساوية، فشمّر عن ساق الجدّ والتحق بصفوف الإمارة الإسلامية.

كان همّه الوحيد رضى المولى تبارك وتعالى في جميع أموره الجهادية ويرجّح ذلك على أي شيء آخر، ولأجل ذلك رضي بأن تكون وسادته الحجر، وسريره التراب وبيته الجبال ويرضى بقليل من الخبز والماء يسدّ رمقه. وكان في أموره الجهادية حتى صار أمير مجموعة في منطقته وهكذا يشنّون الغارات على العدوّ.

عرف “الشهيد خطاب رحمه الله” بين إخوانه أنه صاحب الابتسامة الدائمة التي كانت ترتسم على وجهه عند مقابلته أي شخص سواء كان يعرفه أو لا يعرفه، يحب مساعدة الآخرين وإدخال السرور في نفوس الجميع، فكان يشارك الجميع أفراحهم وأتراحهم، مجاهد بذل كل وقته وجهده في خدمة دعوته دون كلل أو ملل، وكان يؤدّي دوره على أكمل الوجه.

وبعد مشوار طويل من الجهاد والبطولة والإباء التحق الشهيد خطاب رحمه الله بقافلة الشهداء في 28 شوال 1440 هـ.ق في إحدى عمليات المجاهدين على الجنود العملاء، ليمضي إلى ربه بعد حياةٍ مباركةٍ حافلةٍ بالعطاء والجهاد والتضحية والرباط في سبيل الله. نحسبه من الشهداء الأبرار الأطهار ولا نزكي على الله أحدًا، ونسأل الله أن يتقبله في الشهداء، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يرزق أهله جميل الصبر وحسن العزاء وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

الشهيد الشيخ محمد سرور ظريف رحمه الله

في عام ۱۳۸۳هـ.ق الموافق 1963م ولد الحاج الشيخ سرور بن بهاؤالدين جل في قرية قره غويلي بمديرية ألمار بولاية فارياب، في بيتٍ من البيوت البسيطة، وفي أحضان أسرة ملتزمة مشهود لها بين الناس بالخير والصلاح تربى شهيدنا، فقد سقته من لبن العزَّة والكرامة حتى ارتوى، فكبر قويًا شامخًا يعشق تراب وهواء وطنه.

تلّقى الشهيد -رحمه الله- تعليمه الابتدائي والإعدادي في قرية آبائه في قرية سرفيلك، ثم درس لفترة لدى الشيخ عبد العزيز رحمه الله، ثم رحل إلى دارالهجرة بإيران وقرأ دروسه في مدينة مشهد الإيرانية. وبعدما رجع إلى بلاده أمّم الناس في الصلاة برهةً من الزمن.

وعندما صعد نجم الإمارة الإسلامية التحق بصفوف الإمارة الإسلامية، وكان له ما أراد، فقد أصبح واحداً من المجاهدين في سبيل الله على أرض الرباط. والقتال، وعندما غدر الجنرال عبد الملك بالإمارة الإسلامية كان هو من ضمن الأسرى بأيديه، وبعدما أطلق سراحه ذهب إلى هرات، ومكث مدّة في جبهة الشيخ عبد الرحمن، وعندما فتح المجاهدون شمالي البلاد، ذهب الشهيد إلى ولاية فارياب وعُيّن من قبل الإمارة الإسلامية مسؤول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مديرية ألمار.

وبقي على هذه المسؤولية نحو 4 سنوات، وأدّى وظيفته على أفضل طريقة ممكنة، وفي نفس الوقت كان مسؤولًا لمديرية ألمار المركزية. كان رحمه الله نِعم المجاهد المثابر المعطاء المؤمن الملتزم، الذي كان لا يتوانى عن العمل في أي مهمة توكلها القيادة له.

وبعدما هاجمت أمريكا بلاد الإسلام، هاجر الفقيد إلى إيران ومكث هنالك زهاء عامين، ثم رجع مرّة أخرى إلى بلاده كي يكافح المحتلين، وجُرح مرّة في منطقة تيزنابه بمديرية غورماتش بولاية بادغيس في مداهمة للأمريكان،وقضى فترة في السجن بمدينة ميمنه، ثم أطلق سراحه بواسطة وجهاء القبائل وبدأ بعد ذلك بإمامة مسجد في منطقتهم. ثم ذهب حاجًّا لزيارة الحرمين الشريفين، وعاش هنالك نحو 3 أعوام.

وبعدما رجع من السعودية، لم تسمح له غيرته الموفورة وعواطفه الجيّاشة كي يجلس في البيت مكتوف اليدين، بل بدأ مشواره الجهادي عام   ۱۴۳۲هـ.ق مرة أخرى مقاتلا ومناضلا. وبعدما استشهد الملا صدر الدين مهدي رحمه الله، خلّفه في مجموعته كي يقود المجاهدين برهة من الزمن. وأدّى مسؤوليات مختلفة، حيث كان نائب المسؤول الجهادي لمديرية ألمار. ثم صار المسؤول الجهادي لمديرية ألمار نحو 5 أعوام، كما كان مسؤولا لمديرية خيبر لعام، وكان يساهم بنفسه مع المجاهدين في العمليات.

وأخيرا قام الأمريكان بمداهمات عديدة على منطقة قره غويلي، إلا أنهم صادموا كل مرة بمقاومة عنيفة من قبل المجاهدين، وخابوا وفشلوا في كل مرّة وفروا من المنطقة يجرّون أذيال الخيبة والخسران.

وفي إحدى عمليات العدوّ على مركز الشهيد واجه العدوّ مقاومة شديدة من قبل المجاهدين حيث قتل 4 من جنود الأمريكان و6 من الجنود الكوماندوز وجرح آخرون.

فبعد رحلة جهادية طويلة صعدت روحه الطَاهرة إِلى رَبها شاهدةً عَلى ثَباته وصبره واحتِسابه، فما وهن ولا استكان، ولم يعرف للراحة طعم، ليلحق على عجل مبتسماً مرحاً سعيداً بركب الشهداء.

كان الشهيد على موعد الفراق لهذه الدنيا الزائلة والانتقال لجنة الخلود والبقاء شهيدًا –بإذن الله تعالى- يوم الأربعاء۱۱ محرم۱۴۴۱ الموافق 11/06/2019م وذلك نتيجة غارة طيارة بدون طيار في منطقة “شمس عرب” بمديرية ألمار بولاية فارياب، وله من العمر 56 عامًا، ليغادر دنيانا وما غيّر أو بدّل ولا تخاذل أو تقاعس، بل نذر نفسه لله مجاهدًا حتى لقي الله على ذلك، نحسبه من الشهداء والله حسيبه ولا نزكيه على الله. واستشهد معه رفاقه الملا صبغة الله، والقاري نجيب الله سيرت، والملا قطب الدين خادم والملا معروف شمس الله رحمهم الله تعالى وأسكنهم فسيح جناته.

رحمك الله يا أيها الشيخ المفضال المقدام وتقبلك شهيدًا مجاهدًا مع النبيين والصديقين والشهداء، وصبّر من بعدك أهلك وإخوانك ورفاق دربك وكل محبيك، وأكرمهم بشفاعتك وأظلهم معك بظله يوم لا ظل إلا ظله.

خلّف الشهيد من خلفه 5 أولاد، بما فيهم كبيرهم عبد العزيز الذي يقود الآن جماعة أبيه في قتال الأمريكان، نسأل الله أن يثبته ويوفقه فيما يحب ويرضى، ويجعله خير خلف لخير سلف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى