الفساد ينخر جسد حكومة المفكر!
منذ بدء احتلال البلاد، بات الفساد بمثابة روتين يومي لازم في عموم بلادنا، ويقال أنه لا حديث بين رجال السياسية والدبلوماسيين الأجانب في العاصمة كابل سوى مسألة تفاقم الفساد الذي طال كبار المسؤولين والموظفين في الإدارة. وقد حازت أفغانستان -بحسب بمنظمة الشفافية الدولية- على المرتبة الثالثة في قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم في عام 2015م، بعد الصومال التي جاءت في المرتبة الأولى وكوريا الشمالية التي جاءت في المرتبة الثانية. وذكرت وكالات الأنباء أن ملايين الدولارات التي كان من المفترض -بزعمهم- أن تنفق على إعادة إعمار أفغانستان نهبت أو تم تبديدها كلياً.
وقالت المنظمة المشار إليها أن المواطنين يجدون أنفسهم فريسة للفقر في البلاد، بينما ينعم المسؤولون الفاسدون فيها بالأموال، وأضافت المنظمة أن تجارة البشر ووفيات الأطفال وانخفاض المستوى التعليمي والفساد البيئي والإرهاب هي ضمن المآسي التي يغذّيها هذا الفساد.
ومؤخراً جدد أحد ربّاني السفينة (المفكر أشرف غني)، الخبير الاقتصادي الذي حقق شهرة عالمية في هذا القطاع؛ عزمه مكافحة الفساد المستشري في البلاد قائلاً: «لدينا نخبة كل همها النهب»، وأكد غني في تصريح تناولته وسائل الإعلام: “لقد تم انتخابي لتغيير ذلك”، وأضاف قائلا: “أن ملايين اليورو من أموال المساعدات تدفقت إلى أفغانستان، لكن 41% من السكان في أفغانستان مازال يعيشون تحت خط الفقر بدخل يقل عن 1.25 دولار يومياً، في حين يحقق مسؤولون فاسدون ثراءً فاحشاً جدا”. وتتربع أفغانستان في قمة الدول الفاسدة في العالم في الوقت الذي فشل فيه المفكر تماماً في تحقيق أكثر من 205 تعهداً من تعهداته للشعب في الحملات الانتخابية، وعلى رأس هذه التعهدات إعادة الأمن والاستقرار والمعيشة الهادئة للمواطنين.
مسكين هو لأنه محاط بأمراء الحرب. وبمجرد النظر إلى المسؤولين في حكومته الحالية فإنك لن تجد إلا الفاسدين، ومهربي المخدرات، ولوردات الحرب، وقد اجتمع كل هؤلاء الفاسدين تحت المظلة الأميركية. وقد أرادت أميركا احتضان هؤلاء، وكانت النتيجة أن بدأ الفساد الإداري والمالي يزداد بمرور كل يوم، وقد تعززت ثقافة الفساد وأصبح أكثر من نصف الميزانيات التي وصلت إلى أفغانستان تذهب إلى جيوب لوردات الحرب والمنظمات الدولية على هيئة المرافق والرواتب العالية لموظفيها، وأهدرت كل تلك الأموال بسبب تفشي الفساد المالي والإداري على جميع الأصعدة في الدولة.
وما يُعرف باسم “حكومة المفكر” ماهي إلا طغمة من الخونة، أمراء الحرب، وأباطرة تجارة المخدّرات، وغيرهم من الأطراف الذين كانوا في عهد كرزاي، أصحاب الكلمة المسموعة، وهم يعتبرون الآن أيضًا من الفائزين الحقيقيين، فالمساعدات المالية سوف تستمر على الأرجح في التدفّق إلى جيوبهم، بينما ستبقى مكانة سلطتهم مثلما كانت، من دون أي مساس أو تغيير، فيزداد الفساد لأنهم مفسدون حتى النخاع.
ونذكر هنا مقالاً نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية قال فيه الكاتب: إنه بعد عشرات الأعوام من الحرب في أفغانستان، وبعد إنفاق أكثر من 400 مليار جنيه إسترليني وعدد غير معروف من القتلى؛ نترك أفغانستان في حال أسوأ من حالها حين دخلناها. وأضاف قائلا: لم يتحقق أي شيء من أهداف الحرب في أفغانستان، بل إن الدولة الآن أصبحت تُدار بواسطة “العصابات وأمراء الحرب” وخير شاهد على ذلك أن نحو 900 مليون دولار هربت من البلاد في فترة خمسة أعوام وأن هذه الأموال نقلت إلى حسابات مصرفية في 28 دولة بينها الإمارات العربية المتحدة ولاتفيا والصين وتركمانستان وبريطانيا وكازاخستان وكوريا الجنوبية وتركيا وروسيا والولايات المتحدة وسويسرا.
واتهمت هيئة رقابية حكومية أمريكية البنتاغون مؤخراً بتبديد الملايين على مشاريع إعادة تعمير “غير مدروسة” في أفغانستان. وخلال 5 أعوام، أنفق فريق الأعمال وعمليات – ما يسمى- الاستقرار نحو 800 مليون دولار على مشاريع إنمائية. لكن الله ينذر الكافرين الذين ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله بأنها ستعود عليهم بالحسرة. إنهم سينفقونها لتضيع في النهاية، وليُغلَبوا هم وينتصر الحق انتصاراً باهراً.
هذا ومن جانب أخر، عقد الكثيرون من المواطنين آمالهم على أشرف غني، المفكر، لكن للأسف فقد عزز بنفسه قاعدته السياسية بأمراء الحرب والمجرمين المفسدين وعلى سبيل المثال: أمير الحرب الأوزبكي الشيوعي الأصل عبد الرشيد دوستم -الذي يسمي نفسه – صانع الملوك – أجلسه للعمل معه وجعله نائباً له في رئاسة البلاد، وكان دوستم قبل ذلك من رموز النظام الشيوعي للرئيس نجيب الله وأحد قادة الجيش، وقد تخلى عن حليفه القديم نجيب الله، وفتح المجال لخصومه، لكنه اختلف معهم أيضا وخاضت ميليشياته الأوزبكية معارك طاحنة مع المجاهدين، راح ضحيتها آلاف داخل العاصمة كابل قبل أن ينسحب منها.
دوستم هذا سيطر على مناطق الشمال ذات الأكثرية الأوزبكية منذ الأيام الأولى لسقوط نظام نجيب، واتخذ مزار شريف عاصمة ومعقلاً له، وفيما بعد شغل دوستم منصب أحد نواب الرئيس المخلوع برهان الدين رباني لفترة وجيزة.
وبسبب انتخاب دوستم نائباً للمفكر، انصدم في المقام الأوّل أتباعه من الشعب الأبي الأصيل؛ لأنَّ عبد الرشيد دوستم متعطش للدماء، وقد اشتهر في الماضي هو وميليشياته قبل كلّ شيء بارتكاب المجازر ضدّ قومية البشتون، وفي الأيام الأولى للاحتلال مارس عملية إبادة جماعية لعدد ضخم من الأسرى في قلعة “جانكي” بعد أن تم تأمينهم على حياتهم وأرواحهم في القلعة التي كانت تخضع لأوامر”رشيد دوستم” وقد تعرضت قلعة “جانكي” لعملية إبادة كاملة للأسرى في صورة من الوحشية المفرطة، حيث تم قصف القلعة بالمدفعية من جانب قوات التحالف الشمالي، والقصف بالطائرات الأمريكية عقب اصطناع ما سُمي بتمرد المقاتلين، وهي كانت مؤامرة متفق عليها بقصد إبادة مئات من الأسرى من عناصر حركة طالبان الإسلامية، والواقع أن هذا السلوك المفرط في البربرية والوحشية، كان متنافيا لأبسط مبادئ الأخلاق والقانون والشرف، إذ كيف يستطيع مجرم بأوامر من أسياده أن يرتكب هذه الجريمة البشعة ضد أسرى عزل لا حول لهم ولا قوة بعد أن تم تأمينهم على حياتهم وأرواحهم.
إن ما حدث في قلعة “جانكي” هو جريمة حرب بشعة، ستظل وصمة عار، وشاهد إدانة لا يغيب على سقوط مجتمع القانون الدولي والعودة إلى قانون الغابة، العصر الذي تسود فيه القوة والجبروت وتعلو على الحق والعدل.
نعم إنَّ أشرف غني إذ صار يتحالف مع مثل هؤلاء المجرمين، فقد أدّى هذا إلى تبديد آمال الكثيرين من المواطنين الشرفاء، وزرع الفساد وإنمائه بكل ما في الكلمة من معنى.
من ناحية أخرى، قام المفكر في اليوم الأوّل بعد أدائه اليمين الدستورية بالتوقيع على “اتّفاقية الشراكة الاستراتيجية” (الاتّفاقية الأمنية الثنائية) مع الولايات المتّحدة الأمريكية، الاتفاقية التي تنص على أمور من بينها الاستمرار في منح الحصانة لجنود الاحتلال وعدم ملاحقتهم قانونياً وجنائياً في عمليات مثل المداهمات الليلية، وغارات الطائرات المسيّرة بدون طيّار، وعمليات خطف “المتّهمين بالإرهاب” والجرائم الأخرى، والجدير بالذكرأن سلفه كرزي امتنع بشدة عن التوقيع على هذه الاتّفاقية المشؤومة، أمَّا المفكر فقد أعلن منذ البداية عن أنَّ توقيع هذه الاتّفاقية سيكون أوَّل إجراء رسمي سيتّخذه، وقد فعل.
وهاهي إدارته قد تحولت إلى حكم جوقة من الفاسدين والمرتشين الذين لا يستطيعون فعل شيء لإسعاد الشعب، فلا يمكن لإدارة فاسدة ومفلسة أخلاقياً وعملياً أن تقوم بإدارة الدولة وتوفير سبل العيش الكريم للمواطن.
أرى خلل الرماد وميض جمر ويوشك أن يكون له ضرام.