مقالات الأعداد السابقة

على ضفاف الانكسار المشهود

د. نائل بن غازي – فلسطين/ غزة (رفح)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

جعل النبي –صلى الله عليه وسلم- غاية مناه أن يغزو في سبيل الله فيقتل، ففي الحديث عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنْ أَغْزُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلَ ثُمَّ أَغْزُوَ فَأُقْتَلَ ثُمَّ أَغْزُوَ فَأُقْتَلَ” (البخاري ومسلم). جعل النبي –صلى الله عليه وسلم- أمنيته تابعة للخير الذي أقامه الله في العباد لقمع الكفر ووأد الشر وانتزاع الحق، إذ إن الجهاد في سبيل الله هو السبيل الوحيد الذي أقامه الله –تعالى– لنيل الحق ودفع الشر وبسط الأمن وحماية جناب التوحيد، قال الله: “ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ” [محمد: 4] فتعينت المدافعة، ووجبت المقارعة.

في السابع من أكتوبر لعام ألفين وواحد (7/10/2001) أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش تقسيم العالم لفسطاطين تحت لواء الحرب الدينية التي رفع لواءها في البيت الأبيض، فسطاط إيمان لا كفر، وفسطاط كفر لا إيمان فيه، وقاد قوات التحالف الدولية لغزو البلد المسلم أفغانستان، وجاءت آلة الدمار والبطش على البشر والحجر والشجر، واستمسكت الفئة المؤمنة المجاهدة على ثرى أفغانستان بلواء الجهاد في سبيل الله، وخاضت معركة شرسة مع الغزاة استمرت عشرين سنة.

كان أشرس الميادين التي خاض غمارها المجاهدون: ميادين صراع الإرادات، والثقة بوعد الله، وهم يعيشون نصراً في كل سكنة وحركة، ويدفعون بطر الغزاة المحتلين.

ارتفع صوت الباطل وصارت له جلبة، وتحركت معه الماكنات الإعلامية وصورت الهزيمة نصرا وقهراً، وكان على الطلبة أن يعيشوا مرحلة الصبر ليصنعوا التاريخ، ويقيموا في الناس اليقين.

بعد عشرين سنة اندحر الاحتلال الأمريكي عن البلاد، وبانت سوءة الباطل، وتلاشت انتفاشته، وقام المجاهدون –قدراً مقدوراً- يصوبون أنظار أمتهم إلى حيث الوثوق بوعد الله، والتمسك بيقين غلبة الدين وعلوه على كل دعوات أرضية.

بعد عشرين سنة من الجهاد على ضفاف الانكسار المشهود، أبصرت الأمة حقيقة الهزيمة اليومية التي كان يعيش جحيمها الغزاة والتي سربلوها سرابيل وهم النصر بخيوط السراب، وأن العنتريات المرئية لم تكن سوى كذب مكشوف قهرته أقدام المجاهدين، وعرّته قواصفهم واليقين، وأن يقين الملا عمر –رحمه الله- قد علا كِبر الغزاة، وهو يهتف في أذن الجيل حديث اليقين: “إن الله وعدنا بالنصر، وتوعدنا البوش بالهزيمة، فسنرى أيَّ الوعديْن يُنجزُ أولاً، والله لن يُنجزَ إلا وعدُ الله” وقد كان.

بعد عشرين سنة من الجهاد على ضفاف الانكسار المشهود، أيقنت قوافل الأجيال: أن الواثق بوعد الله سيعلو فوق كل وعد مكذوب عن الهدى محجوب.

بعد عشرين سنة من الجهاد على ضفاف الانكسار المشهود، أيقنت الأمة: أن الماكنة الإعلامية التي حاولت على المدى تشويه صورة الجهاد الأفغاني، وتحسين صورة الغزاة، كانت تعاين أضرار الهزيمة اللحظية، وأن التحالف كان يتقلب على صفيح نار الجهاد الأفغاني، وأن الترويج للنصر في حينه لم يكن سوى قضم الجمر على نار القهر.

بعد عشرين سنة من الجهاد على ضفاف الانكسار المشهود، أيقنت الأمة أن العمالة التي سارعت في العدو الغاصب والتي حاولت تغيير حقائق السنن القدرية الشرعية كانت تتهاوى لسحيق الخزي اللحظي على ضفاف الانكسار المشهود، وأنها كانت مجرد دمية في مسرحية هزلية باهتة، أدوارها نجسة، في بيئة قذرة، وأن قدر الله لا يُغالب، وأن يقين النصر يسحق وهم البسط والسيطرة.

بعد عشرين سنة من الجهاد على ضفاف الانكسار المشهود، علمنا أن المهزومين نفسياً أعوزهم وخز إبر اليقين لدفع غارات اليأس عنهم، وأن الدين حتماً سيبقى منصوراً، وأن الكفر ليس له دولة دائمة “وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا” [النساء: 141]. وأن اليأس في الدعوات حرام، حرامٌ صحبتُه، وأن الأمة التي تنهض في وجه بؤسها وتقاتل هي أمة لن تموت، وأن الحقوق المسلوبة لا تسترد إلا بالجهاد وحد السنان، وإن استثقل الناس طريق الجهاد.

وأن الحق الذي لا يسانده الحديد، يتيم على مائدة اللئيم العنيد، وأن الحق الذي لا تسانده القوة، هزل في زمن الفتوة.

 

وإن ألفي قذيفة من كلام لا تساوي قذيفة من حديد

لا يرد الحق في المجلس ولكن في مكتب التجنيد

 

بعد عشرين سنة من الجهاد ذابت كيانات الهزيمة النفسية على ضفاف الانكسار المشهود، ورسخ المجاهدون بتضحياتهم ركائز اليقين بحتمية النصر والغلبة، وأن الدين منصور ظاهر، والحق غالب قاهر.

وقد قالوا قديماً قولاً حكيماً، ولا يزال معنى عظيما سليماً: الحق ما شهدت به الأعداء.

واليوم نحن أمام حقائق تاريخية قهر الزمان أصحابها وألزمهم مقالة الصدق، في زمن أفول الباطل وجنده، وعلو الحق وجنده.

الغزاة يشهدون بالفضل لأبطال الإمارة الإسلامية إذعاناً

 

وشمائل شهد العدو بفضلها

والفضل ما شهدت به الأعداء

 

هذه شهاداتهم على حقبة نقمة الأباة، على فلول الغزاة:

  1. المبعوث الأمريكي لأفغانستان: التعامل مع طالبان عسكريا لم ينجح.
  2. رئيس الوزراء البريطاني السابق: علينا أن نكون واقعيين بشأن قدرات بريطانيا أو أي قوة أخرى في فرض حل عسكري.
  3. المتحدث باسم البنتاغون: طالبان كانت تحقق مكاسب على الأرض حتى قبل سحب جنودنا.
  4. منسق الشؤون الخارجية في الإتحاد الأوروبي: طالبان انتصرت في الحرب.
  5. ماكرون الرئيس الفرنسي: ما يحدث في أفغانستان حاليا – فتح كابل – يمثل منعطفا تاريخيا له تداعيات كبيرة على فرنسا.
  6. ميركل: التطورات الأخيرة في أفغانستان – فتح كابل – مريرة لألمانيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة.
  7. جونسون: ما حدث في أفغانستان اليوم كان متوقعا منذ فترة طويلة..
  8. الرئيس الأمريكي بايدن:
  • أ‌- ما نراه الآن يثبت أن ما من قوة عسكرية يمكنها تغيير مجرى الأحداث في أفغانستان المعروفة بأنها مقبرة الغزاة.
  • ب‌- الطريقة الوحيدة لتحقيق السلام في أفغانستان هي التعايش مع طالبان.
  • ت‌- قرار انسحابنا من أفغانستان كان السبب الرئيس وراء وقف طالبان هجومها على قواتنا.
  • ث‌- عاما من الخبرة أثبتت لنا أن الاستمرار في القتال لعشرين سنة أخرى ليس حلا للأزمة.
  • ج‌- طالبان كانت في أقوى وضع عسكري منذ عام ٢٠٠١ حينما توليت السلطة.

10- البيت الأبيض: لم تتوقع أي وكالة أمريكية سيطرة طالبان على كابل في 9 أيام ولم نتوقع فشل القوات الأفغانية.

  1. المفوضية الأوروبية: على الناتو الرد على أسباب الفشل في أفغانستان.
  2. بلينكن وزير الخارجية الأمريكي:
  • أ‌- كنا سنعود للحرب مع طالبان إذا لم نسحب قواتنا.
  • ب‌- عندما تولت إدارة بايدن الحكم كانت طالبان في موقع قوة.
  • ت‌- بحلول يناير من عام ٢٠٢١ أصبحت طالبان في أقوى حالاتها عسكريا منذ هجمات ١١/٩.
  • ث‌- أسوأ السيناريوهات لم يتوقع إنهيار القوات الأفغانية خلال ١١ يوم.
  1. قائد القيادة الوسطى: لم نكن نتوقع سيطرة طالبان على أفغانستان خلال ساعات.
  2. رئيس هيئة الأركان: 800 ألف جندي أمريكي خدم في أفغانستان، والحرب لم تنته وفق الشروط التي وضعناها.
  3. مستشار الأمن القومي: الوجود الأمريكي لم يكن سيوقف تقدم طالبان وكنا سندفع ثمنا باهظا.

على ضفاف الانكسار المشهود، معالم علو منهج الطلبة، وثبات أفهامهم، ورسوخ يقينهم، وهم في الناس مشاعل هداية، تبذر في نفوس الجيل بذور اليقين وأن الجهاد حياة للنفوس، والاستسلام قهر وقتل لها، وأن النصر صبر ساعة، وأن الطاريء لا يستقر، وأن الحق له كلمة الفصل، وإن رآها الخلق كلهم بعيدة، فهي في نفوس المجاهدين أقرب مما يظن الظان بالله ظن السوء والمنهزم على عتبة اليأس المضروب.

والأمة – لاشك – لها مع النصر الأكبر موعد لن تُخلفه بإذن الله “وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا” [الإسراء: 51].

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى