شهداؤنا الابطال: صورة وصفية عن الشهيد القارئ سيد أحمد «شعيب» رحمه الله
لاشك بأنّ الشهداء العظام هم صُنّاع المجد، وبناة الأمم، يبنون بأشلائهم صرح الدولة الإسلامية التي افتقدها المسلمون زهاء قرنٍ كاملٍ، ويخطّون للأمّة الإسلامية عزتها بجماجمهم، أجسادهم بنيان الكرامة، ودماؤهم ماء الحياة لهذا الدين وإلى يوم القيامة.
هم شهداء يشهدون أنَّ المبادئ أغلى من الحياة، وأن القيم أثمن من الأرواح، وأن الشرائع التي يعيش الإنسان لتطبيقها أغلى من الأجساد، وأمم لا تقدم الدماء لا تستحق الحياة، ولن تعيش. يقول تعالى: (إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
طفولة الشهيد:
في قرية بي بي يان بمديرية غور بولاية غور، كانت أفغانستان على موعد مع فارس جديد إنه الشهيد القارئ سيد أحمد «شعيب» بن الملا عبد الكريم، الذي ولد في عام 1990م في إحدى الولايات البطولة والفداء.
كان في طفولته طائعا لوالديه، غيورا على أهله وكان ذكيا فطنا، نشأ في أسرة محافظة ومتدينة، وكان مساعدا لأمه في البيت منذ صغره، وكثيرا ما كان يتحلى بأخلاق عالية، وصفات سامية جعلت الجميع يحبه ويحب مجالسته، حيث كان طفلا هادئا محبوبا ممن حوله من الأهل والجيران والأقارب، منذ طفولته كان يحب اللعب والضحك والمزاح مع والدته وإخوته.
مسيرته التعليمية:
بدأ رحمه الله دراساته الابتدائية في قريته لدى إمام الحي، ثم تتلمذ لدى شيوخ كبار في منطقة آبائه، وكان يدرس في المدرسة، وينهل من معين العلوم الإسلامية، لكي يأخذ قسطًا وافرًا من العلوم التي تنيّر دربه للجهاد في سبيل الله. فبدون العلم يعثر المرء ويجد المشكلات في هذا الطريق. ولا أقل من شعلة أو جذوة للسائرين في هذا الدرب كي يأمنوا من الانزلاق أو التحريف أو زلة الطريق.
في ركاب المجاهدين:
وعندما كان رحمه الله يدرس في المدرسة بدأت في ذلك الزمان تحركات مجاهدي الإمارة الإسلامية في مناطق دولينه ضدّ عملاء إدارة كابول، فكان له دورٌ ملموس في النشاطات الجهادية مع سائر إخوانه.
وكان من ضمن الشباب الغيّورين والطلبة الشجعان المتحمّسين الأوائل الذين التحقوا لصفوف الإمارة الإسلامية وانطلقوا لإحياء الإمارة الإسلامية التي قام الصليبيون بإزالتها من أفغانستان، فكان من الأوائل السابقين في مديرية دولينه، وناضل الأعداء وجهًا لوجه.
في مدرسة يوسف عليه السلام:
جرّب الشهيد رحمه الله معاناة مدرسة يوسف عليه السلام، وكان عليه أن يذوق مرارة الأسر في سبيل الدّفاع عن عقيدته، ومقدسات الإسلام وقيمه، وفي إحدى المعارك التي دارت بين المجاهدين والعملاء في مديرية دولينه، قاتل الشهيد رحمه الله بكل بسالة وشجاعة لكنّه وقع في نهاية المطاف أسيرًا بيد العملاء فودّعوه السجن.
كان رحمه الله على علمٍ بأنّه لم يزل في منتصف الطريق، ولم يؤدّ مسؤوليته كاملة، فعليه بأن يدافع عن الإسلام وأعراض المسلمين بالنّفس والنفيس، والغالي والرخيص، وعليه أن يمتشق بندقيّته، ويتدرّع بخندقه، ويقود المجاهدين بكتاب يهدي وسيف ينصر حتى النّصر أو الشهادة.
فاغتنم الفرصة وبدأ بحفظ القرآن الكريم داخل سجنه، وكان يتعلم بجانب ذلك وينهل عن معين العلوم الصافية، وبقي على هذه الحال ثابتًا وصابرًا زهاء 5 سنوات، وبعدما أنهى 5 سنوات خلف قضبان الألم والعذاب، أطلِقَ سراحُه عام 1439هـ.ق، فرجع إلى أحضان أسرته الكريمة ومن ثمة إلى أصدقائه في خنادق القتال.
كان رحمه الله خلوقًا محببا بين أحبابه، هشاشا بشاشًا، يشعّ النّور من جبينه، مزيّنا نفسه بسنن النبي صلى الله عليه وسلم وأوصافه، ومتوسّمًا بأوصاف حميدة، كان مقدامًا شجاعًا، حليمًا متواضعًا، دمث الأخلاق، والإيثار من أبرز سماته.
على موعد:
وبعد الأسر لم يجلس في بيته مكتوف اليدين، بل التحق لصفوف الإمارة الإسلامية وإلى خنادق القتال بعزمٍ جديد، فكانت له نشاطات جليلة في عملية الخندق المباركة، تلك العملية التي أطلقها المجاهدون في العام الحالي، فأراد هو مع إخوانه المجاهدين الآخرين بأن يطهّروا مناطق واسعة من مديرية دولينه، فكان على مقدمة الجيش وعلى رأس النّفيضة في جميع المعارك، إلى أن جاء اليوم الموعود، وفي أثناء المعارك الدائرة بين المجاهدين والعملاء في منطقة منج بمديرية جهارصده بولاية غور، سقط شهيدنا مجندلًا بدمائه، وضمّخ الثرى بنجيعه الطاهر عصر يوم الثلاثاء 29 من محرم الحرام 1440 هـ.ق، الموافق بـ 9 أكتوبر 2018م، وكان له من العمر 28 عامًا، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.