مقالات الأعداد السابقة

علْقةٌ ساخنةٌ للاحتلال من الطالبان

ما تناقلته وسائل الاعلام مؤخرا (إن الامارة تطالب إقامة علاقات سياسية مع دول العالم وفق مصالحها الشرعية وليست التدخّل في سياسة الآخرين) (وطالبت الإمارة بتعديل الدستور الأفغاني بحيث يتماشى بالكامل مع الشريعة الاسلامية} مؤكدة أنّ الدستور الحالي لا قيمة له لديها؛ لأنه صِيغ في ظل الطائرات بي52 الحربية (وأن يكون الدستور يستند إلى المصلحة الوطنية والإنجازات التاريخية والعدالة الاجتماعية) (وشاركت حركة الطالبان للمرة الأولى فى المحادثات التي جرت شمال العاصمة الفرنسية) (وشكك المراقبون في أن تحقق هذه الجلسة تقدماً ملموساً باتجاه السلام).
هذا بعض ما أثبته الإعلام في روايته وليس معنياً إلا بإخبار ما رآه أو سمعه فيقتصر عليه وأما بعض ما أغفله فهو ما نحن بصدده.
إنه لا يتعلق الأمر بمقالة هنا وبحث هناك، أو فكرة يتم زرعها في مخيّلة طفل أفغاني أو ضمير كهل أميركي كى يتداعوا علی حركة الطالبان، فإن المفاوضة التي شاركت فيها الطالبان يعد من التائيد الكبير الذي دليل جديد على كسبها حيث لا جدل فيه، وإن الاحتلال وكافة الفئات والتيارات المعادية للشعب الأفغان لم يتحققوا نجاحا في الاستفادة القصوى الممكنة من التهم التي رموا بها الطالبان من إرهابية وفوضوية، ويرسخ قول الكاتب فرض الاحتلال وأصدقائها على أنفسهم بدأ المفاوضة والمحادثة بعد ما رأت بأنها لا تملك خريطة طريق واضحة في أفغانستان، وأن الفشل أصبح يغلغل في مجتمع الاحتلال.
وقد فاجئني أصدقاء الاحتلال في قولهم (إن الرؤية التي تهتمّ بها كابول هي عملية السلام، وإزاحة الفوضى، و إنها تريد أن تنبذ العنف بشكل حقيقي).
فوجئت حيث سمعت الكلمات ممّن لم يكن الشعب يتوقع منه!.
فوجئت بأنه آلآن قد فهم أن للشعب الأفغان استحقاقات لم تنفذ، ويجب إعطائهم الفرصة لتنفيذها بالرفق لا بالصاروخ، وأن العالم يعرف أن الحركة نفذت ما فيه من إصلاحات، وأنها لم تتدخل في شؤون الآخرين، ولكن الاحتلال هي التي لم تتوقف آلة عدوانه لحظة واحدة في أفغانستان، وتبجح علانية أنها تريد سلاماً بلا أيٍ ثمنٍ، وأن يتاح لها تحقيق ما تريد بهدوء دون إزعاج، وأن لا يكون هناك قيام تحرك فاعل لتصدى عدوانها، وإحباط مخططاتها، وهذا ما لا يعقله العقل ولا تعرفه الحكمة.
وصرحت الإمارة قبل المفاوضة بتعديل الدستور الأفغاني، فإن الدستور الحالي يتركز أساسا في التعامل مع قوات الاحتلال، وله أسلوب موافق لمراحل الفكر الاحتلالي، والبعد الاجتماعي، والبعد عن القضايا الهامّة في المجتمع الأفغاني، وهذا هو المحور الذي انطلق منه الدستور فمثلاً إن الدستور يريد تقليص دور الشريعة، وتطوير الليبرالية والاهتمام بأخلاقيات غربية، والتصادم بالواقع الاجتماعي الذى يعيش به الشعب الأفغاني المسلم‘ الواقع الذي يصعب اختراقه ويختلف عن الواقع الاجتماعي في الدستور، وهذا الذي جعل الدستور يتداعى للنكسات.
لاشك أن أبرز نقاط ضعف الدستور هى كونه لا يلائم ببيئة أفغانستان، وأصبح عاجزاً عن نشر أفكاره ومواده للشرائح الاجتماعية الأفغانية مع أن أصحاب الدستور تحكمهم أجندة محددة، وهم خليط يملكون الأدوات لتوصيل أفكارهم؛ لأن الشعب الأفغان ظلّ مستمراً بأطر الإسلام الفكرية الواضحة المعالم، وأنه يعمل في تحقيق أهدافه في إطار الشريعة، وهذا ما تنشده حركة الطالبان، وتكافح لأجله، وظلت به صامدة، وإن توظيف حياة الغرب في مجتمع الأفغاني توظيف غير فاعل.
وإن تجاهلت الاحتلال ولكن العملاء قد شعروا بأنّ الدستور من شأنه العجز، وليس منصفا مع الشعب الأفغاني، ولذلك شهدنا الإمارة تنطق باسم الشعب بأن الدستور عاجز عن تطوير آلياتٍ للتفاعل بل عاجز عن اتخاذ مواقف إسلامية على الاقل.
أمّا جلسات المؤتمر في شمال العاصمة الفرنسية بهدف تجسير الفجوات بين الاطراف أمر رحّبت به الحركة بكل التأكيد، وصرحت بأنها خطوة إيجابية ومهمّة، ومحاولة لنقل وجهات نظرها بأمل تغيير وجهات نظر العالم.
واستطاعت في المؤتمر الغابر أن تفهم العالم بأن صورة الولايات المتحدة وحلفائها غير مفهومة، وأن الأمريكان في أفغانستان بحاجة تحديدٍ إلى تصحيح أخطائها؛ لأنّ مصلحتها تكمن في تصحيح أخطائها ومواجهة قضايا افغانستان لا تمكن بالتخندق والتعنّت، ويجدر بالاحتلال أن أول شيء يخرجها من قلبها حبّ التحكم على أفغانستان، وإن الاهتمام بأشياء مثل بناء المدارس ودعاية مواجهة الفقر وتحسين الصحة طبعا لا تستطيع أن يقدم حُب أمريكا خطوة واحدة نحو قلوب المسلمين في أفغانستان.
أرسل الطالبان ممّثلين إلى المؤتمر لتحذر الاحتلال من مغبة الوقوع في أخطاءها وتضييع الوقت فيها، ومواصلة العنف لا يغير من حقيقة الأمر شيئا، وإن خروج الاحتلال هو لٌب وجوهر الخلاف مع الولاية المتحدة وإن حاولت تقديم طروحات وأفكار جديدة وحلول حديثة.
وخروج الاحتلال هو أقصر طريق لتحسين العلاقات، والمطلوب من الاحتلال أن تقبل الحوار مع الطالبان على هذا الأساس من دون نقاش، وأن تعترف بظلمها في حق الشعب الأفغاني، وأن الولاية لا يمكنها حل المأزق الذى تواجهها في أفغانستان إلا بعد إخضاع لمتطلبات الحركة، ولا فائدة من تكرار نقد الطالبان.
وقد أمكن بالطبع وكما هو حاصل للجميع أن أطروحة الطالبان ستظفر بقبول أو بخضوع أطراف الاحتلال، ولذلك فقدت الاحتلال التحكم على الأمور؛ لأنها حتى الآن لم تختصر طريقها، وبقاء الاحتلال دون إخضاع لنداء الشعب الأفغاني بما فيه الطالبان من العوالق الشائكة في تطوير علاقات متكافئة مع الولاية المتحدة، وإن التركيز على ضرورة الخوض في القمع ونسف الممتلكات والأرواح كمحبط لأي تقارب أميركي إسلامي.
وقالت الإمارة إنها لا تفاوض أصدقاء الاحتلال حول موضوع عملية السلام لماذا؟
لأن أصدقاء الاحتلال تعوّدوا بتنفيذ سياسات الاحتلال، ويرتمون في أحضانها، ولا يكتفون بالتعوّد والارتماء؛ بل كأنّهم يعيشون في غابة وحشية لا يأخذون لأحد اعتبارا كائنا من كان لا لشعبهم، ولا لتاريخهم ولا لمصالح دينهم؛ بل يصاحبون وحوشاً كاسرة أخرى، وبدل أن يتعاونوا للوقوف صفاً واحداً في وجه خصوم شعبهم وبلدهم نراهم تجردوا أنفسهم من أسلحتهم وارتموها على أعتاب الاحتلال لتأمينها، والسعي إلى بقائها في بلدهم بكل الوسائل وإن كانت غير شرعية وإن كانت غير أخلاقية.
من المفترض لو أغمضنا الجفن عن المأساة التي أحدثها العملاء، وسمحنا لهم أن يتكلموا عن مستقبل أفغانستان واعترفنا أنهم يشفقون للشعب والإسلام‘ يجب علينا أن نسألهم:
على أي اساس تبنون مستقبل أفغانستان؟
وما هي القاعدة القوية؟
فهل تبنون مستقبلنا تحت رعاية الاحتلال؟
أم تحت وصاية الظلم والانهماك في العنف؟
أم تريدون بناء المستقبل على أوهام الاحتلال ومكتبها؟
أم على السراب والأماني التي لا تتحقق؟
وقد صدق من قال: “إن البعض متخلف حتى النخاع والبعض
الآخر غبيٌ حتى الجنون”.
لا أدري درجة موضوعية المؤتمر للاحتلال غير أن المؤتمر سجّل موقفاً حاسماً للطالبان، فإن الاحتلال لما بدا لها الفشل في مساعيها الإحتلالية لوقف الحركة عن المقاومة بحثت لعلها تجد خطة تستخلص نفسها من المأزق، وإن التأثير الاحتلالي على أفغانستان سينتهي خاصة مع الاقتراب اليومي لموعد انسحاب الاحتلال.
هذا إلى جانب تقييد أيدى الاحتلال على أفغانستان في وقت تنطلق فيه الحركة لمحاولة تحقيق النصر، ولرفض الانكسار استمرار المقاومة، وكأنّ الاجتماع الماضي في فرنسا تمخض للطالبان جوابا آخر على محاولات الاحتلالية التي لا طائل من ورائها إلا العبث الدموي، والاحتراف في السطو والسرقة والإجرام، ولتشهد عين العالم المأساة التي تمارسها الاحتلال ضد الشعب الأفغاني، واستمرار الاحتلال في دوّامتها ستهدد مصالحها بشكل حادٍ كما أنّها تعاني في أفغانستان في مرحلتها الراهنة حالة من الفشل والاضطراب اللذينِ يقودانها إلى فوضى مريعة، وهي لم تكن من قبل أحسن.
والاحتلال تواجه بمثل هذه المؤتمرات تحديا أكثر جذرية مع أنّها من المؤشرات في بقاء الحركة في هويتها الدينية والوطنية والتاريخية، ولن تتحول إلى هوية جديدةٍ موافقةٍ لهوية الاحتلال وأعلنت المقاومة أن مواصلة الاحتلال اسلوبها القمعي ستجرّها إلى هزيمة قريبة، وكلية وربما نهائية، وتجعلها حينئذ خارج التاريخ.
فالنتيجة أن الإمارة قدّمت للعالم وجهاً بوجه أهدافها، ومشروعها، وهو أنها تريد أمناً شاملاً مع العالم، وأنّ ديناميكية السياسة للإمارة حقيقة ملموسا تحاول أن تخرج الشعب الأفغاني من محيطه البائس الذي سببته الإحتلال إلى فرجة الأمل، وبعون الله ونصره سيحصل ذلك، ولعلّ في حضورها في كل جلسة تشعر فيها بإيجابية نموذج لتحقيق ذلك الأمل وإن كانت ظروف الوضع الاحتلال لا ترضى بذلك.
وأنّ الايجابية الوحيدة خلف الموتمر الغابر هي سعي الطالبان لمواجهة تهميش قضية الشعب الأفغاني، وأنّها ماضية في فعل شيء جاد لفرض حل حقيقي، ولا تترك الساحة للأمریكان وزمرتها الاحتلالية في مشروعاتها العنصرية المخالفة للشريعة وشرعية الدّولي بإبقاء أفغانستان معزولة ثم تسميتها (بمشروع السلام)، وأعلنت بأنه سيعطي الإعلام الذى أعلنه العملاء والخونة في ما يسمونه بالمجلس الأعلى عن تشكيل وثيقة مولفة من خمس نقاط الزخم المطلوب بالتأكيد، ويعيد الاعتبار لقواعد الاحتلال العسكرية في أفغانستان، وحقا هذه سياسة غير جميلة وغير منطقية وسيؤثر بالتأكيد على شعبية الاحتلال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى