طائرات بدون طيار .. لحروب بدون نهاية
بقلم: مصطفى حامد (أبوالوليد المصري)
■ بعد هزيمتها في أفغانستان نقلت أمريكا أسلوبها الجديد في الحرب، للقتال في أوكرانيا.
■ طائرات (الدرونز) هي عماد الحرب الأمريكية على أفغانستان، كما في أوكرانيا ضد روسيا.
■ أدوات أمريكا للقتال الأرضي: الجيش السري ـ المليشيات القديمة ـ الدواعش ـ المرتزقة العابرون.
■ مجلس الأمن الإقليمي ضرورة لتأمين المنطقة.
■ في صدارة اهتمامات مجلس الأمن الإقليمي، موضوع الأمن الاقتصادي لمواجهة الحرب الاقتصادية التي تشنها أمريكا على الشعوب.
يعتبر الأمن من المشاكل الهامة التي تواجه الإمارة الإسلامية، والتي يستخدمها الأعداء بهدف عرقلة بناء الاقتصاد، وتفكيك البنيان الاجتماعي، وحتى تنشغل الإمارة بمشاكلها الأمنية عن تحدي بناء أفغانستان من جديد. ويستخدم العدو أيضا أسلوب إشعال الحروب بين الإمارة ودول الجوار، إما لأسباب واقعية مثل التعدي على حدود أفغانستان كما هو الحال مع باكستان، أو افتعال فتنة مذهبية وعرقية مع الجيران… باستخدام أفلام فيديو مزورة، وعمليات قتل وتخريب على الجانبين، يقوم بها الجيش السري الأمريكي وعملائه من الميليشيا المحليين.
ما يحدث هو حرب مكتملة تشنها أمريكا وحلفائها ضد الإمارة الإسلامية وهو ما كانت تخطط وتجهز له حتى قبل انسحابها بعدة سنوات.
لدى الولايات المتحدة مبدأ ثابت وهو الحرب ضد الإسلام وضد الإمارة الإسلامية. أما المتغيّر فهو شكل تلك الحرب، والأدوات المستخدمة فيها.
وما يحدث الآن في أفغانستان هو نوع جديد من الحروب لم يشهد له العالم مثيلاً، ويعتبر هو التغيير الثاني أو الثالث لأشكال الحرب التي ابتكرتها أمريكا واستخدمتها في أفغانستان منذ احتلالها عام (2001) وحتى هزيمتها الكاملة في(2021).
وبعد فرارها من أفغانستان، نقلت أمريكا أسلوبها الجديد في الحرب إلى مناطق أخرى من العالم، ثم طبقته كاملاً مع تطويرات، وأسلحة نوعية جديدة، ضد روسيا في حرب أوكرانيا..
أساليب الحرب الجديدة في أفغانستان وأوكرانيا
ما زالت أمريكا تعتمد على الثوابت التالية التي ابتكرتها في حربها على أفغانستان وتطبقها في حرب أوكرانيا.. وهي:
– أن الحرب يديرها جهاز الاستخبارات وليس الجيش الذي يعتبر مجرد قوة احتياطية يحرصون على عدم استخدمها بشكل مباشر في القتال.
– المرتزقة الدوليون والمحليون هم عماد القوة القتالية على الأرض.
– استخدام أقصى درجات التطوّر الكتنولوجي في السلاح والذخائر ومعدات التجسس والاستطلاع. وفوق قمة ذلك كله تقف شبكة الأقمار الصناعية في الفضاء الخارجي التي يرتكز عليها نظام الاتصالات وتجميع المعلومات وإدارة الأسلحة.
– الطائرات بدون طيار (درونز) تحتل قمة الأهمية بين أسلحة الحرب الأمريكية. مع الإبقاء على معظم المعلومات الفنية والقدرات التكتيكية لتلك الطائرات، ضمن السرية المطلقة. وكذلك هو الحال بالنسبة للذخائر التي تستخدمها الأنواع المقاتلة من تلك الطائرات. أو حتى بعض أنواع طائرات (الدرونز) ذات القدرات غير المألوفة (بعضها عمل في أفغانستان أحياناً).
والجدير بالذكر أن طائرات (الدرونز) هي عماد الحرب الأمريكية الحالية على أفغانستان كما في أوكرانيا ضد القوات الروسية.
– إسرائيل تعتبر شريكاً دائماً في حرب أوكرانيا وأفغانستان وتساهم في مفاصل تلك الحروب، سواء في التطوير التكنولجي أو الإدارة والتخطيط أو المتابعة الأرضية لمجريات الحرب على الأرض.
– للحرب جانبها المالي والتجاري الذي يجب أن يكون رابحاً على الدوام حتى ولو خسرت أمريكا تلك الحرب عسكرياً وذلك صحيح بوجه خاص للبنوك اليهودية التي تستفيد على الدوام من الحروب منذ أن تكون مجرد فكرة إلى أن تشتعل وتأكل الأخضر واليابس، وصولا إلى نتيجة نهائية بالربح أو الخسارة. مع العلم أن الخسارة تتحملها الدول وليس البنوك التي تربح في جميع الأحوال ومن جميع المشاركين.
– ترويج السلاح أحد الأهداف الأساسية لإشعال الحروب. وكذلك مصالح شركات الطاقة (نفط وغاز). فإذا كانت البنوك تأتي في صدارة المستفيدين من الحروب، فإن الذي يليها هم صناعات السلاح وشركات الطاقة.
وهناك سلسلة طويلة من الصناعات المستفيدة، منها شركات الإعلام والدواء وصولا إلى شركات المأكولات الجاهزة، التي توفر الوجبات للجيوش الأمريكية في ميادين القتال والقواعد العسكرية.
عناصر خاصة بالحرب الأفغانية
للحرب الأمريكية على أفغانستان خصوصيتها، ولكن بعض القواعد العامة للحروب الأمريكية الجديدة مازالت سارية، مثل:
إدارة الاستخبارات للحرب، الشراكة الأمريكية الإسرائيلية في للحرب، صدارة طائرات الدرونز كسلاح أول في الحرب، استخدام أقصى تطور تكنولوجي وصل إليه السلاح والذخائر ومعدات التجسس وأجهزة الاتصال والإدارة الألكترونية للمعارك عن بُعد.
أما السمات الخاصة للحرب الأمريكية على أفغانستان، فمنها:
المكونات الأربعة لأدوات القتال الأرضي وهي: الجيش السري الأمريكي، المليشيات التقليدية القديمة، الدواعش، المرتزقة العابرون.
أولا: الجيش السري الأمريكي
وهو قوات عالية التدريب أسستها ودربتها المخابرات الأمريكية والإسرائيلية، وتحتوي على رجال ونساء، خاضوا معارك ميدانية. ويخضع ذلك الجيش لإدارة مركزية موجودة خارج أفغانستان.
تلقي ذلك الجيش ضربة قاسية نتيجة تسرب كمية ضخمة من المعلومات عن أفراده أثناء فوضى الفرار الأمريكي من أفغانستان، خاصة من مطار كابل. حتى أصبح قسم كبير من أفراد ذلك الجيش مهددا بالاعتقال أو القتل. لأجل هذا هرب الآلاف منه مع عائلاتهم مع القوات الأمريكية وفي رحلات تهريب خاصة. وتوزعوا في مناطق عديدة. وقد انخرط كثير منهم في مجالات حروب أهلية متوقعة. كما انخرط آخرون في حرب أوكرانيا. ولا يستبعد أن تعيد أمريكا إرسال أعداد منهم إلى أفغانستان مرة أخرى.
المليشيات التقليدية القديمة
ومن أهمها مليشيات دوستم الذي حارب لسنوات طويلة إلى جانب الاحتلال السوفييتي. ثم حارب إلى جانب الاحتلال الأمريكي الذي قلَّدَه مناصب رفيعة في الجيش الأفغاني. والآن يعيدون تقوية مليشياته القديمة، مع تزويده بمجموعات من الدواعش. ويحظى “دوستم” بدعم خاص من المخابرات البريطانية والتركية إلى جانب المخابرات الأمريكية والإسرائيلية.
– المليشيات الأخرى هي بقايا تحالف الشمال الذي قاتل ضد الإمارة الإسلامية طوال فترة حكمها الأولى، ثم انضم بكامل قياداته ومقاتليه إلى الاحتلال الأمريكي.
أهمّ مكوّنات ذلك التحالف هو المليشيا التابعة “لعطا محمد نور” القائد الجهادي السابق ويقودها ابنه.
وكذلك ما تبقى من ميليشيا أحمد شاه مسعود ويقودها شقيقه. وهناك مجموعة يقودها (أمرالله صالح) مستشار الأمن القومي السابق في نظام كابل البائد.
الدواعش
أكثرهم يحملون جنسيات الدول المحيطة بأفغانستان، وبعض الأفغان، وعدد من العرب. وعدد كبير من الدواعش الباكستانيين.
مهمة الدواعش الأساسية هي ضرب الأهداف التي تثير الأحقاد المذهبية وتستدعي ردود فعل مسلحة، خاصة من الشيعة والجماعات الصوفية. كما أن المليشيات السابقة الذكر تركز على ضرب الأهداف التي تثير الأحقاد القومية فمليشيات دوستم “أوزبكية”، ومليشيات “عطاء محمد نور” خاصة بالطاجيك. وهناك مليشيات خاصة بالبشتون.
كل هؤلاء تديرهم أمريكا بتناغم حساس جدًا للوصول بأفغانستان إلى درجة الحرب الأهلية. وإن أمكن تطويرها إلى حرب مع دول الجيران، مثل باكستان وأزبكستان وإيران…
كما تحاول أمريكا إحياء منظمة للدواعش الأيغور، وإرسالهم إلى الصين مرة أخرى لتدمير العلاقة بين الصين وأفغانستان. واستكمال الضغوط على الصين من جميع جوانب حدودها البرية والبحرية.
وهناك اهتمام أمريكي خاص لتخريب مشروع طريق الحرير الذي يربط الصين بأفغانستان وإيران. ويعتبر ذلك هدف استراتيجي لأمريكا في حربها على أفغانستان.
وبمنظور استراتيجي فإن ذلك المسار من طريق الحرير هو طريق بري مختصر وآمن يربط ما بين بحر الصين والخليج العربي. وتسعى أمريكا بحربها الحالية في أفغانستان أن تجعله طريقا غير آمن، بل ومستحيل التنفيذ إن أمكن.
المرتزقة العابرون
هم مرتزقة مؤقتون يعملون بالقطعة لمرة واحدة أو لعدة مرات لقاء أجر نقدي يدفع فوراً. ويعملون غالباً في نقل المتفجرات أو وضعها في أماكن محددة. وهم غالبا عناصر من الرعاع العاطلين عن العمل الذين تزخر بهم المدن بعد الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الذي أحدثته أمريكا في البلد.
الدرونز أدوار مرنة وقيادية في الحرب
ترتبط الطائرات بدون طيار (الدرونز) بالنشاط الأرضي للمليشيات والدواعش والجيش السري ارتباطاً وثيقاً ومتكاملاً مع بعضه البعض. فتلك الطائرات لها دور أساسي في تجميع المعلومات وتفجير العبوات الأرضية في التوقيت المناسب. كما أنها سلاح مثالي للاغتيالات، وتدمير الأهداف الأرضية والمخازن الحصينة، وتجميع المعلومات ومقارانتها بشكل دائم. فلا تكاد تنقطع تلك الطائرات عن التحليق في سماء أفغانستان. وهي متطفل شبه دائم في بعض المناطق الحساسة والمدن الأساسية، مثل كابل وقندهار وخوست وجلال آباد وهيرات ومزار شريف.
مجلس الأمن الإقليمي ضرورة لتأمين المنطقة
تلك الحرب الفريدة من نوعها والتي تخوضها أمريكا في أفغانستان حاليا تهدد أمن واستقرار وسلامة دول المنطقة التي يطالها أذى تلك الحرب، خاصة أخطار الدورنز والجيش السري الأمريكي وأخطار الدواعش. وأشد الأخطار يقع على أفغانستان أولاً ثم إيران ثم الصين ثم روسيا التي انتقلت إليها نسخة من حرب أفغانستان، ولكن تدور على أراضي أوكرانيا بين روسيا ودول الغرب وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل وحلف الناتو. وهم نفس الأطراف المتورطه في حروب أفغانستان السابقة والحالية.
تلك الأخطار التي تفرضها الحرب الأمريكية على أفغانستان التي تعتبر حرب أوكرانيا أحد شظاياها المتناثرة فاشتعلت منها أثواب أوربا فهددت روسيا وأوربا في نفس الوقت.
لهذا فإن مواجهة تلك الأخطار على أفغانستان وما حولها من دول يستلزم إنشاء مجلس أمن إقليمي تتفرع منه مجموعات عمل دائمة الانعقاد لمواجهة أي أخطار طارئة أو مشكلات تصاعدت فجأة بما يهدد العلاقات الثنائية أو المشروعات المشتركة أو السلام الإقليمي. والتصدي لمحاولات الأعداء إشعال نيران الحروب المذهبية والقومية بين سكان الإقليم.
وهناك كثير من الأخطار تأتي من باكستان على أفغانستان وتهدد البلدين معا. وكان ينبغي أن تكون باكستان في صدارة تنظيم الأمن الأقليمي لولا أن حكومة ذلك البلد ومؤسستها العسكرية بشكل خاص مصرة على المضي قدما مع الأعداء في العمل ضد أفغانستان في إطار تلك الحرب. بفتح مجالها الجوي أمام الطائرات بدون طيار(الدرونز) وإرسال الدواعش واستضافة مقرات قوات أمريكية وإسرائيلية تعمل من خلف الحدود مباشرة ضد أفغانستان. وفي ذلك الموقف أخطار شديدة جداً تضر بالشعبين الشقيقين في باكستان وأفغانستان.
– مجموعات العمل المتفرعة من مجلس الأمن الإقليمي يجب أن تتمتع بصلاحية اتخاذ القرار المباشر في الحالات الطارئة. لأن القضايا الأمنية كثيرًا ما لا يمكن تأجيلها حتى لدقائق.
– على المستوى الاستراتيجي يقوم مجلس الأمن الإقليمي بدراسة المشكلات الأساسية واقتراح الحلول لها. كما يبحث مواجهة التفوق التكنولوجي الساحق لأمريكا، والذي يتجلى ميدانياً في طائرات الدرونز وما يساندها من منظومات اتصال وتسليح وأقمار صناعية وأجهزة استخبارات كبرى تعمل على الأرض والجو والفضاء الخارجي.
الأمن الاقتصادي لدول الإقليم
– من الطبيعي أن يكون في صدارة اهتمامات مجلس الأمن الإقليمي، موضوع التعاون لتحقيق الأمن الاقتصادي للدول المشاركة، لمواجهة الحرب الاقتصادية التي تشنها أمريكا على الشعوب التي تسعى إلى الحرية والاستقلال ومنها الإمارة الإسلامية…
من أدوات الحرب الاقتصادية العقوبات التجارية ومصادرة الأرصدة المالية المجمدة في البنوك الخارجية. وضرب قيمة العملة المحلية للدول بهدف إفلاسها ونشر الفقر فيها.
من الخطوات الاقتصادية الهامة التي يجب السعي إليها:
– إيجاد عملة أسيوية مشتركة بديلا عن الدولار واليورو.
– اعتماد مبدأ المقايضة في التعامل التجاري بين تلك الدول.
– إيجاد سوق مشتركة، ونظام ضريبي موحد، وبنك أسيوي مشترك لا يعمل بالربا، لدعم مشروعات التنمية وتقديم القروض للأعضاء، كبديل عن البنوك الاستعمارية التي تستغفل الشعوب وتنهب ثرواتها. مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
إن التعاون الإقليمي ــ في محالات الأمن والدفاع والإقتصاد ـ ضرورة لا مفر منها للحفاظ على مستقبل دول الإقليم.