مقالات الأعداد السابقة

الطلاب الجامعيون في أفغانستان آلام وآمال

مع بدایة العطلة في أفغانستان یبحث الطلاب الجامعیّون عن المنح التعلیمیة التي تمنحها الدول الإسلامیة وغیرها، لذلك یُشاهد في هذه الأیام جمع لا بأس به من الشباب الحائرین في شوارع كابول.
وقد ارتحل في الأعوام الماضیة عدد كبیر من هؤلاء الشباب إلی الجامعات الغربیة لمواصلة الدراسة العليا عبر مشروع المنح الدراسیة، وأكثرهم قد عادوا إلی البلد، وتقلدوا وظائف مهمة.
في هذه المقالة نرید أن نلقي ضوءً علی “المنح التعلیمیة” وأهدافها وفوائدها وأضرارها، وما عاد إلینا من الأضرار، وتأَثر شبابنا من الحضارة الغربیة، آملين أن نجد حلاً سریعاً لدفع المضار والسلبيات.

أهمیة المنح التعلیمیة:
لا شك بأهمیة المنح التعلیمیة، إذ أنها إحدى طرق انتقال العلوم والاستفادة من تجارب الشعوب. وفي سالف الأزمان -نظراً إلی الحریة الموجودة وعدم فرض الحدود- كان الطلاب والعلماء یسافرون إلی البلاد النائیة لطلب العلم ونقل التجارب العلمیة. ولكن بعدما فرض الاستعمارالبریطاني الحدود علی البلاد ومزقها، حلّت المنح التعلیمیة محل تلك الرحلات العلمیة الحرة.
وحسبنا في أهمیة المنح التعلیمیة أن الرقي والازدهار الموجود في جمیع مجالات الحیاة ناشئ من تلك الرحلات الحرة التي قام بها السلف، ثم بجهود الخلف عبر مشروع المنح الدراسیة.
إن بلدنا أفغانستان في أشد الحاجة إلی العلوم والتجارب التي وصلت إلیها البشریة، وإن تسلّح الشباب الأفغان بالعلوم الحديثة، حاجة الساعة. حاجة لا تقتضي تأخیراً؛ لأننا تأخرنا عن الركب البشري بسنین إثر الحروب التي اندلعت بعد الاحتلال السوفییتي لبلدنا.
والإسلام دین العلم والمعرفة، وإنما یحث اتباعه على الاستزادة من العلم المفید النافع. العلم الذي یساعدنا في تأدیة مسؤولیة الدعوة الإسلامیة وإعلاء كلمة الله في الأرض. والمسلم مأمور لیكون قائد البشریة في جمیع العلوم. وهذا ما فهمه السلف الصالح؛ لذلك لم یألوا جهداً في سبیل أخذ العلم ونشره في العالم.

أهداف المنح الدراسیة:
العلم میراث مشترك للجمیع، فلابد من تقدیمه إلی الطالب بتجرّد دون التطلع إلی تحقيق أهداف استعماریة. إلا أن الدول والحكومات الاستعماریة استغلّت المنح الدراسیة لتحقیق أغراضها السیاسیة والدینیة والمذهبیة وفرض قیمها وثقافاتها علی الطلاب الدارسین في جامعاتها عبر مشروع المنح الدراسیة.

أهداف الدول المانحه للمنح التعلیمیة:
الأول: التأثیر الكامل علی الشباب المسلم فكریاً وعقدياً وثقافیاً. حیث یصیر مسلماً بالمظهر والكلام والزي، لكنه منحرف تماماً عما جاء به رسول الله صلی الله علیه وسلم وعن الكتاب والسنة والتشریع الإلهي.
ومؤمن بمبادئ العلمانیة، ومعترف بقیادة الغرب، وأن النظام الغربي هو النظام الوحید الذي یستحق أن يحكم العالم، وأن الإسلام دین قد انقضی دوره ولا مجال له في أن يتصدّر العالم في عصر الرقي والازدهار.
هؤلاء المتأثرون بالنظام الغربي عندما یرجعون إلی البلاد الإسلامیة، یقفون حیاتهم للنضال الدائم ضد الإسلام والحیلولة دون تطبیق قوانینه الحكیمة.
وهؤلاء المتأثرون هم الذين أشعلوا نیران الحرب ضد الإسلام في عقر داره وقتلوا وشردوا الآلاف من أبنائه البررة في البلاد الإسلامیة.
وهؤلاء أشد ضراوة علی الإسلام من الیهود والنصاری.
الثاني: وإذا لم يتمكّنوا من تحقيق الهدف الأول، یقومون بتركيز جهودهم على تربیة رجال مسالمین، یؤمنون بمبادئ الغرب، ویبطّنون الكفر بالإسلام، ولكنهم لا یتحمّسون للنظام الغربي، وربما یتقیدون ببعض مظاهر الدین، إلا أنهم لا یبالون به ولا یحبون تطبیقه في بقعة من بقاع الأرض، ولا تحزنهم المشاكل التي تعاني منها الأمة الإسلامیة، ولا یقومون إلی العمل الدیني والإسلامي إلا كسالی.
و قد كثر عدد هؤلاء في البلاد الإسلامیة، وهم لسان الغرب في بلادنا، ینطقون بما یحب الغرب وبما يهوى.
خلاصة القول: إنهم یریدون تربیة من لا یقوم ضد الغرب؛ بل یحبه ویرحب به في البلاد الإسلامیة ویسعی لتطبیقه أینما كان.
إن أكثر المنح التعلیمیة تُعطی لهذا الغرض. والجامعات الأمریكیة التي أقیمت في البلاد الإسلامیة، منها الجامعة الأمریكیة في بیروت وكابول والقاهرة؛ تسعى لتحقيق هذین الهدفین. لذلك نری الدارسین في هذه الجامعات یطبّقون برامج الأمریكان في بلدهم. منهم أشرف غني، الذي أكمل دراسته في جامعة بیروت الأمریكیة.

المنح التعلیمیة في أفغانستان:
تعرَّف الشعب الأفغاني علی المنح التعلیمیة في أواخر عصر الملوك الأفغان، وبدایة عصر النظام الجمهوري. وبلغت المنح التعلیمیة أوجها في عصر حكومة أذناب الاتحاد السوفییتي، حیث بعثت الدولة مجموعات كثیرة من الشباب والشابات إلی روسیا والبلاد التابعة لها لإكمال الدراسات العالیة في تلك البلاد، والتشبع بثقافتها وبیئتها اللادینیة، وكان من ثمار هذه البادرة المنهزمة، نشأة مجموعة كبیرة من السیاسیین والثقافیین الأفغان الذین كانوا یتحمّسون للنظام السوفییتي وكانوا یسعون لیلاً ونهاراً لتطبیقه كاملاً في أفغانستان، والذین طعنوا أفغانستان بخنجر مسموم لم تبرأ منه بعد.
إن عملیة إرسال الطلاب إلی روسیا والبلاد التابعة لها، لم تكن منح تعلیمیة؛ بل كانت عملية أشبه بعملیة إجبارالناس على الالتحاق بالشرطة رغم إنكارهم وإكراههم. وقد كان البولیس یأتي بسیارته أمام المدرسة ویملؤها من الطلاب ویرسلها إلی روسیا.
فقام هذا الجیل، لمّا رجعوا من روسیا، بارتكاب جرائم لا إنسانیة ضد الشعب الأفغاني، وتسببوا في تشریده وتهجیره وتحییره في جمیع البلاد. لقد شنوا هجمة شعواء للقضاء علی الإسلام ومحوه من هذه التربة الطیبة. لكنّ الله قضی علیهم ورفع رایة الإسلام علی أنقاضهم وأعز الإسلام والمسلمین.

المنح التعلیمیة الجدیدة:
وفي العصر الحدیث، بعدما تجرّأ الأعداء علی احتلال أفغانستان، صارت هي مسرح تنافساتهم وتحقیق أهدافهم الخبیثة المدمرة. فبدؤوا بتطبیق مشروعات عدیدة لتربیة أبنائنا وفق ما یریدون، وقد استخدموا في هذا المجال جمیع الطرق والأسالیب، وخططوا لها خططاً بالغة الخطورة، منها “المنح التعلیمیة” التي تمنحها بعض الدول الشرقیة والغربیة لأجل التأثیر علی الجیل الناشئ. ونال كثیر من الطلاب رجالاً ونساءً على هذه المنح، وأكملوا دراساتهم في الفروع المختلفة. وعاد جمع من هؤلاء إلی البلد وتقلدوا وظائف ومسؤولیات في الدولة.
ووفقاً لإعلام وزارة الدراسات العليا الأفغانیة، غادر أكثر من ألفي طالب البلد في العام الماضي، عبر مشروع المنح التعلیمیة. وقد ازداد عدد المنح التعلیمیة للعام الدراسي القادم.

واقع الطلاب العائدین من الجامعات الأجنبیة:
لقد تأثر الطلاب العائدین من الجامعات الغربیة بالبیئة والثقافة والمبادئ المسیطرة فیها. لذلك نجدهم یشكّكون في الإسلام والقرآن والسنة، ویرون الإسلام قضیة شخصية، لا يستحق أن تحكم الناس في العصر الراهن، ولا ینبغي له أن یقود البشریة، ويرون أن الإسلام كان دیناً فطریاً وحسناً إلا أن دوره قد انتهى ولم يعد صالحاً لهذا العصر. ويرى هؤلاء أيضاً أن النظام الغربي هو الملجأ والمنجی الأخیر الذي ربطت به ناصیة سعادة البشریة. أما الدارسین في الهند فیرجعون بعقائد وثنیة وخرافیة فیشبّهون الإسلام بالهندوكیة وغیرها من الأدیان والمذاهب الوثنیة الكفریة في ذلك البلد. هذا حال كثیر من الطلاب إلا من رحم ربك.
العلة في هذا الانحراف العقدي الخطير ترجع إلی عدم نضجهم الفكري والدیني. فإن أكثرهم لا یعرفون من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه، ولم یتذوقوا حلاوة الإیمان ولم یتعرفوا علی محاسن الإسلام وجدارته للقیادة ودوره البارز في سعادة البشریة وأنه الرسالة السماویة الأخیرة التي لا سعادة للبشریة إلا بالانصهار في بوتقة تعالیمه والانضواء تحت رایته.
زد على ذلك تلك الدعایات المستمرة التي يقوم بها الإعلام الغربي ضد الإسلام وأبنائه. وإلصاق الصور والدراما المشوّهة بالإسلام وتعالیمه الغراء.
رغم حاجتنا الماسة إلی المنح التعلیمیة، إلا أنها أزمة تهدد مستقبلنا، وبدلاً أن يكون الحائزون عليها سواعد قویة فتیة یعمرون البلد ویقضون علی الفقر والبطالة التي تهددنا، صاروا یسوقون البلد إلی الكارثة.
هذه أزمة تتطلب منا حلاً سریعاً وجدیاً لا ینبغي التغافل أو التكاسل عنه.
إننا تغافلنا قبل ذلك في العهد السوفییتي ولم نزل نتذوق مرارته. والمؤمن لا یلدغ من جحر واحد مرتین.

ماهو الحل؟
إن الحل الوحید لهذه القضیة المعقدة بید العلماء والدعاة الموجودین داخل أفغانستان لیشمّروا عن ساعد الجد ویقوموا بتربیة الأجیال، ویعتنوا بالطلاب الجامعیین والدارسین في المدارس الحكومیة. وذلك بعقد دورات علمیة في الموضوعات الإسلامیة، منها العقائد والقرآن والسیرة والسنة النبوية المطهرة. ویُذوّقوهم فيها -بعملهم وحسن بیانهم- حلاوة الإیمان والإسلام، ویقنعوهم عقلیاً بأن الإسلام صالح للقیادة في كل زمان ومكان، وأن البشریة لو تمسكت به لنالت سعادة الدارین. ویربّوهم علی حب الإسلام وأهله لیعتزوا به أینما كانوا وأينما ذهبوا، لیكونوا دعاة متحمسین إلیه وإلی تعالیمه ومبادئه. وما ذلك علی الله بعزیز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى