مقالات الأعداد السابقة

عامان من الانتصار والعمل والنجاح في أفغانستان.. تركيا معكم

حمزة تكين (صحفي تركي ـ رئيس تحرير “وكالة أنباء تركيا”)

 

تحلّ علينا هذه الأيام الذكرى السنوية الثانية لدحر الاحتلال الأمريكي عن أفغانستان، وذلك بعد فترة طويلة من المقاومة العسكرية والسياسية أبداها الشعب الأفغاني سعيًا منه لعيش بحرية حقيقة لا بـ”الحرية الأمريكية” التي لم نراها تحمل لأي شعب إلا ما هو سلبي.

لقد كلفت الحرب الأمريكية الدموية ضد الشعب الأفغاني أكثر من 2 تريليون دولار حسب دراسة لجامعة براون، إلى جانب 241 ألف شخص لقوا مصرعهم غالبيتهم من الأفغان المدنيين الذين ارتقوا شهداء على يد آلة القتل الأمريكية بحجة “الحرية والديمقراطية”.

رغم كل المحاولات الأمريكية للإبقاء على احتلال أفغانستان، إلا أنه في نهاية المطاف ورغم كل المحاولات العسكرية لإرهاب الشعب الأفغاني، اضطرت القوات الأمريكية للانسحاب قبل عامين معلنة هزيمتها أمام شعب صمد وقاوم فانتصر.

صمود الشعب الأفغاني لم يكن عسكريًا فقط، رأينا تقدمًا كبيرًا عند هذا الشعب في الحرب الدبلوماسية أيضًا، حيث انتصر أيضًا بجولات الحوار والمفاوضات الدبلوماسية على الطاولة، وذلك في حوارات وجلسات العاصمة القطرية الدوحة، ثبت على موقف فكان هذا الثبات سببًا إضافيًا لإجبار الأمريكيين على الانسحاب وإعلان هزيمتهم في أفغانستان.

وهنا، استطرادًا نشير إلى أهمية الدور الذي لعبته قطر راعية جلسات الحوار والمفاوضات الأفغانية الأمريكية، حيث أثبتت الدوحة أنها عاصمة قادرة على احتضان أصعب الجلسات التفاوضية وقادرة على فرض تأثيراتها الإيجابية على هذا الملف وغيرها من الملفات الإقليمية والدولية.

أمريكا انهزمت في أفغانستان، وهذه الجملة الواضحة موجهة لبني جلدتنا الذين ينظرون على الشعوب أنّ “أمريكا قوة لا تهزم أبدًا” ويحاولون إحباط النفوس وإرادات الشعوب.. لهؤلاء نجدّد القول: أمريكا انهزمت في أفغانستان، وهذا بشهادة مفكري وسياسيين وصحفيي وإعلاميي الغرب، قبل شهادتنا.

وهذا ما قاله الرئيس الأمريكي جو بايدن في اليوم التالي لسيطرة “طالبان” على العاصمة الأفغانية كابل في معرض تعليقه على قراره بالانسحاب العشوائي من أفغانستان إنّ “الأحداث التي نراها الآن هي دليل محزن أن أفغانستان هي مقبرة الإمبراطوريات”.

لم تأت أمريكا إلى أفغانستان لا من أجل حرية ولا من أجل ديمقراطية ولا من أجل أي خير يُذكر، بل أتت للقتل وسرقة الثروات والخيرات كما فعلت في كثير من الدول الأخرى، وأنا شخصيًا قد زرت أفغانستان وسمعت الكثير من الأفغان حول حجم النهب الذي مارسه الأمريكيون خلال فترة احتلالهم البلاد.

حتى نفس هذا الكلام عن أهداف أمريكا المشبوهة في الدول سمعتُه أيضًا في فيتنام التي زرتها مؤخرا ورأيتُ بأمّ عيني حجم التأثير السلبي الذي خلفه الاحتلال الأمريكي لفيتنام قبل عقود من الزمن، ما زال الفيتناميون حتى اليوم يتذكرون ويذكرون أهوال القتل الأمريكي للمدنيين في تلك البلاد.

اليوم وبعد عامين على تحرير أفغانستان، نرى أن الحكومة الأفغانية الجديدة وإن كانت مؤقتة حاليًا، إلا أنها تقود البلاد بشكل ناجح وفق الإمكانيات المتاحة، ورغم العقوبات الغربية ورغم إصرار الغرب على سرقة أموال الشعب الأفغاني الموجودة في المصارف الخارجية.

رأيتُ بعيني في أفغانستان ونسمع كل يوم عن تقدم اقتصادي في تلك البلاد، وعن مشاريع تنموية مميزة في مختلف ولايات أفغانستان، فضلا عن التميز الأمني والعسكري حيث إن أفغانستان لم تشهد فترة استقرار مستمر مدة عامين منذ عقود طويلة جدًا، وهذا النّجاح يسجّل للحكومة الأفغانية الحالية، وإلى جانب ذلك سمعنا من المسؤولين الحكوميين الأفغان خاصة خلال زياراتهم إلى تركيا عن خطط مميزة لإدارة البلاد وتسطير نجاح رغم كل العراقيل.

ومن هنا وإذا أردت الحديث عن تركيا بالتحديد، فيمكنني أن أشدّد على عمق العلاقات بين الشعبين التركي والأفغاني، فحتى الجيش التركي الذي كان يتواجد في أفغانستان خلال الفترة الماضية، لم يكن قوة قتالية كغيره من القوات، والتاريخ يثبت أن عناصر الجيش التركي لم يطلقوا رصاصة واحدة في أفغانستان، بل كان الجيش التركي يتولى مشاريع التنمية والخدمات ومحاولة إقامة توازن معين بين الآخرين وبين الشعب الأفغاني.

خلال زيارتي أفغانستان لم أسمع عن الجيش التركي إلا كل كلام طيب، فتاريخ القوات التركية في أفغانستان خلال العقدين الماضيين معروف من إدارة مطار كابل إلى إقامة وبناء المدارس والمراكز الطبية والقرب المعنوي والمادي مع الأفغان.. تركيا لم تقتل هناك كما فعل الآخرون، تركيا لم تهدم هناك كما فعل الآخرون، تركيا لم تضر الأفغان كما فعل الآخرون، ولذلك نرى اليوم علاقات طيبة بين تركيا وأفغانستان.

تركيا هي الدولة التي تتربع على رأس قائمة الدول الأكثر مساهمة بعقد الاجتماعات الدبلوماسية مع الحكومة الأفغانية الجديدة المؤقتة بعد سيطرة الإمارة الإسلامية على أفغانستان في آب/أغسطس 2021، وذلك حسب ما نشر مركز الخطابي للدراسات.

وأوضح مركز الأبحاث أن “تركيا ساهمت بعقد 54 اجتماعًا من الاجتماعات الدبلوماسية لحركة (طالبان) خلال السنة الأولى من تولي الحكومة الأفغانية الجديدة زمام الحكم، إضافة لمشاركتها في 96 اجتماعًا خلال السنة الثانية”.

وأشار إلى أن “مجموع الاجتماعات الدبلوماسية التي شاركت فيها تركيا مع الحكومة الأفغانية بلغ 150 اجتماعًا، منذ شهر آب/أغسطس 2021 حتى آب/أغسطس 2023”.

وبيّن المركز أنه “تم عقد 46 اجتماعًا بين تركيا والحكومة الأفغانية على الأراضي التركية، و146 اجتماعًا في قطر، و51 في باكستان”.

ولفت إلى أن قطر حلت بالمرتبة الأولى عربيًا بعقد الاجتماعات الدبلوماسية مع الحكومة الأفغانية، حيث عقدت 92 اجتماعًا.

هذه الأرقام تثبت موقف تركيا الإيجابي تجاه أفغانستان والشعب الأفغاني، وهي وبشكل يومي لديها مشاريع تنموية وإغاثية وإنسانية وطبية في مختلف الولايات الأفغانية، في تأكيد على الرابط الأخوي بين الشعبين.

وهنا لا بد وأن أشير إلى موقف أفغانستان بعيد الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا في 6 شباط/فبراير الماضي، حيث وقفت أفغانستان معنا موقفا أخويا مقدّرا لن ننساه، فعملت على مواساة الشعب التركي المنكوب وأرسلت مساعدات عينية إلى المنكوبين، وبعض الولايات الأفغانية جمعت الأموال لصالح المتضررين من الزلزال.. إنه مشهد عظيم من مشاهد الأخوة الإسلامية والإنسانية بين الجانبين.

تركيا تقف إلى جانب أفغانستان في هذه المرحلة وستبقى إلى جانب هذا البلد الشقيق الذي نشترك معه دينيًا وثقافيًا وعادات وتقاليد.. الدعم التركي لأفغانستان واضحٌ وكبيرٌ لا يتعامى عنه إلا أعمى البصر والبصيرة منزعج من العلاقات التركية الأفغانية التي تتقدم يومًا بعد يوم، والطرفان متفاهمان مع بعضهما البعض.

أختم بالحديث عن الداخل الأفغاني، لأقول: دعوا الشعب الأفغاني يحكم نفسه بنفسه وفق ثقافته ودينه وعاداته وتقاليده، وهذا حقه الكامل، وكفى تدخّلًا وتنظيرًا، وكفى حملات إعلامية كاذبة ضد هذا الشعب.

هناك حرب إعلامية ضد أفغانستان، وجل جل الأخبار عن هذا البلد في الإعلام الخارجي الناطق بعدة لغات بينها العربية هي أخبار غير صحيحة بل أخبار ملفقة ومجتزأة ومحرفة بهدف تشويه الصورة، كما يفعلون بشكل شبه موسمي مع تركيا من محاولات كذب وتشويه، ونشر أخبار تخالف الواقع.

فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية والغربية يحق لهم أن يسنوا قوانين تسمح بحرق القرآن الكريم ومنع اللباس الإسلامي وخاصة للفتيات المسلمات وتمنع رفع الأذان هنا أو هناك وتمنع بناء المآذن في المساجد والعالم يسكت بل يطبّل لهم بحجة الحريات والديمقراطية.. أما إذا سنت أفغانستان قوانين تتناسب مع عادات ودين وثقافة شعبها تقوم الدنيا ولا تقعد وتحصل ضجة إعلامية وصرخات وكأن حق سن القوانين محصور فقط بالغرب وممنوع على المسلمين إدارة شؤونهم بأنفسهم وبكل حرية.

نحن في تركيا أحرار بإدارة بلدنا ونرفض التدخلات الغربية ونرفض محاولات لفرض الثقافات الغربية نسن القوانين وفق مصالح بلادنا وشعبنا.. وأظن نفس هذه الصورة موجودة في أفغانستان أيضا.

مبارك لأفغانستان وشعبها هزيمة الاحتلال الأمريكي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى