عشرون عاما على حربٍ كل تكاليفها خسران
حبيبي سمنغاني
بعد إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن، بأنه سوف ينهي الاحتلال الأمريكي، الذي طال لمدة 20 عامًا لأفغانستان، بحلول 11 سبتمبر من هذا العام دون أي شروط مسبقة؛ صارت الآن تكاليف هذه الحرب الطويلة محور النقاش في الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي. نعم! الآن لا يسأل أحد من هو المنتصر ومن هو الخاسر في هذه الحرب، أو ما هي الإنجازات التي حققتها هذه الحرب، وهل حققت شيئًا أم لا؟ بل السؤال الأهمّ الذي يُطرح الآن: هل كانت هذه الحرب تستحقّ كل هذه التكاليف الباهظة والمدمرة، والتي تكبدتها جهات، ولكن في غالب الأحيان تحملها الشعب الأفغاني الأعزل؟
تقدم المؤسسات المختلفة إحصاءات متنوّعة عن مقادير التكاليف والموارد المالية والتضحيات الإنسانية للولايات المتحدة، ولكن ما يتفق عليه الجميع هو أنه مع كل هذه التكاليف والإنفاقات المهدرة، لا توجد إدارة في أفغانستان يمكنها البقاء على قيد الحياة والعمل لبضعة أشهر على الأقل من غير الدعم الأمريكي. هذا هو السبب في أن الداعمين المحليين والأجانب للجمهورية في أفغانستان قلقون للغاية بشأن الانسحاب غير المشروط للولايات المتحدة، فمن وجهة نظر هؤلاء الديمقراطيين، كان لا بدّ من إبرام صفقة تضمن بقاء الجمهورية في أفغانستان قبل خروج الولايات المتحدة.
فلو استمعت إلى (جيك سوليفان)، مستشار الأمن القومي الأمريكي، ستعلم جيدا أن مخاوف الديمقراطيين ليست بلا سبب، حيث قال في برنامج تلفزيوني يوم الأحد 18 أبريل (نيسان): “لقد فعلنا ما بوسعنا من أجل الحكومة والقوات الأفغانية، لكن ماذا سيحدث بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، لا أحد يستطيع الجزم، ولا نستطيع أن نعطي ضمانا حول مستقبل أفغانستان، بالطبع حان الوقت لكي يعود جنود الجيش الأمريكي إلى ديارهم”.
لكن ربما لم تكن تصريحات سوليفان المزعجة كافية، ولهذا السبب قال الجنرال كينت ماكنزي، القائد العام للجيش الأمريكي، أمام الكونجرس الأمريكي يوم الخميس 22 أبريل: “مع الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية من أفغانستان، نحن قلقون على قدرات الحكومة الأفغانية، هل بإمكانهم حفظ طائراتهم وتحليقها من غير الدعم المالي الأمريكي!”. وقال: “إنه قلق أيضا بشأن قدرة الحكومة الأفغانية على حماية السفارة الأمريكية في كابول”.
لذا فكّروا كيف يقضي حماة الجمهورية المزيفة البعيدة عن الدعم الشعبي، -حسبما يقول الديمقراطيون؛ بحيث تبدل الحال بفضل الأسلوب الاحتكاري لأشرف غني إلى جمهورية ذات ثلاثة أعضاء (غني ومحب وفضلي)- لياليهم وأيّامهم الحافلة بالقلق!
يهدد أشرف غني مسؤولي النظام بأنّه من ليس في صف الجمهورية، فهو في صف الأعداء، ولم يعد لهم مكان في الحكومة؛ وخير مثال على ذلك؛ الاضطرابات الحالية لحكام الجمهورية الزائفة ومتعددة الرؤوس، ولا شك أنّ النظام الفاشل والجمهورية المزيفة في أفغانستان على وشك التفكك والانهيار.
احتلت الولايات المتحدة أفغانستان في أكتوبر 2001، بدعوى استهداف الشيخ أسامة وتنظيم القاعدة، لكن اليوم بعدما تغادر أفغانستان مخلفة وراءها فضائح كثيرة، أصبحت لهذه الجماعة قواعد أقوى في دول أخرى، وهذا يدل على أن سلوك الولايات المتحدة القائم على العجلة من أمرها تجاه هذه المنظمة، كان يتعارض مع الحقائق الموجودة على الأرض، فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة فرحة جدا حسب ما ورد في معاهدة الاحتلال؛ أن أفغانستان لا تعود مركزًا للجماعات المسلحة الأجنبية في القادم، لكن السؤال الآن هو أن هذه الجماعات تسيطر على ملاذات آمنة ومناطق واسعة في بلادهم، فلماذا يأتون إلى أفغانستان؟! ومن المثير للاهتمام أن وزير الخارجية الأمريكي (أنتوني بلينكين) قال في مقابلة له مع قناة إی بی سی ليلة الأحد 18 أبريل: “إنه الآن على جدول أعمالنا الوطنية قضايا مهمة أخرى، مثل: العلاقات مع الصين، وتغير المناخ، وأزمة كرونا. ونريد أن نبذل قصارى جهدنا في تلك القضايا”. ثم يضيف قائلا حول قضية الخروج من أفغانستان: “الآن انتشر تهديد الإرهاب من أفغانستان إلى أماكن أخرى”.
كأنّ ثمرة التكاليف التي وصلت إلى التريليون دولار، والجهود التي بذلتها الولايات المتحدة على مدى عشرين عامًا؛ أن تنتقل تلك المجموعات المطلوبة لدى هذا البلد من أفغانستان إلى أجزاء أخرى من العالم، وتواصل أنشطتها هناك. هذا يوضّح كيف كانت الحرب الأطول والأكثر تكلفة في التاريخ الأمريكي مربحة وذات رسالة!
هناك أسباب أخرى لإهدار الإنفاق الأمريكي وحلفائه في أفغانستان، حيث أتوا لبناء أفغانستان المنشودة في الأحلام، لكن الآن مع نهاية الحرب التي استمرت 20 عامًا، لن يغادروا البلد بأنفسهم فحسب، بل يجب أن يسحبوا معهم أيضًا أولئك الأفغان الذين كانوا يتعاونون معهم في هذين العقدين تحت ألقاب مختلفة، ولا سيما في القواعد العسكرية، وهذا يدل على أن أفغانستان رغم كلّ الجهود، والمساعي لم تصبح بلدا آمنا لعملاء المحتلين، وهم مضطرون على مغادرة هذه البلاد المناهضة للاستعمار مع جميع عصاباتهم، كما قالت وزيرة الدفاع الألمانية (أناغرت كرامب) لإحدى وسائل الإعلام الألمانية: “تقع على عاتقنا مسؤولية العمل لحماية حياة الأفغان الذين عملوا معنا خلال الحرب، وفي بعض الحالات خاطروا بحياتهم من أجلنا، وسنعطيهم اللجوء السياسي في ألمانيا”.
هذا وقد كلفت الجيش الألماني مهمته في الحرب التي استمرت 20 عامًا في أفغانستان أكثر من 12 مليار دولار، ويوجد حاليًا 1100 جندي ألماني في أفغانستان تحت مظلة الناتو، فقد أعلنت ألمانيا مؤخرًا تمديد وجودها العسكري في أفغانستان لمدة عامين، لكن مع إعلان جو بايدن، سحبت وزارة الدفاع الألمانية إرادتها وأعلنت “انسحابًا منتظمًا ومنسقًا ومدروسًا” حتى 11 سبتمبر من هذا العام.
والسؤال المطروح الآن في وسائل الإعلام الغربية، وما يسمى بالإعلام الحرّ والديموقراطي، هو أنه مع 20 عاما من الاحتلال العسكري من جانب عشرات الدول الغربية وبتكلفة تريليونات الدولارات، لماذا لم يجد الأفغان وأفغانستان السلام؟ أليس هذا السؤال غريبًا جدًا؟
هل يمكن الأمل بالسلام مع بداية حرب أخرى، استعمارية واستغلالية، وذلك في مقبرة المحتلين؟
إذا كان السلام مطلوبا لديهم حقًا؛ أليس انسحاب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي -مع العلم بأن المشكلة الحالية في أفغانستان ليس لها حل عسكري- هي الطريقة الأفضل والأسهل لتحقيق السلام؟ فلماذا لا تُدعم هذه العملية؟
إذا استمرت الحرب بغية أن يأتي السلام، فهذا يعني أن السلام لن يتحقق أبدًا. لكن بمجرد انتهاء الحرب التي دامت 20 عامًا، والتي كانت مكلفة وغير مجدية، فهي بالفعل فرصة جيدة لإحلال السلام في أفغانستان، وعندئذ بدل التأخير والتسويف نحتاج إلى اتخاذ المزيد من الخطوات الجادة بشأن القضايا الأخرى، ولا سيما بناء نظام إسلامي مستقل وشامل في أفغانستان، والذي من شأنه أن تكون نقطة وصل بين جميع المسلمين في هذا البلد. ومن من ناحية أخرى، سيكون إنجازًا كبيرًا للولايات المتحدة وحلفائها للتخلّص من التكاليف غير المجدية في أفغانستان وعدم إنفاق المزيد.
لكن المثير للدهشة هو أنّ الديمقراطيين والعلمانيين الذين استقبلوا قبل عشرين عامًا الاحتلال الوحشي للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بوقاحة، يتساءلون الآن عما إذا كان انسحاب الولايات المتحدة والحلف الأطلسي من أفغانستان مسؤولا!
وهذا مثير للغرابة! فعندما أتت الولايات المتحدة والحلف الأطلسي بناء على طلب عدد قليل من العملاء والهاربين بالدبابات والمدفعية واحتلت أفغانستان، كان الاحتلال آنذاك احتلالا مسؤولا، ولكن الآن بعد تلقّي الهزيمة والانسحاب عقب الاتفاق مع الأفغان، أصبح الانسحاب في وجهة نظرهم انسحابا غير مسؤول!