تهيئة الشعب الأفغاني للاستعباد عبر الهيمنة الثقافية
إن ما يُبث على وسائل الإعلام المختلفة هو عملية مدروسة تمارس على الشعب الأفغاني المستضعف لاستعباده عبر – السياسة، والفكر، والاقتصاد والإعلام. فمن خلال هذه الوسائل تتم تهيئة الشعوب للانقياد حسب إرادة الدول المحتلة أو بتعبير أدق حسب إرادة النخب القائدة المسيطرة عليها، كل ذلك يتم تحت غلاف جميل من الشعارات البراقة : كالحرية والمساواة والديموقراطية والتقدم التكنولوجي والتجارة العالمية …
والكاتب يريد أن يسلط الضوء على آثار ما يبثه الإعلام، إذ أن لوسائل الإعلام الأثر الكبير الساحر في توجيه الشعوب، سواء سلّم بذلك المثقفون وعوام الناس أم لا، فالكثير من هؤلاء وهؤلاء مازالوا لم يدركوا بعد أن هذا التأثير يكاد يبلغ حد السيطرة التامة.
فالمسألة لاتقف عند حد التأثير على سلوكيات الناس والتلاعب بالقيم الموجهة لهم، بل تتجاوز ذلك إلى حد التحكم في تحديد التصورات والمعتقدات الموجهة لهم. ويقول في ذلك عالم الاتصالات الشهير هربرت.أ.شيلر في كتابه الشهير “المتلاعبون بالعقول”: «يقوم مديروا أجهزة الإعلام في أمريكا بوضع أسس عملية تداول الصور والمعلومات، ويشرفون على معالجتها وتنقيتها وإحكام السيطرة عليها، تلك الصور والمعلومات التي تحدد معتقداتنا ومواقفنا؛ بل تحدد سلوكنا في النهاية».
فالسيطرة السياسية تعتمد أساساً على السيطرة الإعلامية، وإن فهم الأمة يتعيّن بوصفها نظاماً اتصالياً. ويشرح هربرت شيلر عملية السيطرة الإعلامية في كتاب آخر هو “الاتصال والهيمنة الثقافية” فيقول: «حالما تبدأ عملية السيطرة، فإنها تمتد إلى جميع الشبكات المؤسسية في المجتمع الذي يخضع لها، وبما أن البنية الأساسية لموسسات التنشئة الاجتماعية وثيقة الترابط والتشابك فإن توقف تيار في إحدى القنوات سرعان ما ينتقل إلى غيرها أو يسعى إلى أن يجد فيها دعماً له».
ولكن مالذي يحدث بالنسبة للنخب السياسية والإعلامية المهيمنة عند إدخال مجتمع ما إلى النظام العالمي الحديث؟، يقول شيلر في ذلك: تتم استحالة الطبقة المهيمنة فيه، والضغط عليها، وإجبارها، ورشوتها أحياناً كي تشكل المؤسسات الاجتماعية في اتساق مع قيم المراكز المهيمنة في النظام وبنائه أو حتى الترويج لها.
أما بالنسبة إلى وسائل الإعلام العامة كالإذاعة والتلفاز فإنها تحتل مركز الصدارة في المشروعات العاملة التي تستخدم في عملية التغلغل، فلابد من أن تستخدم القوة المهيمنة المتغلغلة على وسائل الإعلام ذاتها ويتم ذلك عن طريق إضفاء الطابع التجاري على الإذاعة والتلفاز. والآن في عصر ثورة الاتصالات الضحايا الخاسرون الساقطون في مطحنة الإعلام كثيرون جداً.
ومن ثم تكون المحصلة في النهاية أن هذه المنظومة الغربية المسيطرة تنتج في هذا القطر الإسلامي كل يوم الأعداد الوفيرة من المسوخ البشرية التي تفقد مقوماتها الروحية وكل ما تعرف من قيم ومبادئ بين مطرقة الإفقار المتعاظم وسندان البث الإعلامي الصارخ المحرك للغرائز والرغبات المتجددة التي لا يمكن تلبيتها أبداً.
وهكذا يتم تكوين الشعب الأفغاني، يفقد جزء كبير منه قيمه ومبادئه في سبيل البحث عن رغبات لا يمكن تحقيقها، والجزء الآخر الذي يتواضع في البحث فقط عن أشد حاجاته الإنسانية الضرورية، يضل متقوقعاً حول ذاته، فاقد الثقة في القدرة على الحصول على هذه الحاجات الملحة بشكل يومي، الأمر الذي لا يجعله يملك المخاطرة في التفكير بأي شيء آخر.
وهذا يعني أننا سنكون أمام جموع دائمة من الفتيان والفتيات الأفغان الذين تقوقعوا حول أنفسهم، ولا يملكون القدرة على التفكير في أي شيء آخر، ومن ثم فهم مهيؤون تماماً لتسييرهم إلى أي جهة يراد لهم تسييرهم إليها، وهذه أعظم تهيئة للاستعباد.
إن الحل الوحيد لهذه الكارثة هو بإيجاد الإعلام الإسلامي والقنوات الفضائية الإسلامية البديلة التي تكافح هذا التيار، وإزالة الحاجز العازل بين الناس والإسلام الذي أوجدته أمريكا من خلال الممارسات السياسية، والإجراءات الاقتصادية، والضغوط الإعلامية، وإلصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين؛ حتى لا يسقط أبناء هذا القطر الإسلامي في الملذات الشهوانية الدائمة، ويفقدوا الصلة بينهم وبين مجتمعهم الإسلامي العريض.