عدم الاعتراف بدولتنا.. انتقام من الشعب الأفغاني
غلام الله الهلمندي
مرّ أكثر من شهرين على إعلان الإمارة الإسلامية تشكيلَ حكومة مؤقتة لتصريف الأعمال، يرأسها الملا محمد حسن آخوند، ولكن حتى الآن لم تعترف بها رسميا أي دولة على مستوى العالم! لماذا؟ لا تسألونا عن ذلك، إن العلة ليست في دولتنا، لأننا حققنا مقومات إقامة دولة مستقلة عادلة آمنة مستعدة لإقامة علاقات دبلوماسية وتجارية طيبة مع جميع دول العالَم بما فيها واشنطن، رغم كل جرائمها التي اركتبتها بحق شعبنا الحر، ولأننا ربحنا الحرب وربحنا المفاوضات، وأقمنا الأمن والاستقرار، وقمنا بتوجيه رسائل سلام وطمأنة إلى المجتمع الدولي بأننا لا نشكل خطرا لأي أحد في أي بقعة من المعمورة ظلما وعدوانا، كما يفعلون ذلك هم ولكنهم لا يُسألون حاليا عما يفعلون، وأما غدا فسننظر، وأعلنّا العفو العام عن جميع الخونة الذين حاربونا وحاربوا الوطن على مدار عشرات السنين، غفرنا لهم حتى نُلقي العداوة والبغضاء جانبا ونتفرغ لبناء وطننا ماديا ومعنويا، وبدأنا حياة جديدة، حياة فيها الحب والسلام والإخاء والصدق والصداقة والثقة.
إن الإمارة الإسلامية تسوس الشعب سياسةَ أب رفيق، وتسوس البلاد سياسة أثارت دهشة الساسة الذين عاشوا في كبار المدن ومراكز الحضارات ودرسوا في الجامعات علوم السياسات، إذ إن السياسة التي تُدرَس في الجامعات، إذا لم تصحبها النصيحة والعقل السليم، وحب الوطن والاعتقاد بالقيم، والتفاني لأجل المبادئ، ومرضاة الرب؛ لا تجدي نفعا. إن السياسة التي لم تُبنَ على أساس الخوف من الله وعلى أساس النصيحة وحب الشعب وحب الوطن تتحول إلى ديكتاتورية وأثرة واختلاس وخيانة وعمالة.
إنما المهم في الظروف الصعبة الراهنة التي تعيشها البلاد أن الإمارة الإسلامية استطاعت عن جدارة أن تُعيد الاستقرار إلى البلد بعدما دكّته الزلازل والعواصف على مدار العشرين سنة الماضية، ألا يكفي هذا الإنجاز المرموق للاعتراف بها كدولة قوية صالحة حكيمة مثالية؟
هذه دولة مثالية يا ناس، ولا تستخفنّكم وسائل الإعلام التي أقسمت على الانحياز للغرب أبدا وفي كل موقف. وهل استطاعت دولة طوال الأربعين سنة أن توحد البلاد تحت إمرة واحدة وراية واحدة؟ كلا، لم تستطيع أبدا تحقيق هذه الغاية ولم تقترب منها.
إنما السبب لعدم الاعتراف بدولتتا هو (واشنطن) فقط التي انهزمت في وجهنا (وإن شئت فقل) ركعت أمامنا عسكريا. ولهذا تريد الآن أن تصب جام غضبها وحقدِها على شعبنا، لا تسمح بأن تعترف الدول بدولتنا الحديثة التي قامت دون تدخل من الأجانب، وبهذا الشكل تنتقم الولايات المتحدة من الإمارة الإسلامية. يبدو أن الحرب التي خسرتها الولايات المتحدة لم تَنتهِ بعد، ويبدو أنها لم تتعلّم درسا من التجارب السابقة، لم تتعلم أن سياسة الضغوط لا تجدي نفعا بالنسبة للشعب الأفغاني.
الأمريكان الذين طالما عاثوا في أرضنا فسادا، والذين انهزموا عسكريا وسياسيا ومحقهم الله من أرضنا؛ جمّدوا أموالنا ظلما وعدوانا؛ يريدون أن ينتقموا من الشعب الفقير الذي لا يكاد يملك ما يملأ معدته ويقيم أوَده، والذي يحتاج إلى القوت وإلى الغطاء في ليالي الشتاء القارص وفي المخيمات، يحبون أن يموت أطفالنا جوعا، وأن يعانوا من المرض والبرد؛ من أجل الضغط على الإمارة الإسلامية. ولكن الله يأبى أن يخذل مَن نصر دينه.
إنهم يريدون بذلك الانتقام من الشعب الذي هو بحاجة خلال هذا الوقت الحساس إلى مَن يمسح دمعه المسفوح على خديه، وبحاجة إلی مَن يداوي قلبه المجروح الذي جرّحته أيديهم هم بلا ذنب، إلا أنه آمن بالله العزيز الحميد، ولم يركع لقوانين الطواغيت ولم ينحنِ لأوامرهم، ولم يقبل بثقافتهم الشيطانية، ولم يستكين رغم الجراح والآلام؛ هذا هو ذنب هذا الشعب لا غير. وتجميد أموال ناسٍ هذا حالهم وفي هذه الظروف الصعبة عدوان سافر على حقوق الإنسان، وليس دفاعا عن حقوق الإنسان، وهو عمل لا يفعله عدو شريف قط، والأمريكان لم يكونوا يوما أعداء شرفاء.
أهذه حقوق الإنسان؟ أهولاء أناس وُلِدوا من أناس؟ أو خلقوا على صورة إنسان وقلوبهم من جلاميد الصخور؟
لا تنتظروا منا أن نتخلى عن مبادئنا وقيمنا بغية الحصول على اعترافكم بدولتنا، فإننا جُدْنا بأرواحنا ودمائنا وجُدْنا بدولتنا حفاظا على مبادئنا وقيمنا، وهل يعقل بعد كل ذلك أن نتخلى عن مبادئنا وقيمنا لنيل اعترافكم بدولتنا التي ضحينا بها قبل ذلك؟
أما أخلاقيا فوالله إننا لسنا بحاجة لاعتراف مَن يتلذذ بمشهد الأطفال وهم يموتون جوعا، وأما دبلوماسيا وتجاريا فنحن نحتاج دون شك لاعتراف الدول المجاورة والمجتمع الدولي كما يحتاجون هم أيضا للاعتراف بنا كدولة والتعامل معنا وفق المعايير الدولية ندّا لندّ.
ومن العجيب جدا أن سفراء الإدارة السابقة البائدة الذين انتخبهم الهارب أشرف غني يمثلون البلاد في الاجتماعات والمحافل الدولية كالأمم المتحدة! وذلك دون شك تناقض واضح بين شرعية الواقع الموجود في البلاد وبين شرعية الاعتراف الدولي، أليس هذا عجيبا؟
وأما الدول الأخرى فإنها في حيرة من أمرها بشأن الاعتراف بدولتنا، تتعامل معها بحذر شديد، تقدّم رجلا وتؤخر أخرى، مصالحهم تدفعهم نحو الأمام والخوف من الولايات المتحدة يجرهم نحو الوراء، لأن المجتمع الدولي بحاجة أيضا للاعتراف بدولتنا، وعدد من الدول بدأت التعامل معنا ولكن بشكل غير رسمي حاليا، غير أنه بلا شك رسالة واضحة تتضمن إشارات إلى الاعتراف الرسمي بنا عاجلا أو آجلا.