على منابر من نور
أدهم شرقاوي
لم يكن شيءٌ أبغضُ إليه بعد الشرك من الظلم، كان يُحبُّ العدل والعادلين، وإذا رأى ظلماً شَنَّعه، وجاءه أحد أصحابه مرةً يُريدُ أن يشهده على أُعطية قد أعطاها لابنه، فسأله: ألكَ ولد غيره؟
قال: نعم يا رسول الله؟
قال: أكلهم قد أعطيتهم ما أعطيته
فقال: لا
فقال: فإني لا أشهدُ على جور!
وقال في مناسبة أُخرى يرسي دعائم العدل: إن المقسطين عند الله على منابر من نور على يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم، وأهليهم، وما وُلوُّا!
اشترى عمر بن الخطاب فرساً من رجلٍ من الأعراب وأعطاه ثمنه، فلما ركبها ومشى بها فإذا بها عيب، ولا تسير كما تمنَّى، فرجعَ عمر وقال للإعرابي خُذ فرسكَ فإنها معطوبة.
فقال الأعرابي: يا أمير المؤمنين لا آخذها فقد بعتك إياها سليمة
فقال له عمر: اجعلْ بيني وبينك حكماً
فقال الأعرابي: يحكم بيننا شُريح بن حارث الكندي
فقال عمر: رضيتُ به
فلما استمعَ شريحُ إلى عمر والأعرابي، قال لعمر: هل أخذتَ منه الفرس سليمة؟
فقال عمر: أجل
فقال له شُريح: احتفظْ بما اشتريتَ أو رُدَّ كما أخذتَ
فقال عمر: وهل القضاء إلا هكذا، قول فصل وحكم عدل، سِرْ إلى الكوفة فإني وليتكَ قضاءها!
بهذا العدل سادت الأمة، بأن يقف الخليفة أمام القاضي وخصمهُ أحد رعيته! ثم يقضي القاضي لصالح الأعرابي، فيفرح عمر بالعدل وإن الخاسر في القضية!
على أن العدل ليس في المحاكم فقط، في كل مواقف الحياة مساحة للعدل أو للظلم!
فيا أيها الزوج المُعدد هل عدلتَ بين زوجاتك في المعاملة والنفقة؟
ويا أيها الأب هل عدلتَ في الأعطيات بين أولادك؟
ويا أيها الجار الذي نشبَ بينه وبين جاره خلاف فتبيَّن أنه الظالم، هل ارتدعتَ أم تماديتَ؟
ويا أيها المدير هل ساويت بين موظفيك أم ميّزتَ، فتركتَ الكبيرة لأجل موظف أحببته، وعاقبت على الصغيرة موظفاً تكرهه؟
كُنْ عادلاً ما استطعتَ، وارضَ بالحقِّ ولو كان عليكَ، فإن الراضي بالحق مقيم له، وتذكروا أن المقسطين يوم القيامة على منابر من نور!