
عداوة الكفار وسماحة الإسلام!
يروى من سماحة الإسلام أنه كان غلام يهودي يخدُم النبي صلى الله عليه وآله وسلم.، فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم. يَعُودُهُ، فقعد عند رأسه.
هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستعمل غلامًا يهوديًّا في الخدمة، ولا يمتنع عن ذلك؛ ليجعل الحياة مع أصحاب الديانات الأخرى في داخل المدينة المنورة حياة طبيعية. ثم يمرض هذا الغلام، فيذهب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليعوده في بيته. يجب أن ندرك أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو أعلى سلطة في المدينة المنورة، والغلام اليهودي لا يعدو أن يكون خادمًا، وعلى غير مِلَّة الإسلام! أيحدث في بقعة من بقاع الأرض أن يزور رئيس خادمًا له إذا مرض، وخاصة إذا كان على غير دينه؟
إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعل ما يَتَعَجَّبُ منه كثير من الناس، وهو السماح لنصارى نجران أن يؤدوا صلواتهم داخل المسجد النبوي الشريف. يقول ابن سيد الناس -رحمه الله- في عيون الأثر: «وقد حانت صلاتهم، فقاموا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلون، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (دَعُوهُمْ)، فَصَلَّوْا إلى المشرق». إنهم لا يدخلون المسجد النبوي فقط، بل يصلون فيه، وفي هذا ما لا يخفى على أحد من البرِّ والتسامح لهذا الدين القويم ورسوله الكريم. إن الإسلام دين سلام، وعقيدة حب، ونظام يهدف إلى أن ينعم العالم كله بظله، وأن يقيم فيه منهجه، وأن يجمع الناس تحت لواء الله إخوة متعارفين متحابين.
يقول صاحب الظلال رحمه الله: “إن الإسلام دين الرحمة والسلام، وإن الجنة التي أعدت للمتقين اسمها دارالسلام، وتحية أهل الجنة سلام، وليس هناك قيمة نالت من الشرف ما نالته قيمة السلام في الإسلام. فأسلوب الحياة في الإسلام يحمل المؤمنين مسؤولية إقرار الأمن والسلام في مجتمعاتهم، وقد كتب أحد العلماء أن لفظ السلم بكسر السين ورد مرة واحدة، وبفتحها مرتين، وبفتح السين واللام أربع مرات، وهي في الجميع بمعنى السلام وفيها أيضا تحذير من الاستسلام، وورد لفظ (سلام) مرفوعاً في ثلاث وثلاثين موضعاً، كما ورد منصوباً في تسعة مواضع، وهو في المواضع كلها يعني السلام كما يعني أحيانا الأمن أو طيب القول أو دار النعيم”.
وعلى خلاف هذا البر والتسامح والرحمة والسلام، تكون عداوة الكفار للمسلمين، لاسيما أمريكا التي تتسنم بالطمع والهمجية، والتدخل السافر في شؤون الدول، دون احترام لدينهم وقوانينهم، فهي تُشرّع بالغداة وتنسخ بالعشي، ليس لديها قانون منضبط، فهي تنتهك القوانين والاتفاقيات، فلسان حالها يقول: لا نُسأل عما نفعل وهم يسألون! ونأخذ ما نشاء وندع ما نشاء، وننتهك حقوق من نشاء.
يقول ممثل إحدى الولايات في مجلس الشيوخ الأمريكي، وهو يلقي خطابه: “إن الله لم يهيئ الشعوب الناطقة بالإنجليزية لكي تتأمل نفسها بكسل ودون طائل، لقد جعل الله منا أساتذة العالم! كي نتمكن من نشر النظام حيث تكون الفوضى، وجعلنا جديرين بالحكم، لكي نتمكن من إدارة الشعوب البربرية الهرمة، وبدون هذه القوة، ستعم العالم مرة أخرى البربرية والظلام، وقد اختار الله الشعب الأمريكي دون سائر الأجناس”.
ليس هذا الممثل منفرداً في فكرته، فقد طالب ترامب المرشح عن الحزب الجمهوري في الانتخابات الأمريكية العام 2016، في تصريحاته الأخيرة المثيرة للجدل، بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة وإغلاق الحدود في وجوههم، يُذكر أن لترامب تصريحات سابقة لا تقل “هستيرية” عن تصريحه الأخير عن المسلمين، فهو الذي قال في إحدى الندوات: إن المسلمين ابتهلوا وهللوا في الحادي عشر من سبتمبر. كما أنه طالب بضرورة مراقبة كافة المساجد في الولايات المتحدة.
مشكلة دونالد ترامب مع المسلمين لم تعد خافية بعد دعوته الأخيرة إلى منعهم من دخول الولايات المتحدة، ومطالبته بتجريد المسلمين الأميركيين من حقوقهم المدنية بسبب معتقداتهم، مقترحاً استخدام كاميرات لمراقبة المساجد.
يقولون إن ترامب الثري، لا خبرة له في السياسة ولا معرفة له في الشؤون الدولية، لكنه وبفضل اعتماد النشاط السياسي على رأس المال فهو يلهو في المعترك الانتخابي، فلم يقرأ قول الشاعر “يوهان غوته” عن ملامح تسامح الإسلام في كتابه (أخلاق المسلمين) فيقول: “للحق أقول: إن تسامح المسلم ليس من ضعف، ولكن المسلم يتسامح مع اعتزازه بدينه، وتمسكه بعقيدته”.
ولم يقرأ ما قاله الفيلسوف جورج برناردشو: “الإسلام هو الدين الذي نجد فيه حسنات الأديان كلها، ولا نجد في الأديان حسناته! ولقد كان الإسلام موضع تقديري السامي دائماً، لأنه الدين الوحيد الذي له ملكة هضم أطوار الحياة المختلفة، والذي يملك القدرة على جذب القلوب عبر العصور، وقد برهن الإسلام من ساعاته الأولى على أنه دين الأجناس جميعاً، إذ ضم سلمان الفارسي وبلال الحبشي وصهيب الرومي فانصهر الجميع في بوتقة واحدة”.
ولم يقرأ مقال شاعر فرنسا (لامارتين): “الإسلام هو الدين الوحيد الذي استطاع أن يفي بمطالب البدن والروح معاً، دون أن يُعرِّض المسلم لأن يعيش في تأنيب الضمير، وهو الدين الوحيد الذي تخلو عباداته من الصور، وهو أعلى ما وهبه الخالق لبني البشر”.
نحن لا نلوم ترامب ونعرف أن عداوة الكفار للمسلمين قضية مقررة محسومة، وعقيدة راسخة معلومة، بيّنها الله في القرآن الكريم، وشهد بها التاريخ والواقع الأليم، فمن لم يقتنع ببيّنة القران، فليشاهد بالعيان ما يجري في الدول الإسلامية التي تئن تحت وطأة الاستعمار والاحتلال.
فهذه أوروبا هجمت على الإسلام بخيلها ورجلها، وحاربته ولا تزال تحارب بكل ما أوتيت من المكر والخداع والمهارة والسياسة والدسائس وآلات التخريب والتدمير، فعقدت المؤتمرات تلو المؤتمرات، وأبرمت المعاهدات تلو المعاهدات، وأرسلت جمعيات التبشير ووزعتها في أطراف البلاد طولها وعرضها، وأجرت أنهاراً وجداول من أنواع المسكرات في المدائن والقرى لتجفيف العقول ومسخ النفوس. واستحوذت على موارد الثروة العامة فأفقرت العباد وأقفرت البلاد، فثقلت وطأة البؤس والشقاء على البشرية. فعلت كل ذلك وغيره ضد الإسلام لكن بعنوان التمدن ومقتضيات الحضارة ومقاومة الوحشية والهمجية والإرهاب.
إن عداء الكفار للإسلام والمسلمين سنّة متوارثة بينهم، وهم يشجعون كل من أهان الإسلام وشعائره، ففي صيف 2007م التقى الرئيس الأميركي حينها جورج بوش في المكتب البيضاوي عشرة من المذيعين الأميركيين والمعروفين بهجومهم على الإسلام، “نيل بورتز” كان من أبرز المشاركين في اللقاء مع بوش -وهو مذيع مشهور بعدائه للإسلام والمسلمين- شنّ بعد اجتماع البيت الأبيض بأيام، هجوما لاذعا وغير مهذب ولا مبرر ضد المسلمين، واصفا إياهم بالـ”الصراصير”، لأنهم يصومون في نهار رمضان، ويأكلون في الليل في برنامج إذاعي يقدمه، وكان قد وصف الإسلام قبلها بأنه “فيروس مميت، ينتشر في جميع أنحاء أوروبا والعالم الغربي”، مضيفاً “سوف ننتظر طويلاً جداً حتى نطوّر لقاحاً لنكافحه به”.
الرئيس الفرنسي ساركوزي شن حرباً ضروساً على الحجاب حين كان وزيراً للداخلية مما أدى في نهاية المطاف لحرمان طالبات فرنسيات مسلمات من حقهن في التعليم تحت ذريعة أن علمانية الدول تتناقض مع الرموز الدينية، في حين كان الطلاب ولعقود يتمتعون بحقهم في ارتداء الصلبان ولبس قبعة الكيبا.
في صيف 2010م قامت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بتكريم الرسام الدانماركي كيرت فيسترغارد صاحب الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بتسليمه جائزة حرية الصحافة في ختام ندوة دولية حول وسائل الإعلام في برلين، قائلة: إن مهمة فيسترغارد هي الرسم، مشددة على أن “أوروبا هي المكان الذي يسمح فيه لرسام كاريكاتير برسم شيء كهذا”، مضيفة “إننا نتحدث هنا عن حرية التعبير وحرية الصحافة”. فيسترغارد حصل على جائزة التقدير “لالتزامه الراسخ بحرية الصحافة والرأي وشجاعته في الدفاع عن القيم الديمقراطية على رغم التهديدات بأعمال العنف والموت”.
منحت ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية في 16/6/2007م سلمان رشدي صاحب كتاب (آيات شيطانية) المسيء بشدة للإسلام لقب (فارس) في إطار منحها سنويا أوسمة لمجموعة من الشخصيات تقديراً لإنجازاتها.
هذه نماذج لمواقف من شخصيات غربية رسمية تظهر بوضوح جانباً من الأجواء الموبوءة، والتي حفزت وشجعت عديدين على الإساءة إلى الإسلام وحرماته.
إن أعداء الإسلام في أحقاب التاريخ بذلوا أقصى جهودهم في سبيل محو دين الله وإطفاء نوره. إنهم يكنّون الكراهية العمياء لهذا الدين ولمن يعتنقونه. ولقد وقف الأعداء في وجه الدين وقفة العداء والكيد وحاربوه بشتى الوسائل والطرق حرباً شعواء لم تضع أوزارها حتى اليوم. إنهم يواصلون الليل بالنهار في سبيل البحث عن طرق تشويهه ظناً منهم أن هذا سيُوقف التحول المتواصل إلى الإسلام.
إنهم يدسون ويكيدون محاولين القضاء على هذا الدين القويم، ولكنهم فشلوا في تحقيق هذه الأمنية فشلاً ذريعاً لأن نور الله لا يمكن أن تطفئه الأفواه، ولا أن تطمسه النار والحديد. لقد جرى قدر الله أن يظهر هذا الدين القويم فكان من المحتم أن يكون. فهذا تحقيق وعد الله وما تزال لهذا الدين أدوار في تاريخ البشرية يؤديها ظاهراً على الدين كله بإذن الله تحقيقاً لوعد الله الذي لا تقف له جهود العبيد المهازيل مهما بلغوا من القوة والكيد والتضليل.