
طيف من ذكرى الهجرة!
صلاح الدین مومند
قد أطل علينا من السنة الهجرية الجديدة الحدث الديني الأول في التقويم الإسلامي والذي يستخدم كثير من المسلمين هذا التاريخ ليتذكروا أهمية حدث الهجرة، الذي هاجر فيه النبي محمد صلى الله عليه وسلم من مكة الى يثرب [المدينة المنورة] اليوم.
نعم انه تاريخ جدير أن يخلد لقد هاجر المهاجرون من مكة إلى المدينة، تاركين وراءهم كل شيء، فارين إلى الله بدينهم، مؤثرين عقيدتهم على وشائج القربى، وذخائر المال، وأسباب الحياة، وذكريات الطفولة والصبا، ومودات الصحبة والرفقة، ناجين بعقيدتهم وحدها، متخلين عن كل ما عداها. وكانوا بهذه الهجرة على هذا النحو، وعلى هذا الانسلاخ من كل عزيز على النفس، بما في ذلك الأهل والزوج والولد – المثل الحي الواقع في الأرض على تحقق العقيدة في صورتها الكاملة، واستيلائها على القلب، بحيث لا تبقى فيه بقية لغير العقيدة.
يقول السيد مصطفى صادق الرافعي الاديب البارع في شأن هذا الحدث العظيم: “انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينة وبأت الدنيا تنتقل كأنما مر على مركزها فحركها وكانت خطواته في هجرته تخط في الأرض ومعانيها تخط في التاريخ وكانت المسافة بين مكة والمدينة ومعناها بين المشرق والمغرب.
لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة يعرض الاسلام على العرب كما يعرض الذهب على المتوحشين يرونه بريقا وشعاعا ثم لاقيمة له وما بهم حاجة اليه وكانوا في المحادة والمخالفة الحمقاء والبلوغ بدعوته مبلغ الأوهام والأساطير….. وأوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذب وأهين ورجف به الوادي يخطو فيه على زلازل تتقلب ونابذه قومه وتذامروا فيه وحض بعضهم بعضا عليه وانصفق عنه عامة الناس وتركوه الامن حفظ الله منهم فاصيب كبيرا باليتم من قومه كما اصيب صغيرا باليتم من أبويه ولبث النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة لايبغيه قومه الا شرا على انه دائب يطلب ثم لايجد ويخفق ثم لايعتريه اليأس.
قالوا: إن عمه اباطالب بعث اليه حين كلمته قريش فقال له: يا ابن اخي! إن قومك قد جاؤني فقالوا لي كذا وكذا فابق علي وعلى نفسك ولاتحملني من الأمر ما لا أطيق’فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قد بدأ لعمه ما بدأ وانه خاذله ومسلمه وانه قد ضعف عن نصرته والقيام معه فقال: ياعماه! لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته ثم استعبر صلى الله عليه وسلم فبكى.
لقد اثبتَ أن النفس العظيمة لن تتعزى عن شئ منها بشئ من غيرها كائنا ما كان…ثم بدأ الاسلام في رجل وامرأة وغلام ثم زاد حرا وعبدا اليست هذه الخمس هي كل أطوار البشرية في وجودها، مخلوقة في الانسانية والطبيعة فههنا مطلع القصيدة واول الرمزفي شعرالتاريخ “.
يقول المؤرخون عن الهجرة النبوية: إن رسول الله دعا الناس الي دين التوحيد وصعد نجمه، وعلا امره وسمي طرفه واقبل جده واشتد عضده رويدا رويدا ولما علمت قريش بإسلام فريق من أهل يثرب فاشتد أذاها للمؤمنين بمكة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة فهاجروا مستخفين.
ولما كثُر أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيثرب أمر اللهُ المسملين بالهجرة إليها فخرجوا أرسالاً، ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة محلّ ولادته مع أبي بكر الصدّيق بعد أن أقام في مكّة منذ البعثة ثلاث عشرة سنة يدعو الى التوحيد ونبذ الشرك ولم تكن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم حبّاً في الشُهرة والجاه والسلطان فقد ذهب اليه أشراف مكّة وقالوا له: إن كنت تريدُ بما جئتَ به مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرَنا مالاً، وإن كنتَ تريدُ مُلْكاً ملّكناكَ إيّاه ولكنَّ النبي العظيم أسمى وأشرف من أن يكون مقصوده الدنيا.
وبعد بيعة العقبة الثانية أيقنت قريش أن المسلمين بالمدينة في عزة ومنعة فعقدت مؤامرة كبرى في دار الندوة للتفكير في القضاء على الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه فاستقر رأيهم على أن يتخيروا من كل قبيلة منهم فتىً جلداً فيقتلوا الرسول صلى الله عليه وسلم جميعاً فيتفرق دمه في القبائل ولا يقدر بنو عبد مناف على حربهم جميعاً فيرضوا بالدية وهكذا اجتمع هؤلاء على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة ينتظرون خروجه فأذن الله لرسوله بالهجرة فهاجر في شهر ربيع الأول بعد ثلاث عشرة سنة من مبعثه صلى الله عليه وسلم.
فلما سمع بالهجرة الأنصار جعلوا يخرجون كل يوم إلى حرة المدينة يستقبلون رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى ودخل النبي صلى الله عليه وسلم قباء يوم الاثنين 12 ربيع الأول سنة 14من البعثة الموافق21-9-622م في وقت الظهيرة وأسس المسجد الذي اسس على التقوى وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ركب راحلته فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وكان ملكا لغلامين يتيمين وكان مربدا لتمر فابتاعه منهما ثم بناه مسجدا وكان أول عمل قام به الرسول صلى الله عليه وسلم، أن أقام الأسس الهامة للدولة الاسلامية ولقد كانت هذه الأسس ممثلة في بناء المسجد، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار خاصة والمسلمين عامة، وكتابة وثيقة (دستور) حددت نظام حياة المسلمين فيما بينهم، وأوضحت علاقتهم مع غيرهم بصورة عامة واليهود بصورة خاصة.
الهجرة النبوية أسست العلاقة الجميلة بين الانصار والمهاجرين لقد نزل المهاجرون على إخوانهم الأنصار، الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم ; فاستقبلوهم في دورهم وفي قلوبهم، وفي أموالهم. وتسابقوا إلى إيوائهم ; وتنافسوا فيهم حتى لم ينزل مهاجري في دار أنصاري إلا بقرعة. إذ كان عدد المهاجرين أقل من عدد الراغبين في إيوائهم من الأنصار. وشاركوهم كل شيء عن رضى نفس، وطيب خاطر، وفرح حقيقي مبرأ من الشح الفطري، كما هو مبرأ من الخيلاء والمراءة! وآخى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بين رجال من المهاجرين ورجال من الأنصار. وكان هذا الإخاء صلة فريدة في تاريخ التكافل بين أصحاب العقائد. وقام هذا الإخاء مقام أخوة الدم، فكان يشمل التوارث والالتزامات الأخرى الناشئة عن وشيجة النسب كالديات وغيرها.
وأسست العلاقة الجميلة بين بني البشر كافة فتشكلت علاقة متينة اساسها وحدة العقيدة ووحدة المصير بين جميع المؤمنين فلم يزل رسول الله قائما بأمر الله الذي انزل اليه يدعو الناس الى توحيد الرب عزوجل ويحذرهم عقوبات الشرك ويجادلهم بنور البرهان وآيات القرآن صابرا على الأذي محتملا للمكروه وقد الهم الله نبيه انه مظهر دينه ومعز تمكينه وعاصمه ومستخلفه في الأرض فليس يثنيه ريب ولايلويه هيب، افترض الله عليه قتال الكفرة وامره أن يجرد السيف لهم وهم في عصابة يسيرة وعدة قليلة مستضعفين مستذلين يخافون ان يتخطفهم العرب وتداعى عليهم الأمم وتستحملهم الحروب فآواهم في كنفه وأيدهم بنصره وجنوده من الملائكة.
هو الذي ارسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا.
صدق الله العظيم.