شهداؤنا الأبطال: لمحات من حياة الشيخ محمد حسن الرحماني رحمه الله تعالى
كل نفسٍ ذائقة الموت، وكل ذي نفس مصيره إلى الزوال والفناء، لكن ما أحسن أن يموت المرء عندما يعمل خيراً، والسعيد من رحل عن هذه الدنيا صالحاً مصلحاً، والموت السيء سيكون فاجعة للميّت ولأسرته معاً.
فيما يأتي سنتكلم عن رحيل شخص فاضل، زيّن حياته بالتضحية والجهاد والفداء والعلم والخدمة والتقى والرشاد. وبعد سفر طويل من الفدى والتضحية؛ رحل عن هذه الدنيا بعد معاناة طويلة مع المرض.
نشأته:
الملا محمد حسن الرحماني بن الملا الله داد، أبصر النور في قرية أرغور بمديرية تشارشينو بولاية أروزجان في أسرة فقيرة متدينة، ومنذ نعومة أظفاره بدأ العلوم الابتدائية في قريته، ثم تعلّم العلوم الشرعية في مدينة قندهار، وبعد هجرته إلى دار الهجرة استمر في دراسته في المدارس المختلفة فيها، وتتلمذ لدى الشيخ المولوي محمد صديق والشيخ محمد إدريس، والشيخ المولوي دستجير، كما ارتشف في “بشين” من ينابيع الشيخ عبد الواحد العلمية، والشيخ سعاد الدين آخندزاده، والشيخ السيد كريم آغا، وتتلمذ في “تشمن” لدى الشيخ عبد الرزاق، وتتلمذ لدى كبار العلماء الآخرين، ونهل من معينهم الصافي، ثم التحق بجامعة الرشيد، وأكمل دروسه الدينية وفي نهاية المطاف وضع على رأسه عمامة الشرف.
وكان الفقيد رحمه الله يحبّ العلماء حباً جمّاً، ويواصلهم ويجالسهم، وعندما احتل الروس بلاد الإسلام كان الفقيد مشغولاً بدراسته، فأغلق كتبه وساهم في الجهاد ضد السوفييت.
جهاده ضدّ السوفييت:
عندما هاجمت القوات السوفيتية بلد الأفغان، وقام الشعب الأفغاني بمقاومة المعتدين، كان الشيخ رحماني رحمه الله من أوائل الذين التحقوا بقافلة الجهاد في ولاية قندهار، حيث الملاحم والبطولات، وأسخن الجبهات، ودخل جبهة القائد الشهير الشهيد طالب جان رحمه الله، وكان مركز جبهة الشهيد في منطقة جارباغ بمديرية أرغنداب، بولاية قندهار، وكان الفقيد رحمه الله مسؤول تلك المنطقة.
وبعد استشهاد طالب جان رحمه الله، جاهد في جبهة المجاهد الشهير الشهيد لالا ملنك، كمجاهد مقدام، وساهم في عمليات تاريخية في منطقة أرغنداب وبنجوايي، وضواحي مدينة قندهار، كبنجاو، وبشتون باغ ونظرجان باغ، ومحله جات، ودوراهي شاه آغا، وكذلك في العمليات التي كانت تجري في الطريق العام لقندهار .
وقد فقد الفقيد رحمه الله إحدى رجليه في الجهاد ضد السوفييت بمنطقة تشاوني بمدينة قندهار عندما هاجموا ثكنة عسكرية في توره، وهكذا أمضى بقية عمره في الجهاد مبتور القدم أعرجاً.
خدماته في عهد الإمارة الإسلامية:
عندما عمت الفوضى في البلاد، وعاث المفسدون فيها فساداً، قام أمير المؤمنين الملا محمد عمر (المجاهد) بالجهاد لقمع الفساد، فكان الرحماني رحمه الله ضمن السابقين في هذا المجال، والتحق بصفوف الإمارة الإسلامية مع ما كان تحت جبهته من أفراد الشهيد لالا ملنك ومعداته العسكرية، وبعدما سيطر المجاهدون على مدينة قندهار، كان الرحماني من ضمن أعضاء شورى المجاهدين في تلك المدينة، ثم صار والياً لها من قبل قيادة الإمارة الإسلامية، فكان في هذه المسؤولية حتى احتل الأمريكان أفغانستان.
وبعدما احتل الصليبيون بلاد الإسلام، هاجر من منطقته ولاذ إلى منطقة آمنة، لكنه كان يعمل في لجنة الاقتصاد، وبقي على هذه المسؤولية زهاء 14 عاماً، وكان يسعى لتجهيز المجاهدين، وإسعاف الجرحى، ومساعدة الأيتام.
وبقي الفقيد وفياً للإمارة الإسلامية بخدماته ونشاطاته، ووقف نفسه لخدمة أمير المؤمنين رحمه الله ومساعدته، وبعدما رحل أمير المؤمنين الملا محمد عمر مجاهد رحمه الله، بايع نائبه أمير المؤمنين الملا أختر محمد منصور حفظه الله وأثبت وفاءه له.
وتوفي الملا محمد حسن الرحماني رحمه الله في 8 فبراير من العام الحالي 2016م عن عمر 55 عاماً، نتيجة مرض السرطان.
قالوا عن الفقيد الرحماني:
يقول الشيخ عبدالرحمن منير رفيق درب الشيخ الرحماني: كان الفقيد الرحماني أنموذجاً في التقوى، والتواضع، كسيراً، فقيراً، كان مشفقاً محباً للأيتام، متكفلاً بهم، ينفق من راتبه على الجرحى والأيتام، وكان على ذرى التقوى عندما كان مسؤولاً.
ويقول القائد الشهير للإمارة الإسلامية السيد عبد الله أغا: عاش الرحماني فقيراً مسكيناً، زهد عن متاع الدنيا وزخارفها، لم نره يلبس لباساً فاخراً، يعيش بأبسط الوسائل، وقد أعطته الإمارة الإسلامية سيارة لكنه ردّها. وعلى حاله هذا، لو رأى فقيراً أو محتاجاً ساعده.
وكتب الكاتب الشهير موسى فرهاد بعد وفاته رحمه الله مقالاً قال فيه: لقد عاش الرحماني زاهداً فقيراً، وكان نزيهاً عن الخيانة أو أدنى فساد، ولم يقترف شيئاً يسيء للوطن طيلة 37 عاماً، بل أمضى حياته صادقاً في سبيل الله.
وقد أصدر الشورى القيادي لإمارة أفغانستان الإسلامية بياناً خاصاً عن خدمات الفقيد ونشاطاته. فرحم الله الفقيد الملا محمد حسن رحماني وأغدق عليه شآبيب رحمته وأسكنه في الفردوس الأعلى.